ميثاق الشرف.. المصالحة بين قوى الثورة المصريّة أولاً

15 يونيو 2014
+ الخط -
في لحظات الفتنة، والأزمة، يبدو الشباب هو الأكثر حكمة وإدراكاً لطبيعة الأزمة، والاحتياج لسد الثغرات التي هبت منها رياح الفتنه، وتفاقمت بسببها الأزمة.
نعم أخطأ الجميع، منذ لحظات رحيل حسني مبارك، حتى تلك اللحظة التي عاد ظله ليسيطر على المشهد. كلنا أخطأنا يوم أن تركنا الميادين، لنسلّم الثورة للثورة المضادة، لتفعل بها، وبنا، الأفاعيل، وتقطع كل ما بدا موصولاً بيننا، في شهور ما قبل الثورة، وأيامها الـ18.
خطأ الكبير كبير، وخطأ الصغير صغير. لكن، لا أحد يملك الادعاء بأنه منزّه عن الوقوع في الخطأ. والخطيئة الأكبر من الخطأ ألا نعترف، الآن، أننا هزمنا أنفسنا، بأنفسنا، وخذلنا جميعاً ثورتنا، ودماء مَن ماتو منّا من أجل حلم التغيير، الذي ظل ينحسر إلى أن يتحول إلى كابوس.
أوجد بعضهم البيئة المناسبة له، وتورط آخرون في التبشير به، وترويجه.
نجحت الدولة العميقة، وأجهزة الاستخبارات المحلية، والإقليمية، والدولية ربما، في استثمار هذه البيئة، وتوظيف أطراف، وشيطنة أخرى، لاستعادة ما كان قبل 25 يناير، مستفيدين من كل الأخطاء والخطايا التي أرتكبناها في حق ثورتنا، والتي ارتكبوها هم قبل هذه الثورة، فتوحدوا، واستقطبوا، بينما فعلنا نحن العكس.
قبل ساعات، صدر في القاهرة ميثاق الشرف الأخلاقي بين القوى الثورية والسياسية، المشاركة في بيان القاهرة، وإعلان المبادئ العشرة. أهم ما يسترعي الانتباه والاهتمام، في هذا الميثاق، أنه صدر من شباب الثورة، وبعيداً عن أي توازنات، أو حسابات حزبية، أو سياسية، مع 30/6 أو ضده، بل صدر عن شباب يؤمن بتجاوز منطق الخلاف، لاستعادة روح ميدان التحرير (روح الثورة).
أدرك هذا الميثاق أوجه الخلل، وأعراض المرض، وقدم علاجاً شافياً للحالة، التي تبدو لبعضهم مستعصية، من خلال الدعوة إلى البعد عن التحيّز للأفكار، والجماعات، والأحزاب، أو الانحباس في المواقف المسبقة، ودعا إلى رفض التكذيب، والتخوين، وغياب الشفافية، والاستحواذ، أو المكايدة، أو المناكفة بين قوى الثورة وشركاء الأمس، فرقاء اليوم. كما وجه الدعوة لكل قوى الثورة بإدانة العنف، وعدم تبريره، وعدم الانشغال بالهواجس التي تحولت عند بعضهم إلى حالة نفسية جماعية، ما وصفته مقدمة الميثاق أنه أعقد عثرات هذه المرحلة.
واعتبر الميثاق أن الخروج من هذه الحالة يتطلب معالجة بالدقة الواجبة، لكي يمكن بناء عناصر الثقة المتبادلة بين أبناء الثورة ورموزها وأجيالها. وحدد، بعد مقدمته الرائعة، الواعية، تسع نقاط مهمة لاستعادة الاصطفاف الأخلاقي بين قوى الثورة، وهي:

أولاً: استعادة الثقة المتبادلة والشاملة بين الثوار أولى الأولويات، والحوار أساس استعادتها، وأساس العمل واستمرار التنسيق.
ثانياً: التعددية مبدأ وقيمة، لقد خلقنا الله مختلفين، واختلافنا تنوّع، واختبار الحياة هو إدارة هذا الاختلاف. لذلك، نؤكد على حق الجميع في الوجود والمشاركة. لذلك، نرفض كل معاني الاحتكار والاستبعاد وأشكاله، ولا نسمح بتحول الاختلاف إلى تناحرٍ يستفيد منه أعداء الثورة.
ثالثاً: تقديم الشباب وتمكينه للاستعانة به، وبقدراته، لا يأتي إلا بالتواصل الفعال بين الأجيال، تواصل التكامل لا تنابذ الصراع.
رابعاً: كل القوى الثورية شاركت في الثورة، وقدمت شهداء وتضحيات، وليس لأحد أن يمنَّ على أحد بدوره في ثورة يناير التي لم يقم بها فصيل واحد، ولا تيار واحد، وما نجحت إلا بفضل الحاضنة الشعبية التي احتضنت شرارة الشباب، وحولتها إلى ثورة شعبية جامعة. وبالتالي، يجب حل التعارض بين الرؤية الخاصة بكل فصيل والرؤية الوطنية العامة، والأصل والميزان الحاسم هو المصلحة الوطنية العليا.
خامساً: رفض كل دعوات العنصرية والطائفية والتمييز الطبقي، واللجوء إلى العنف وتبريره، والتعصب الأعمى، ونفي الآخر، والتحقير، والتكفير، والتخوين والتشكيك، والإهانة، والتشويه، والشيطنة، وتقديس الفرد أو الجماعة أو المؤسسة، أو الحركة أو الحزب، وما إليه.
سادساً: وقف الحملات الإعلامية المتبادلة بين القوى السياسية الثورية، حرصاً على عملية اصطفاف، تقوم على مواجهة عودة الاستبداد العتيد، والفساد المديد. نرحّب بالنقد البنّاء العاقل، ونرفض الهجاء والقدح الذي يوغر الصدور، ويفرّق الصفوف.
سابعاً: يتم تشكيل أمانة متابعة الخطاب المتبادل بين هذه القوى، والتي توجه الأداء بشكل عاجل، لتلافي ما يقع فيه بعضهم، ما يؤجج الخلاف.
ثامناً: يتم تشكيل فريق تصالح من الشخصيات المتوافق عليها، لحل مثل تلك الخلافات، إذا صعب تخطيها من خلال لجنة متابعة الخطاب.
تاسعاً: تقوم أمانة التنسيق بصياغة القواعد الأخلاقية بشكل إجرائي محدد، على أن يكون كل خطاب وحركة ملتزماً بإعلان المبادئ التأسيسي الجامع، المتفق عليه من القوى، والذي سوف نطرحه للحوار قريباً.
هذه النقاط التسع، في تقديري، ورشة حقيقيه للانتقال إلى حالة المصالحة المطلوبة بين القوى السياسية وشباب الثورة، كخطوة نحو مصالحة مجتمعية مطلوبة ومستحقة، وقد أشارت إليها وثيقة المبادئ العشرة المعلنة في مايو/ أيار الماضي، وكذلك بيان القاهره الأول.
إن ميثاق الشرف الأخلاقي هو المدخل الطبيعي لاستعادة الاصطفاف الوطني، لكل قوى ثورة يناير وشركائها، للدفاع عن الثورة التي فقدت كل مكتسباتها واستحقاقاتها، وباتت أثراً بعد عين.
إشارة البيان في ختامه لقيام أمانة للتنسيق لصياغة القواعد الأخلاقية بشكل إجرائي محدد، مع الالتزام بإعلان المبادئ الجامع، يؤكد أننا أمام خطوة حقيقية في بناء كيان وطني جامع، يفتح أبواب الأمل في استعادة مقومات انتصار الثورة.
شكراً لشباب الثورة، على تلك المبادرة التي نساندها جميعاً، ونقف خلفها، ونلتزم بكل ما ورد فيها، وندعو الجميع إلى الالتفاف حولها. فما يحدث الآن جملة عابرة، وستنتصر الثورة بإذن الله.


 

EFFC6895-FEE8-41EC-8CBC-8D63557C25A8
أيمن نور

سياسي مصري، نائب سابق، اسس حزب الغد، ويتزعم حاليا حزب غد الثورة