مستنقعات جنوب السودان.. الجوع أفضل من المعارك

مستنقعات جنوب السودان.. الجوع أفضل من المعارك

05 مارس 2015
+ الخط -

بحكم عزلتها داخل أكبر منطقة مستنقعات في العالم ظل سكان "نيال" في ولاية الوحدة، محميين من آلام الحرب التي تعصف بجنوب السودان حتى وإن كانوا محرومين من الغذاء وعرضة للأمراض.


ويعتمد كل سكان منطقة "بانيجار" تقريباً، وعددهم نحو 60 ألف نسمة، على المساعدات الغذائية التي تلقيها طائرات برنامج الأغذية العالمي، بحسب ما أوضح مسؤول المنطقة جون تاب بيو العضو في "المعارضة" التي سيطرت قواتها التي تحارب الجيش الحكومي، على المنطقة منذ ديسمبر/كانون الأول 2013.


ونجم هذا الوضع عن الفيضانات التي اجتاحت الحقول في السنوات الست الأخيرة، وفاقمه النزاع.

وقالت نيالام جواك التي كانت تنتظر مع ابنها نياغاد الذي بدت على يديه آثار الجرب أمام عيادة منظمة "بادرة الأمل" (ساين أوف هوب) غير الحكومية والوحيدة التي تقدم خدمات صحية في المنطقة "الوضع كان صعباً قبل الحرب بسبب الفيضانات الدائمة أثناء موسم الأمطار، لكن الناس كان يمكنها الذهاب إلى السوق وإلى جوبا. ومنذ أن بدأت الحرب أصبحنا ننتظر الحصول على الغذاء من الأمم المتحدة".

الطرقات التي تربط نيال بجوبا أصبحت غير آمنة أو مقطوعة بسبب النزاع مما يمنع التزود بالغذاء أو الدواء، وفي سوق البلدة بدت الأكشاك شبه فارغة.


ويقول جايمس غادينغ (36 عاماً) وهو يقف أمام أكياس من الشاي وبعض قناني المشروبات الغازية وقطع الصابون والسجائر "الأوضاع سيئة. كافة الطرق مقطوعة بسبب انعدام الأمن والناس ليس لديها المال".


ويتهم حاكم المنطقة بيو حكومة جوبا بمنع وصول المؤن إلى المناطق التي يسيطر عليها المتمردون.

ويوضح ميناب سيباتو المنسق الطبي لمنظمة "ساين أوف هوب" أن "الوضع الغذائي بالغ الخطورة وسوء التغذية يتفاقم. السكان لا يحصلون من المنظمات الإنسانية سوى على بعض الذرة والدخن - الذرة البيضاء - وكلاهما نشويات. هذا الغذاء غير متوازن ولا يتلاءم مع الأطفال ولهذا نوزع مكملات غذائية".


وأمام مشفى المنظمة تجد ماري صعوبة في إرضاع طفلها مالات. وتقول "ليس لدي حليب كاف لأني لم آكل كفاية".

وأضافت "آخر كمية غذاء حصلت عليها من الأمم المتحدة كانت في أكتوبر/تشرين الأول وانتهت منذ أمد بعيد. ونحن نعيش على أكل زهور اللوتس وجذورها".
وأبدت أملها في أن تتلقى، قريباً، أغذية مجدداً تلقيها طائرات شحن برنامج الأغذية العالمي على البلدة بعد ثلاثة أشهر من الانقطاع بسبب مشاكل لوجستية وأمنية.

وزاد تدفق النازحين الفارين من المعارك التي اجتاحت بينتو ومايوم، من تفاقم الوضع الصعب أصلاً.

وقالت مارتا نيابورا، الأم لعشرة أطفال التي كانت تجرش حفنة من الذرة بين راحتين حجريتين، "كنت أعيش في بايام (وهو حي في) مايوم وأعتاش من الزراعة. هنا لدينا أمن ونتلقى غذاء من الأمم المتحدة ويمكن للأطفال أن يصطادوا في المستنقعات".

ويقول الطبيب ميناب: إن عدد المرضى الذين تستقبلهم المنظمة ارتفع من 25 ألفاً في 2013 إلى نحو 58 ألفاً في 2014.

ويضيف "مثل ما هي الحال في كافة مناطق المستنقعات، فإن نسبة الإصابة بالملاريا كبيرة وهناك أمراض تنفسية وبلهارسيا وتيفوئيد وكذلك حمى مالطية".
ويستهلك الأهالي حليباً طازجاً من البقر التي لا يؤكل، أبداً، لحمها حيث إن التقاليد المحلية تعطي للبقرة مكانة مقدسة.

ولا يملك مستشفى المنظمة غير الحكومية قسماً للعمليات ولا يمكنها التعامل إلا مع الأمراض البسيطة. ويتعين نقل الحالات المعقدة إلى لير وهي رحلة غير مريحة مدتها يومان بقارب عبر المستنقعات أو إلى جوبا بالطائرة وهذا أمر غير متاح لمعظم الأهالي.


ويفضل آخرون محتمون بالنباتات العالية البقاء منعزلين. ووجدت ماري نيايينا، التي لا تعرف مثل الكثير من سكان جنوب السودان، عمرها وتضحك عند سؤالها عن سنها، ملجأ مثل كثيرين منذ عام في إحدى الجزر الكثيرة المنتشرة في المنطقة.


وطفقت وقد أحاط بها أطفال ارتدوا خرقاً وبدت بطونهم منتفخة، تقشر مع جارة لها جذور اللوتس لتصنع منها لاحقا حساء يشكل وجبتهم اليومية منذ عام. وهي لا تملك شبكاً لتصطاد وبرنامج الأغذية العالمي لا يصل إلى ناحيتها.

وتقول "إن الحياة بالغة الصعوبة في الجزيرة، لكن لا مجال لمغادرتها. فطالما لم يستتب السلام فقد نواجه الكثير من المشاكل خارجها".