محمد بعاصيري: مشروع "قضم الودائع" مدمّر للاقتصاد اللبناني

محمد بعاصيري لـ"العربي الجديد": مشروع "قضم الودائع" مخالف للقانون ومدمّر للاقتصاد اللبناني

17 ابريل 2020
محمد بعاصيري (العربي الجديد)
+ الخط -

شدد نائب حاكم مصرف لبنان السابق، محمد بعاصيري، في مقابلة مع "العربي الجديد"، على أن مسودة مشروع الـ"هيركات" (قضم الودائع) بالشكل الذي سُرّبت به مخالفة للقانون وللدستور ومدمّرة للاقتصاد اللبناني، وقال " الهيركات يجب ألا يفرض على المودعين، والحلّ الوحيد في هذا المجال يكون من خلال إعطاء المودع حرية الاختيار بمنح قسم من ودائعه مقابل أسهم معيّنة، شرط أن تحدّد قيمتها لجنة مستقلة غير مرتبطة سواء بالمصارف أو بالحكومة".

وبالنسبة لتصوره لحل الأزمة المالية والاقتصادية التي تمر بها البلاد، قال بعاصيري إن هناك عاملين لا ثالث لهما لخروج لبنان من أزمته الراهنة واستعادة ثقة المودعين في القطاع المصرفي، وهما الإصلاحات الجذرية ودعم المجتمع الدولي.

وفيما يلي نص المقابلة مع نائب حاكم مصرف لبنان السابق، محمد بعاصيري:

• كيف تقيّمون اقتراح المستشار المالي للحكومة اللبنانية "لازارد" إجراء عملية "هيركات" واسعة جداً تطاول حسابات المودعين التي تزيد عن مائة ألف دولار؟

إنّ مسودة مشروع الـ"هيركات" (قضم الودائع) بالشكل الذي سُرّبت به مخالفة للقانون وللدستور ومدمّرة للاقتصاد اللبناني، حيث إنّه من الناحية الأولى، هناك عقدٌ موقّع بين طرفين هما المودع والمصرف يطاول الودائع والفوائد، ولا يمكن لجهة واحدة من دون الأخرى أن تخلّ بالاتفاق المكتوب، وإلّا تكون قد خرقت البنود، ما يعرّضها للمساءلة.

والوديعة هي حقّ للمودع حسب العقد ولا يمكن التصرّف فيها أو حسم نسبة معيّنة منها، ولا سيما من دون رضاه حتى ولو أنّ العملية مقابل أسهم محدّدة.

بالإضافة إلى ذلك، فإنّ هذه الخطوة تحتاج لقانون، وهو متعذر حصوله في الوقت الراهن. أما من الناحية الاقتصادية، فإنّ التصرف في الودائع من شأنه أن يعلن نهاية لبنان اقتصادياً ومصرفياً، لأن المودع سواء الموجود في البلد أو خارجه، لن يدخل مجدداً أي وديعة إلى المصرف بعدما يكون قد فقدَ الثقة في القطاع المصرفي اللبناني. وأرى أنّ مشروع الهيركات لن يمرّ.

• برأيكم، ما هو الاحتمال الذي قد تلجأ إليه الحكومة في إطار التطورات الأخيرة؟

الهيركات يجب ألا يفرض على المودعين، والحلّ الوحيد في هذا المجال يكون من خلال إعطاء المودع حرية الاختيار بمنح قسم من ودائعه مقابل أسهم معيّنة، شرط أن تحدّد قيمتها لجنة مستقلة غير مرتبطة سواء بالمصارف أو بالحكومة، وذلك بهدف تأمين الشفافية المطلوبة للعملية وتقدير القيمة الحقيقية للسهم من دون مواربة.

عندها يعلن المودع عن رغبته في المساهمة في المصرف حيث ودائعه التي يتعذّر اليوم الوصول إليها بطريقة "الكاش" أو النقدي، مع ضرورة تحرير قسم من ودائعه لتكون العملية أكثر شفافية وتحفيز المودع مالياً.

 

• كيف يُمكن للبنان أن يخرج من أزمته الراهنة، ولا سيما على الصعيد النقدي والمصرفي؟

يعيش لبنان اليوم أزمة ثقة، بعدما باتت شبه معدومة، سواء من قبل المودعين تجاه المصارف، أو من جانب المجتمع الدولي، ولا سيما بعد انتفاضة 17 أكتوبر/تشرين الأول الماضي.

وكان الاقتصاد اللبناني قبل هذا التاريخ مبنياً على الشيكات والبطاقات الائتمانية بشكل كبير، لا على "الكاش" أو النقدي، إنما نزول اللبنانيين إلى الشارع وإقفال المصارف أبوابها في ظلّ غياب عامل الثقة، جعلهم يسارعون إلى سحب أموالهم النقدية أو الحصول على قسمٍ من ودائعهم بطريقة الشيك بغية صرفه عند الصراف رغم خسارة نسبة من قيمته.

وفقاً لذلك، فإنّ الحلّ الوحيد للخروج من الأزمة يكون من خلال استعادة الثقة، الأمر الذي لا يتحقّق إلّا من خلال عاملين، الأول يتمثّل في الإصلاحات الجذرية، والعامل الثاني يكون بدعم المجتمع الدولي للبنان.

 

• وما هي رؤيتك لعمليات الإصلاحات المقترحة؟

على صعيد الإصلاحات، هناك خطوات جذرية على الحكومة أن تبدأ بتنفيذها، أهمها في قطاع الكهرباء، حيث يفوق العجز 40 مليار دولار، أي ما يوازي نصف الدين العام تقريباً. علماً أنّ لبنان يعاني من انقطاع التيار بشكل مستمرّ، رغم المبالغ التي صرفت بهدف حلّ المشكلة.

وبالتالي، فإنّ معالجة هذه المسألة التي تكلف الدولة ملياري دولار سنوياً من شأنه أن يكون الإصلاح الأول الذي يعيد الثقة في لبنان، والذي يجب أن تليه إصلاحات جذرية في المرافئ، ولاسيما مرفأ بيروت، من أجل وضع حدّ للتهريب، بالإضافة إلى الشروع في المحاسبة واسترجاع الأموال المنهوبة، وهذا إجراء لم يدخل حيز التنفيذ حتّى الساعة رغم مطالبة اللبنانيين بتحقيقه، ولم نسمع أو نلمس أي تحرّك في هذا الاتجاه. وما إلى ذلك من إجراءات لوقف الفساد وتحقيق الشفافية والقيام بإصلاح إداري جديّ وحقيقي على صعيد الدولة.

 

• هل لا يزال بإمكان لبنان الحصول على مساعدات دولية رغم تخلفه عن سداد ديونه للخارج؟

لبنان ليس أول بلد لا يدفع التزاماته، فهناك على سبيل المثال قبرص واليونان والأرجنتين، والمجتمع الدولي حريصٌ على عدم وصول لبنان إلى الخراب، لكن من الطبيعي أن تضع الدول التي ستساعد بيروت بعض الشروط المتعلقة بالإصلاحات، وهذا أقلّ الإيمان، ليس تحقيقاً لمطالب دولية، بل لحسّنا الوطني وواجبنا في الدعوة إلى وقف الهدر والفساد.

 

• ما هي الجهات التي يمكن أن تساعد لبنان؟ وهل للولايات المتحدة أن تلعب دورا في ذلك، نظراً لعلاقتها بالقطاع المصرفي؟

الجهات القادرة على مساعدة لبنان كثيرة، بدءاً من مؤتمر سيدر الذي كان من المفترض أن يمنح لبنان حوالي 13 مليار دولار، لكن عدم سير الحكومة اللبنانية في الإصلاحات التي اشترطها المؤتمر حال دون تقديم هذه المساعدات التي لم تعد متوفرة، أقله في الوقت الراهن.

كما يمكن لصندوق النقد الدولي أن يساعد لبنان الذي لأميركا حوالي 20% منه، وبالتالي فإن موافقته على تقديم المساعدة مرتبط حكماً بقبول أميركي، لكن أستبعد حصول دعم مالي مباشر من الولايات المتحدة. كذلك، لدول الخليج أن تساعد لبنان، لكنها بدورها تحتاج إلى أجواء مشجعة للقيام بهذه الخطوة. من هنا، فإنّ كل الحلول موجودة وجاهزة لكنّها معلّقة بانتظار البدء بالإصلاحات الجذرية لاستعادة الثقة المحلية الشعبية والعربية والدولية.

 

• هل صحيح ما يقال بأن زمن الدولار انتهى في لبنان؟

هذا الكلام ليس دقيقاً، لأن لبنان هو بلدٌ مستوردٌ إلى حد كبير جداً، حيث بلغ حجم الاستيراد قبل انتفاضة 17 أكتوبر 20 مليار دولار تقريباً، أي أكثر من 30% من الناتج القومي. وتجدر الإشارة إلى أن لبنان في حقبة السبعينيات لم يكن نظامه مدولراً وميزان المدفوعات كان إيجابيا جداً، وكذلك الخدمات المصرفية والسياحية والودائع. والثقة كانت موجودة بالبلد وبالليرة التي تعاطت بها كبرى الشركات العالمية، منها شركة "رينو" الفرنسية. يمكننا العودة إلى تلك الحقبة، لكن هذا الأمر بعيد المدى وربما يتحقق إذا تحول لبنان فعلاً إلى دولة نفطية.

 

• هل اقترب لبنان من أن يشهد تغييراً في سعر صرف الليرة الرسمي؟

العملة هي انعكاس أو مرآة الاقتصاد الذي يعيش اليوم أسوأ أيامه، وأتمنى على القوى السياسية كلّها أن تخرج من حالة الانكار وتعترف بوجود مشكلة كبيرة، بغية اتخاذ قرارات جريئة من شأنها أن تعيد قيمة الليرة التي تراجعت للأسف كثيراً مقابل ارتفاع سعر صرف الدولار في سوق الصيارفة.

وعلينا أن نشير إلى أنّ سلسلة الرتب والرواتب ورغم أحقيّتها، لكن القطاع المصرفي حذّر منها وقد تجاوزت قيمتها ملياري دولار، ما انعكس سلباً على قيمة الليرة اللبنانية وعلى سعر الصرف، أقله غير الرسميّ.

 

• كيف يتم تحديد الودائع وتوزيعها بين المودعين الصغار أو الكبار؟

يُقال إنّ القيمة يمكن تحديدها وفقاً لنسبة الودائع الموجودة في المصارف اللبنانية، من أجل إيجاد حل لأكبر عدد ممكن من المودعين، ولكن أنا أرى أنّ الحلّ يجب أن يطاول جميع المودعين من دون استثناء أو تمييز، وهم سواسية أمام القانون والدستور، وفي حال كانت هناك شكوك بوجود أموال غير شرعية لأحد المودعين أو المؤسسات، يجب أن تفتح الملفات على مصرعيها وتحويلها إلى القضاء لا التفرقة بين المودعين.

 

• هل هناك اتجاه لتقليص عدد المصارف في لبنان من خلال دمجها؟

بات من المعروف أنّ الأموال لم تعد متوفرة في المصارف بشكل كبير، وهي اليوم في أدنى مستوياتها، وعند الأخذ بعين الاعتبار انعكاسات "اليوروبوند" وتباطؤ دفع التسليفات وغيرها من العوامل، نجد أنّ الدمج قد يكون الطريق الذي من الممكن أن تلجأ إليه بعض المصارف، إذ أن عدد المصارف الذي يصل إلى 65 على مستوى لبنان يمكن اختصاره في خمس وعشرين مجموعة. وفي جميع الأحوال، فإنّ الهدف الأول يجب أن يكون في إعادة هيكلة القطاع المصرفي ورسملة المصارف التي يجب أن تكون بدورها سليمة مالياً وإدارياً.

 

• إلى أي مدى تتحمل المصارف مسؤولية ما حصل في ظلّ عملية تهريب الأموال التي حصلت؟

حاول مصرف لبنان توجيه البوصلة، لكن بعض إدارات المصارف تعاطت مع الأزمة بشكل سيئ وعمدت إلى إجراء تحويلات مالية للخارج بعد 17 أكتوبر/تشرين الأول بطريقة استنسابية وانتقائية، ما أعطى الطابع غير القانوني لخطوتها، كونها منعت مودعين آخرين من تحويل أموالهم بحجة القوة القاهرة التي سرت على هؤلاء فقط، في مخالفة دستورية صريحة اسقطت حجة هذه المصارف. وبالتالي، فإن أي قانون له علاقة بـ"الكابيتال كونترول" يجب أن يأخذ في عين الاعتبار الودائع التي حوّلت إلى الخارج. بالإضافة إلى ذلك، يجب ملء الفراغ في المجلس المركزي، وهو مركز القرار في السياسة النقدية والمصرفية.

المساهمون