محاكمة القرن، فصل أخير

محاكمة القرن، فصل أخير

10 يونيو 2015
+ الخط -
لم يشكل قبول محكمة النقض المصرية طعن النيابة العامة على قرار محكمة الجنايات عدم جواز نظر الدعوى المقامة ضد الرئيس المخلوع حسني مبارك في قضية قتل المتظاهرين، بارقة أمل بالنسبة لأسر شهداء وجرحى الثورة المصرية، لأنهم يدركون أكثر من غيرهم، أن القرار ليس سوى مناورة جديدة تنطوي على مآرب سياسية وقضائية عديدة، ولن يغير من واقع حال بقاء مبارك خارج القفص الاتهامي، بعدما أنهى الحكم الأخير الملف، وكان بمثابة طي لملف سنوات الحكم الثلاثين، ولا سيما أن الحكم الحالي ليس سوى امتداد للسابق.
مصدر التشاؤم أن الطعن الأخير يتعلق فقط بجزئية الاشتراك غير المباشر لمبارك في جريمة قتل المتظاهرين، في حين أن المدان الأول، والمتهم المباشر في الجريمة (وزير الداخلية الأسبق حبيب العادلي) حصل على براءة نهائية من المحكمة نفسها.
وهذا بمثابة سند قانوني لدى محكمة النقض على براءة مبارك من تهمة الاشتراك في الجريمة، وبالتالي، فإن الإعلان النهائي عن البراءة ليس سوى مسألة وقت، لن يتجاوز موعد الجلسة المحدد في الخامس من نوفمبر/تشرين الثاني المقبل.
وللخوض في حيثيات القرار، لا بد من التطرق إلى حملات النقد والإدانة الدولية التي طاولت القضاء المصري في عهد الرئيس عبد الفتاح السيسي، وكان آخرها تصريح رئيسة منظمة العفو الدولية في ألمانيا، سلمين جاليشقا: "إن مصر تحت إدارة الرئيس، عبد الفتاح السيسي، تشهد أكبر أزمة حقوق إنسان في التاريخ الحديث". في إشارة واضحة إلى أحكام الإعدام التي وصلت إلى 1661 حكماً، وهو رقم غير مسبوق. فضلاً عن وجود 40 ألف معتقل في السجون المصرية، منهم 63 صحافياً، و12 ألف سجين احتياطي من دون محاكمة.
تبع ذلك تساؤلات ألمانية، في أثناء زيارة السيسي برلين حول موعد إجراء الانتخابات البرلمانية، وملف الحريات العامة، وحقوق الإنسان، حيث تناولت المحادثات الثنائية بين السيسي وميركل، كل هذه التفاصيل، بالإضافة إلى أحكام الإعدام التي كانت أكثر الملفات إحراجاً للنظام المصري.
على ضوء ذلك، نستطيع أن نفسر قرار محكمة النقض الذي جاء بعد يومين من زيارة السيسي العاصمة الألمانية، بأنه محاولة لإجراء عملية تجميل لوجه القضاء المصري، الذي فقد هيبته ووقاره منذ أن ارتضى صاحب أعلى سلطة قضائية في مصر (عدلي منصور)، أن يكون واجهة لنظام ديكتاتوري.
وإن كان آخرون قد نسبوا عملية التجميل لسمعة مبارك، تمهيداً لخروجه الناصع بعد خمسة فصول هزلية، قضاها مرفهاً، بين المجمع الطبي العالمي ومستشفى المعادي العسكري، شملت مراحل الإدانة، ثم البراءة، ثم الطعن على البراءة، ثم الحكم النهائي بالبراءة، ليخرج في النهاية حملاً وديعاً، بريئاً من كافة التهم التي وجهت إليه.
إذاً، لا يفصلنا عن إسدال الستار على مسرحية القرن، سوى هذا الفصل الأخير، بعدها سيخرج علينا مبارك ونجوم المسرح الذين أسندوا إليه دور البطولة، ليحيوا المشاهدين، متمنين لهم قضاء أوقات مسلية في حضرة قضاء مستقل، عنوانه: "العدل أساس الملك".
مريحيل
مريحيل
علي أبو مريحيل
كاتب فلسطيني، عمل مراسلاً صحفياً في الصين لعدد من المؤسسات الإعلامية العربية. لديه العديد من المؤلفات والأبحاث والمقالات والتقارير الصحفية المرئية والمكتوبة.
علي أبو مريحيل