مجلة "كيكا": الترجمات كمقترحات جمالية

مجلة "كيكا": الترجمات كمقترحات جمالية

01 فبراير 2016
"جو ملموس"، أولافور إليسون/ الدنمارك
+ الخط -

لم تصدر "كيكا" (مجلة الأدب العالمي التي يحررها الكاتب العراقي صموئيل شمعون) ورقياً خلال الصيف الفائت. المجلة التي اتخذت مساراً جريئاً ومعاكساً لبعض الدوريات الأدبية والصحافية حول العالم، بانتقالها من الوسيط الإلكتروني إلى الورقي، كانت قد صدرت في ستة أعداد، ثم غابت عن قارئها فصلاً كاملاً، لتعود اليوم في عدد مزدوج (السابع والثامن) يغطي فصلي الصيف والخريف.

في مقدمتها "كلمة كيكا"، عزت المجلة هذا "الإرتباك" إلى وفرة الأحداث المأسوية التي تحتل المسرح "الشرق أوسطي" اليوم، كما "إرهاب الرقابة الفكرية" في عدد من بلدان المنطقة، وما يتضمنه من منع عدد من المؤلفات الأدبية والفكرية من المشاركة في معارض للكتب ومحاكمات لشعراء وكتّاب.

تطرقت "كلمة كيكا"، كذلك، إلى نقطة بالغة الدلالة، تتعلق بالترجمة التي أصبحت مشرّعة أمام كل من "هب ودبّ"، معتبرة أن "الجرائم التي ترتكب بحق الأعمال الأدبية المنقولة إلى العربية لا تقل عما يرتكبه بعض الانظمة العربية".

من هنا، جاء هذا العدد، كردّ وركيزة في هذا المجال، ممثّلاً في مضمونه نوعاً من الاحتفاء بالترجمات العالية لنصوص من العالم، كمقترحات جمالية مهداة إلى القارئ العربي، وربما إلى المترجِم الرديء الذي يعيش بيننا أيضاً.  

"كيكا" الجديدة تتضمن أعمالاً بين القصة القصيرة والقصيدة والمقالة، لكتّاب مثل هنريك إبسن، سالي ماكغرين، يورغن هرمان مونراد، مادلين ثيان، ميروسلاف هولوب، كوون يو-سون، عبدالرحمن فوهادي، دولار قرداغي، تايشي يامادا، سونيا غوميش، هيلون هابيلا وزادي سميث التي يُنظر إليها اليوم كإحدى نجمات الأدب المعاصر الشابة.

كما ينشر العدد إحدى عشرة قصيدة للشاعر العراقي والناشر خالد المعالي، ونصَّ مسرحية "حمام بغدادي" لجواد الأسدي إضافة إلى فصلين من كتابه "مسرح النور المر". النصوص المترجمة نقلت إلى العربية عن لغات كالإنجليزية، الفرنسية، الألمانية، الدنماركية، التركية، الكردية والبرتغالية، وبجهود عدد من المترجمين كفاضل العزاوي، عبدالقادر عبداللي، علي عبد الأمير صالح، خالد جبيلي، دنى غالي، عماد خشان، محمد حسين المهندس وطيب جبار، عبد الجليل العربي، نجيب علي ابراهيم، محمد حبيب، ماجد حيدر.

كذلك يسرد لنا الكاتب محمد خشان رحلته الاولى إلى اليابان التي شكلت حلماً منذ الطفولة، بملاحظات ذكية وأسلوب يعتمد السرد الرشيق على حساب الاستعراض الثقافي. كذلك أفردت المجلة ملفاً عن مهرجان أوديسا للأدب في دورته الأولى (2015)، وشارك فيه أدباء من أوروبا والولايات المتحدة وروسيا وتركيا والعراق. المهرجان انعقد في مدينة أوديسا الأوكرانية المدينة المعروفة بإرثها الثقافي المتنوع وخليطها الاجتماعي الرحب. فهي إحدى النقاط الحدودية جغرافياً بين أوروبا وآسيا بموقعها على البحر الأسود.

أما افتتاحية العدد فجاءت بقلم الكاتبة التركية بيريهان ماغدان (ترجمها إلى العربية عبدالقادر عبداللي) التي تناولت فيها وحدة إنسان القرن الواحد والعشرين وخوفه المتعاظم إزاءها. الوحدة التي أصبحت جزءاً أساسياً من هويتنا اليوم، وعبئاً نفسياً وفكرياً، نسعى بكل الوسائل إلى تخطيه وقتله، بل ونُطالب بذلك، كما لو أنه ممنوع علينا أن نكون وحيدين أو أن نغوص إلى عمق ذواتنا. العمق الذي إذا ما بلغناه بحسب سلافوك جيجيك "فلن نجد فيه إلا القذارة".

الكاتبة تعالج هذه الوحدة، راسمة بورتريه لميكانيزم النظام العالمي الذي يعمل على محاصرتنا بها أو بعلاماتنا ثم يوفر لنا الدواء للمعالجة من هذا "الوباء" النفسي المهدد. فنجد أننا محاصرون، في المقابل، بأنظمة جديدة تشكل قانون المجتمعات العام، كالتواصل الإلكتروني، الصامت مع بيئات اجتماعية افتراضية، كما الانعتاق في نظام الصورة والاستسلام لها كماكينة علاج من وسواس قهري بأننا قد نفنى صورياً، أو هذا ما نعتقده على الأقل.  

العدد اختتم العدد بمقالة لمارغريت أوبانك التي تحدثت عن أصداء بعض النصوص العربية في مجلة "بانيبال" في عددها الرابع والخمسين الأخير لعام 2015. لفتت أوبانك إلى الموضوع الإبداعي الذي بات يميّز عدداً من نصوص الكتّاب العرب، والذي يتضمن بصورة خاصة ملمحاً قوياً وإشارات أساسية للسيرة الذاتية لكل منهم. بحيث لم تعد تفاصيل ما يعيشه الكاتب بعيدة عن معالجته الأدبية، بل إنها تشكل بطريقة ما خريطة أولية لمقاربة تاريخية وسياسية وسوسيولوجية، من خلال ما يعيشه الكاتب عبر ابتكاره شخصيات اختبارية أو اتكاله عليها، وما تواجهه هذه الشخصيات من يوميات وأزمات.

بورتريه وافٍ رسمته أوبانك للعدد الأخير من مجلة "بانيبال" وكتّابها، كذلك أشارت إلى أن الدورية الأدبية اللندنية التي تعنى بتقديم الأدب العربي إلى قرّاء الإنجليزية، تنشر اليوم ولأول مرة نصاً مسرحياً، هو لجواد الأسدي، في بُعدٍ ابداعي جديد يبدو أن المجلة ستعتمده من الآن فصاعداً.


اقرأ أيضاً: الوحدة في ثلاثينيات القرن الواحد والعشرين

دلالات

المساهمون