ماذا بعد تحرير سرت؟

ماذا بعد تحرير سرت؟

26 اغسطس 2016
+ الخط -
تواصل قوات حكومة الوفاق الوطني الليبية المنبثقة عن اتفاق الصخيرات محاربة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) في مدينة سرت، في العملية العسكرية "البنيان المرصوص" التي بدأت منذ شهر مايو/ أيار 2016. فقد حررت تلك القوات كل المناطق الواقعة ضمن محور "سرت-مصراته"، واليوم تحاصر "داعش" في أحياء سرت. وحسب ما صرّح الناطق باسم العملية العسكرية، محمد الغصري، فإن تحرير سرت من "داعش" بات قاب قوسين أو أدنى، وما هي إلا أيام قليلة حتى يتم تحريرها بالكامل.
المتابع لعملية "البنيان المرصوص" يكتشف الازدواجية الغربية في مسألة محاربة الإرهاب وتجفيف منابعه، وتقديم الدعم للحكومات والأطراف التي تحاربه. إذ لم تحظ العملية بدعم كامل، ولا تغطية إعلامية ومتابعة من مراكز صنع القرار الغربية التي وعدت بدعم حكومة الوفاق الوطني في البيان الوزاري المشترك الصادر عن مؤتمر فيينا في 16 مايو/ أيار2016 الذي طالب برفع حظر الأسلحة ودعم الحكومة في بناء قوة عسكرية قادرة على ضبط الأمن والاستقرار في ليبيا، بالإضافة إلى حزمة دعم متكاملة اقتصادية وأمنية. بقي ذلك كله حبراً على ورق، ولم ينفّذ منه شيء. حتى جاء تدخل الولايات المتحدة الأميركية في بداية أغسطس/ آب بتنفيذ ضربات جوية، بعد أن حرّرت قوات "البنيان المرصوص" أكثر من 80 في المائة من مدينة سرت، واستعادت عدة مدن بين مصراته وسرت. في المقابل، يستنفر الغرب ذاته أدواته الإعلامية، ويوجه دعمه العسكري والسياسي للقوات الكردية التي تحارب "داعش" في سورية، ودحر "داعش" من منبج مثالٌ صارخ على الازدواجية الغربية. ناهيك عن أن القوى الدولية والإقليمية التي تدعي جهاراً نهاراً دعمها لحكومة الوفاق الوطني، برئاسة فايز السراج، كحكومة شرعية وحيدة في ليبيا، تجدها تدعم سياسيًا وعسكريًا أطرافاً داخلية ليبية معارضة للحكومة، وهو ما كشف عنه سقوط الطائرة التي على متنها ضباط فرنسيون، تقاتل إلى جانب اللواء خليفة حفتر شرق البلاد في هذا بداية شهر أغسطس/ آب الجاري. الأمر الذي يعزّز الفكرة القائلة بأن التدخل الخارجي في ليبيا يزيد من تأزم المشهد السياسي والعسكري الداخلي.
سيثير تحرير سرت من قبضة داعش تساؤلات عديدة بشأن مستقبل العملية السياسية المتعثرة
في ليبيا، المنقسمة اليوم بين شرق، حيث البرلمان الذي يترأسه عقيلة صالح ويدعم اللواء خليفة حفتر، وغرب فيه حكومة الوفاق الوطني المدعومة من كتائب الثوار في مصراته، القوة الأكثر تدريبًا التي تحارب "داعش" في سرت. وكان الخلاف بين التيارين، وما زال، على الاتفاق السياسي وبنوده، وخصوصاً المادة الثامنة التي تعطي المجلس الرئاسي صلاحياتٍ واسعة. إذ يعارض تيار صالح - حفتر الاتفاق، ويتمسك بالمادة الثالثة عشرة التي تنص على أن البرلمان هو الجهة المخولة بمنح الثقة لحكومة الوفاق الوطني التي لم تحصل عليها حتى اللحظة. لكن التحولات في توازن القوة في الغرب الليبي، بعد تحرير سرت، يضع المراقب أمام سيناريوهين:
الأول، أن تعيد الأطراف المعارضة لحكومة السراج النظر في سلوكها السياسي، والقبول بتسوياتٍ سياسيةٍ تعيد الحياة للعملية السياسية الداخلية، والبحث عن حلول مرضية لكل الأطراف، وفي مقدمتها تعديل بعض مواد الاتفاق السياسي، وفي مقدمتها المادة الثامنة. وإثر ذلك، يمنح برلمان طبرق حكومة السراج الثقة. ولعل التحرّكات، أخيراً، في تونس التي شهدت توقيع اتفاق بين قبيلة العبيدات التي ينحدر عقيلة صالح منها، وأعيان مدينة مصراته تعزّز هذا الاتجاه.
الثاني، قراءة تيار عقيلة - حفتر هذا التحول في ميزان القوة في الغرب أنه يضر بموقعه ومكانته في المشهد السياسي الداخلي الليبي. لذا، قد يعمل على إعادة التوازن من خلال التحرك عسكرياً، بدعم بعض القوى الإقليمية، باتجاه منطقة الهلال النفطي والدخول في مواجهة مع قوات "حرس المنشآت النفطية" التي يترأسها إبراهيم الجضران الموالي لحكومة السراج. وبذلك، تكون سيطرتها على منابع النفط نقطة قوةٍ لها تعيده إلى مسرح الأحداث بقوة وتأثير، خصوصاً بعد التقدم نحو حقل الزويتينة أهم حقل نفطي، فقد تعهد عبد الرزاق الناظوري، رئيس الأركان العامة التابع لخليفة حفتر، بالتحرّك "لتأمين وحماية" الموانئ والحقول النفطية، وأكد الناظوري أن السبب الذي سيدفع بالجيش إلى دخول منطقة الحقول النفطية ليس للاحتلال، أو ليكون بديلاً عن المرتزقة والسارقين المارقين، حسب رأيه، بل حماية للموانئ النفطية، مصدر دخل الشعب الليبي. الأمر الذي يعني انزلاق البلاد في أتون حربٍ جديدةٍ، عنوانها منابع النفط.
وعليه، أمام حكومة فايز السراج تحدّيات جسيمة، بعد تحرير سرت من داعش، وسيكون ذلك بمثابة اختبار حقيقي على توفير الحد الأدنى من السلطة في البلاد. ولعل التحدّي الأهم هو دفع عجلة المصالحة والحوار الوطني الذي يضم كل مكونات الشعب الليبي، والتسريع بدمج كل الكتائب المسلحة ضمن جيش ليبي موحّد. بالإضافة إلى وضع خطط اقتصادية تنموية، للنهوض بواقع المواطن الليبي الذي طحنته رحى الاحتراب الداخلي.
05C60754-3195-4BA1-8C61-5E78E41A4B63
أحمد قاسم حسين

كاتب وباحث فلسطيني في مركز الأبحاث ودراسة السياسات، مقيم في الدوحة