لغة كرة القدم... بين ممارسة الحب واللحاق بالحافلة

لغة كرة القدم... بين ممارسة الحب واللحاق بالحافلة

20 أكتوبر 2018
كرة القدم لغة الشعوب (Getty)
+ الخط -



كرة القدم هي لغة. ربما أكثر لغة متداولة على الكرة الأرضية. هي اللغة التي تتفوق على قوة الإنكليزية، جمال العربية، صعوبة الصينية، أناقة الفرنسية، فن الإسبانية. كرة القدم تُمارس كأكثر من أي ديانة في العالم. كرة القدم لا مثيل لها في العالم، فهي معبودة الشعوب بحلاوتها ومرارتها. باختصار كرة القدم هي أسلوب حياة.


لكل مباراة حكاية خاصة

يقول الصحافي الفرنسي جان إسكينازي مؤلف عدة كتب شهيرة عن كرة القدم: "هذه اللعبة هي الشيء المشترك الوحيد بين جميع شعوب العالم، هي لغة عالمية مفرداتها لا تتغير من أقصى الشمال إلى أبعد نقطة في الجنوب. وأطلق الصحافي السويدي فريديريك إكيلوند على كرة القدم اسم "Esperanto of the feet"، وهو الذي يُعرف بالمعجم العالمي لكل لغات العالم والذي يُسهل التواصل بين الشعوب وفقاً لمعجم واحد.

كل مباراة كرة قدم هي حكاية بحد ذاتها. يمكن تأليف كتب وروايات تتحدث عن ركلة حرة خرافية مثلاً، عن هدف عالمي بالكعب أو تصد أبهر الجماهير في المدرجات. لكن من الصعب أن تُختصر هذه اللقطات بالكلمات فقط. وهنا يؤكد الصحافي المكسيكي خوان فيلورو صعوبة إيجاد رواية عالمية عن كرة القدم مثلاً، فالجواب يمكن اختصاره بكلمات بسيطة: "كل مباراة لها ملحمتها الخاصة، لها مأساتها وأحداثها المضحكة الخاصة".

إن الكاتب الذي يُحاول الكتابة عن كرة القدم وملاحظة كل التفاصيل القصيرة التي تتحدث خلال 90 دقيقة، عادةً يجمع كل فُتات القصة التي تُرافق المباراة، في محاولة منه لتوثيق كل لحظة على أرض الملعب ودمجها مع الحياة اليومية. وهنا يمكن الالتفات لما ذكره الروائي الألماني كارل أوفي كناوسغارد عندما تحدث عن كرة القدم ووصفها بأدق تفاصيلها.

يقول كناوسغارد: "من خلال 90 دقيقة من مباراة، تُلاحق كل الأحداث، كل التحركات، كذلك أسماء اللاعبين ليس فقد داخل الملعب إنما خارجه أيضاً. ترصد حياتهم، عائلتهم، كيف يتصرفون قبل وبعد المباراة وفي السنوات القادمة، المسيرة الكروية بصعودها وهبوطها". وباختصار يُفسر كناوسغارد بأن كرة القدم هي أسلوب حياة وهي عالم بحد ذاته والغوص فيه يتطلب ملايين الصفحات.


بين ممارسة الحُب واللحاق بالحافلة

بعد الحديث عن كرة القدم كونها لغة عالمية يمكن الانتقال إلى أسلوب هذه الرياضة فنياً وتكتيكياً وأهميتها الكبيرة "عقلياً" لأنها ليس مجرد 11 لاعباً يركضون وراء كرة. يقول الصحافي الفرنسي جان إسكينازي في أحد مؤلفاته التاريخية: "ما هو الأسلوب الأفضل للعب كرة القدم: اللعب مثل من يُمارس الحُب أو مثل من يُحاول اللحاق بالحافلة"؟

يمكن اعتبار المقولة الشهيرة للصحافي الفرنسي جان إسكينازي على أنها أفضل توصيف لعمل المدربين على أرض الملعب في كرة القدم. فهذه الرياضة فيها تفاصيل كثيرة لا يمكن حصرها في مُحور واحد. من التشكيلة التي تتألف من 11 لاعباً مروراً بكيفية تحرك كل لاعب خلال 90 دقيقة، وصولاً إلى نسق اللعب الذي يختلف بين مدرب وآخر.

"اللعب مثل من يُمارس الحُب أو مثل من يُحاول اللحاق بالحافلة". في الطريقة الأولى يُركز المدرب على الناحية الجمالية للأداء ولا يهتم كثيراً بالنتيجة، فالحُب لا يمكن أن يكون مثالياً إن لم يكن جميلاً بكل تفاصيله. وأهم مثال برشلونة في عهد المدرب الإسباني بيب غوارديولا، حين كان الأداء الأنيق والجمال الكروي يُبهر العدو قبل الصديق والكاره قبل المُحب.

خلال أيام غوارديولا كانت ممارسة كرة القدم وكأنها ممارسة للحب بكل معنى الكلمة. بوسكيتس يستلم الكرة يُمررها إلى إينييستا. يتوقف قليلاً فيجد تشافي إلى جانبه فيُسلمه الشارة. من تشافي إلى ميسي فتمريرات مُكررة بين الثلاثي والنهاية لوحة كروية عالمية مليئة بالجمال تنتهي بهدف تتحدث عنه الصحف الرياضية العالمية ومواقع التوصل الاجتماعي لأيام.

أما الطريقة الثانية فهي اللحاق بالحافلة. قد يكون المعنى الظاهر هو السرعة في الأداء من أجل الوصول إلى الهدف، لكن المعنى الحقيقي هو لعب كرة القدم من أجل هدف واحد فقط وهو تحقيق الفوز. في هذه الطريقة لا يهم الأداء وجمال اللعب على أرض الملعب، الأهم هو تسجيل الأهداف وتحقيق الانتصار مع نهاية الـ 90 دقيقة.

لهذه الأسباب هناك الكثير من الخطط في كرة القدم التي تصنع مدربين عظماء وآخرين بؤساء، مدربين يعرفون جيداً كيفية توظيف قدرات اللاعبين ومدربين يضعون خطة لا تتناسب مع القدرات المتاحة. 




وفي المُجمل ولأن هذه الرياضة متشعبة كثيراً ولها تاريخ ضخم يتحدث عنها، فإن أسلوب اللعب يختلف بين مدرب وآخر وفقاً لرؤيته وثقافته الكروية والدليل وجود الكثير من الكتب عن كرة القدم في مختلف المجالات (من التأسيس مروراً بتكتيك اللعب وصولاً إلى كيفية صناعة لاعب مثلاً).

هذه الرياضة أصبحت اليوم بمثابة لغة عالمية محبوبة من جميع الشعوب. 90 دقيقة قد تقلب حياة الجماهير رأساً على عقب. يعيش المشجع بين الحياة والموت بسبب هدف في مرماه أو هدف في الدقيقة الأخيرة.

كرة القدم هي أسلوب حياة لا يمكن اختصاره بالكلمات والكُتب وخصوصاً على أرض الملعب. فأمام الجميع خياران لا ثالث لهما: "إما المتابعة كمن يُمارس الحب أو كمن يريد اللحاق بالحافلة"، وفي الحالتين الفوز هو الخلاص.

المساهمون