كاهن متحرّش: مشاهدات أكثر.. مصداقية أقل

كاهن متحرّش: مشاهدات أكثر.. مصداقية أقل

15 مارس 2015
سبهان آدم / سورية
+ الخط -

انتشر على مواقع التواصل الاجتماعي فيديو لتقرير من برنامج "للنشر" الذي تبثه قناة "الجديد" اللبنانية، حول كاهن لبناني متحرش. وراح المشاهدون يعقبون على الفيديو، بين قذف وشتم واستصراخ: "هذا الخوري لا يمثل المسيحية"! (أسوةً بـ "داعش لا تمثل الإسلام"). شاهدت هذا التقرير مرات عدة، وكان غضبي يزداد في كل مرة أشاهده فيها. ولم يكن الكاهن هو من يغضبني.

التقرير لا يعرض الأحداث وفقاً لتسلسلها الطبيعي، وهذا الأمر يؤدي إلى البلبة عند المشاهدين. لا جدل بأنه لا بد من مونتاج واختيار المقاطع الملائمة لأي تقرير كان، إلا أنه، ومن الأوجب، الحفاظ على التسلسل الزمني لتطور الأحداث في مثل هذه التقارير الكاشفة التي لا بد أن تفضي إلى محاكمة قانونية في نهاية الأمر.

بهذه الطريقة تكون القناة صادقة مع جمهورها، ومن ثم تحمي نفسها من أي ادعاءات مستقبلية  بالفبركة ومحاولات التشهير. لكن حتى لو منتجت قناة "الجديد" الأحداث تبعاً لتسلسلها الطبيعي، فهناك بعض الأخطاء التي تفضح نوايا القناة الحقيقية وراء تقارير كهذه.

في التقرير، تتخفى مراسلة "الجديد" في شخصية فتاة تبحث عن عمل في الجمعية التي يرأسها الكاهن المتحرش. نسمع الكاهن يدعوها للاقتراب منه، ويمسك بيدها. لكننا لا نسمع منها صوت اعتراض واضح.

يشرع الكاهن بالتحدث مباشرةً عن الجنس، وحينها، تبدأ معالم الشخصية التي تقمصتها "الصحافية" المتخفية بالتوضح أمامنا. فهي شخصية الغنجة، البلهاء، الساذجة التي يمكن إغواؤها و"صيدها" بسهولة. كل ما نسمعه منها بعد الاستماع لإيحاءات الكاهن الجنسية هو "بأنها لا تفهم". أختي العزيزة، أمامك رجل يسألك "ما هو كبر مهبلك؟" وأنت تدعين بأنك لا تفهمين!

ثم حين يصعّد الكاهن من خطواته ويبدأ بسحبها إليه، كل ما لديها من كلام في تلك اللحظة هو: "بركي حدا شافنا"! هل هذه هي المشكلة إذاً؟ أن يراكما أحد؟ ماذا عسى الكاهن المتحرش أن يفهم من ذاك الكلام؟ يقترب الكاهن أكثر ويحاول تقبيلها، وما كان على مراسلة "الجديد" إلا أن تطلب منه، متغنجة، الابتعاد ثم تردفها بضحكات خفيفة. يقول لها الكاهن إنه يبغي تقبيلها، فتسأله هي "شو بدك مني؟".

ثم تتفاجأ الصحافية بأن باب الغرفة مفتوح، فيقوم الكاهن بطمأنتها بأن أحداً لن يدخل. هذا هو تجسيد بل وإثبات لصدق الفانتازيا الذكورية المشوهة، "هي تريدك ولكنها تتظاهر أمامك بالرفض". فهي عندما تَسأل عن الباب المفتوح، يفهم الكاهن بأن هذه هي مشكلتها لا غير، ويطمئنها بأنه يستطيع تسكير الباب ومن ثم يصعّد من خطواته ويعرض عليها إخراج عضوه.

نرى الكاهن يقترب منها وهي تحاول إبعاده ضاحكة، ما يعطيه انطباعاً بأنها تتظاهر وتدعوه إلى المزيد. يحاول الكاهن الاقتراب منها أكثر. يعرض على الصحافية بأن تداعب عضوه، ويقوم، على ما يبدو، بإخراجه، ونحن بالمقابل نسمع "الصحافية" تطلق ضحكات خفيفة!

لست رجل قانون، إلا أن في هذا المونتاج، وبصورته الحالية غير المتسلسلة في الأحداث والتي تهدف الى إيقاع الكاهن في الفخ؛ هناك ما يكفي لتبرئته على يد محاميه في المحكمة (والمخفي من مواد التصوير لعمرك أعظم). باستطاعة فريق الدفاع وبكل سهولة الإثبات بأن مراسلة "الجديد" كانت تغازل الأب، والقانون العادل لن يجرم الكاهن لكونه كاهناً متحرشاً، بل لكونه متحرشاً فقط.

يبدو أن الكاهن الذي ظهر في التقرير هو رجل متحرش بالفعل، وذلك بسبب شكاوى سابقة لنساء حول تحرشاته، ونظراً لبذاءته المفضوحة في التقرير، إلا أن هذا التقرير لا يهبّ لنصرة ملايين النساء اللواتي يتعرضن للتحرش يومياً، بل على العكس، يثبت بأن ليس الرجل هو السبب بالتحرش بل المرأة بعدم التزامها بالمقبول واللائق من التصرفات.

فضلاً عن عدم محاولة التقرير توضيح ظاهرة التحرش التي من الممكن أن تسبب عقداً وأزماتٍ نفسية أبدية عند بعض النساء، جعل هذا التقرير من ظاهرة التحرش، مجرد موضوع جذاب.

إيقاع هذا الكاهن في الفخ هو عمل محمود، ليس لأنه كاهن، بل لأنه رجل متحرش، إلا أن إعلام الإثارة مستعد أن يناقض أهدافه السامية المعلنة من أجل الحصول على مشاهدات أكثر. فاستدراج كاهن لأن يقول كلاماً نابياً أكثر وأكثر كهذا هو ما يجذب الجمهور. هذا هو الهدف من وراء هذا التقرير لا غير.

* سينمائي من فلسطين

دلالات

المساهمون