فاعلة خير

فاعلة خير

12 يناير 2015
كان يمكن للثلج أن يكون جميلاً (الأناضول)
+ الخط -

لم يكلّفها أحد بشيء. شيء بداخلها دفعها إلى ما قامت به. لعلّه شعور الأمومة أو شعور الإنسانية. لبست ثيابها، سوّت حجابها، وجرّت عربة الخضار الحديدية بدولابين التي عادة ما تضع فيها مشترياتها من السوق.

لم يكن يومها هذا عادياً. انتظرت طويلاً قبله، على ما يبدو، قبل أن تقدم على خطوتها هذه. السيدة الخمسينية، التي بدت مؤمنة بما تفعل، سحبت عربتها وراحت تجوب الزاروب الذي تسكنه في أحد الشوارع البيروتية كي تجمع ما تيسّر من الأغطية والفرش الإسفنجية الخفيفة. لم تكن تشرح كثيراً. اكتفت بالقول إنها تفعل ذلك من أجل أطفال اللاجئين السوريين.

تعاطف الجيران مع قضيتها. كأنهم كانوا ينتظرونها أن تصل. صار كل منزل يمدها بغطاء أو اثنين. إحدى الجارات، عندما فتحت لها باب المنزل، أصرّت عليها بأن تدخل وتجفّف نفسها قبل متابعة المهمّة التي سخّرت نفسها لأجلها. كانت تعتصر من شدة المطر الذي نزل فوق رأسها. مع ذلك، لم تقبل الدعوة الكريمة. فلا وقت لتضيّعه. اكتفت بتغيير غطاء رأسها بآخر استعارته من جارتها صاحبة الدعوة واعدةً أن تعيده لصاحبته في أقرب فرصة. لم يردعها صقيع ولا مطر عن المتابعة. كانت تعلم أن كل دقيقة مهمّة. كل دقيقة قد تحمل دفئاً مرتجى أو حرارة متأخرة لقلب صغير.

ويبدو أن حالة السيدة تركت أثراً وسط جيران الحي فقرروا المشاركة معها في مبادرتها الإنسانية. هبّ مراهقان يساعدانها في حمل الأغطية التي صار وزنها يزداد مع مرور الوقت. وهي عندما رأت ذلك، ازداد حماسها وصارت اللمعة أكثر إشعاعاً في عينيها.
بعض المبادرات قد تكون ذات فائدة كبيرة، ولو محدودة. حتى لو لم تسمع بها وزارة الشؤون الاجتماعية ومنظمات الإغاثة الدولية.

***

لا نعلم متى تلملم العاصفة نفسها وترحل بعيداً. كان يمكن للثلج أن يكون جميلاً. كان يمكن لبياضه أن يكون متعة للنظر وفرحة للقلب. لكن الطبيعة نفسها باتت قاسية مثل البشر على الضعفاء من الناس، لا سيما أولئك الذين يسكنون في خيمة. الصقيع قاس، لاذع، مؤذ. يغرز في الجلد كنصل السكين ويتوغّل عميقاً نحو العظم فيجمّده.
اسألوا أهل المخيمات.

***

تقول صديقة ناشطة إن المبادرات الافتراضية عبر مواقع التواصل لا تنفع بإنقاذ الناس. المبادرات تحتاج إلى حراك حقيقي في الشارع وليس في الشاشات. حراك لا يكون افتراضياً. وتشبّه صديقة أخرى الأصدقاء الفيسبوكيين الكثر بالنقود الكثيرة.. لكن في لعبة "مونوبولي".




المساهمون