عن حق مصر في مياه النيل بعد اتفاق الإطار

عن حق مصر في مياه النيل بعد اتفاق الإطار

01 ابريل 2015

مقطع من نهر النيل في السودان (Getty)

+ الخط -

أثار توقيع الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، على وثيقة إعلان مبادئ سد النهضة في الخرطوم، يوم 23 مارس/آذار الجاري، تساؤلات عدة، لعل من أهمها مدى تفريط الرجل في حقوق لمصر مكتسبة بموجب اتفاقيات 1929و1959، والتي حددت حصة مصر التاريخية بـ 55.5 مليار متر مكعب.

وعلى الرغم من مساوئ نظام حسني مبارك العديدة، إلا أنه رفض التوقيع على الاتفاقية الإطارية لنهر النيل عام 2010، والمعروفة باسم اتفاقية عنتيبي، لثلاثة تحفظات، أبرزها عدم نص الاتفاقية في المادة "14 ب" الخاصة بالأمن المائي على فكرة الحقوق المكتسبة لنهر النيل. ولم تلغ الاتفاقية هذا النص، ولم تؤكده، وإنما سكتت عنه، ما قد يعني، وفق تفسيرات قانونية، عدم إلغائه، وفق قاعدة أن الاتفاق اللاحق لا يلغي السابق إلا بنص، إلا أن تمسك مبارك بذلك كان بسبب عدم اعتراف إثيوبيا بتلك الاتفاقيات التاريخية الخاصة بحق مصر التاريخي في مياه النيل، واستبدالها هذا الحق بمبدأ آخر مطاط، هو مبدأ الاستخدام المنصف والعادل. وهو مبدأ منصوص عليه في اتفاقية الأمم المتحدة لاستخدام المجاري الدولية للأغراض غير الملاحية، عام 1997، إلا أن هذه المبادئ قد يكون هناك خلاف في تطبيقها بين الدول المشاطئة للنهر، أو بمعنى آخر، بين دول المنابع كإثيوبيا في حالتنا، ودول المصب، مصر والسودان.

والملاحظ أن وثيقة إعلان سد النهضة، الموقعة أخيراً، أخذت بمبدأ الاستخدام المنصف والعادل، واقتبست عوامل محددة له من المادة الرابعة للاتفاقية الدولية، والتي تنصُّ في المادة 6 "فقرة 3" أيضاً، على أن الوزن الممنوح لكل عامل من العوامل يُحدّد وفقاً لأهميته، مقارنةً بأهمية العوامل الأخرى ذات الصلة، وهو ما قد يثير جدلا في التطبيق.

ومن أكثر العوامل إثارة للجدل، ذلك المتعلقة بضرورة مراعاة الاستخدامات الحالية والمحتملة للموارد المائية. إذ يكشف الواقع الدولي عن حالات لتنازع أولويات "الانتفاع المنصف" بمياه الأنهار الدولية بين دول النهر بشأنه. فقد ترغب إحدى الدول المشاطئة، وهي بصدد تنفيذ بعض برامج التنمية فيها، في الحصول على نصيب أكبر من مياه النهر، يزيد على ذلك الذي كانت تحصل عليه من قبل، الأمر الذي يؤثر، بلا شك، في حصة الدول المشاطئة الأخرى. ومن ثم، يثور سؤال عن أولوية الانتفاع بمياه النهر، وهل يكون للاستخدامات القائمة والحقوق التاريخية، أم للاستخدامات المحتملة والاستعمالات المستقبلية. أو بمعنى آخر، قد تدعي إثيوبيا أنها تحتاج لحصة أكبر من مياه النيل لبعض المشاريع المحتملة، مثل إقامة سدود للري. وبالتالي، فهذه الحصة، على الرغم من عدم الاحتياج لها فعليا لوجود مياه الأمطار لديها، إلا أنها قد تنتقص من حصة مصر.

ومن العوامل الأخرى في هذا الشأن التي قد تكون مثار جدل، ذلك المرتبط بمدى مساهمة كل دولة من دول الحوض في نظام نهر النيل. فهذا العامل يصب، بكل تأكيد، في صالح إثيوبيا التي يهبط عليها 1400 مليار متر مكعب سنوياً. ويمد النيل الأزرق الذي ينبع منها مصر بـ 85% من احتياجاتها المائية. يضاف إلى ذلك العامل الخاص بامتداد ونسبة مساحة الحوض داخل إقليم كل دولة من دول الحوض، فهو أيضا يصب في صالح إثيوبيا.

ومعنى هذا أن تغاضي الاتفاقية عن النص على الحقوق المكتسبة لمصر، واستبدالها بمبدأ الانتفاع المنصف الذي تحدده عوامل ذات طبيعة جدلية، يجعل حقوق مصر الثابتة في مهب الريح، وخاضعة للتفاوض والتأويلات الإثيوبية، ما قد يجعل إثيوبيا تنتهج النهج الإسرائيلي في التعامل مع الفلسطينيين، بتطبيق سياسة الأمر الواقع على الأراضي الفلسطينية المحتلة، وهو ما يمكن أن تفعله إثيوبيا، أيضاً، بشأن السد تحديداً، وبشأن قضية المياه عموماً. وبالطبع، لن تستطيع مصر استخدام الحل القانوني بعرض الأمر للتحكيم أو القضاء الدولي، لأنه يتطلب موافقة إثيوبيا. وهو أمر مرفوض تماماً، بل لم يتم النص عليه في اتفاق إعلان المبادئ الموقع أخيراً في الخرطوم، على الرغم من أن اتفاقية الأمم المتحدة لعام 1997 نصت على إمكانية لجوء أطراف النزاع للتحكيم والقضاء الدولي. وبالتالي، أمام مصر في هذه الحالة "حدوث نزاع حول حقوقها التاريخية" التفاوض أو الخيار العسكري، ومعروف أن طريق التفاوض طويل، لا سيما مع خصم مراوغ، باعتراف المخلوع مبارك نفسه. والخيار العسكري محفوف بمخاطر عديدة، لا سيما مع عدم وجود حدود مشتركة، وتهديد إثيوبيا بضرب السد العالي.

والخلاصة أن عبد الفتاح السيسي أقدم على ما لم يقدم عليه محمد مرسي وحسني مبارك. ويبدو أنه سعى إلى تحقيق مكسب سياسي "وهمي" أمام الرأي العام الداخلي. بل وربما يفاجئ الرجل الجميع، في الأيام المقبلة، بالتوقيع على اتفاقية عنتيبي، والادعاء بإنهاء أزمة مياه النيل، ليس مع إثيوبيا فحسب، وإنما مع كل دول الحوض كافة.

B8DDCC55-8075-41F9-A617-4F3EA9A3A8C9
بدر شافعي

كاتب وباحث مصري، يحمل الدكتوراة في العلوم السياسية من جامعة القاهرة، له كتابان عن تسوية الصراعات في إفريقيا، وعن دور شركات الأمن في الصراعات.