عندما يتأسس السلام العالمي عبر التهديد

عندما يتأسس السلام العالمي عبر التهديد

05 مايو 2018
+ الخط -
هل فشلت الأمم المتحدة في أداء دورها؟ سؤال يتبادر إلى أذهان كثيرين، حين ننظر إلى ما يعيشه العالم اليوم، وخصوصا في منطقة الشرق الأوسط. ولكن للإجابة على السؤال، لا بد من طرح السؤال: ماهو دور الأمم المتحدة؟ فإذا كان دورها إيجاد حلول سلمية لمشكلات عسكرية عالمية، فإنها فشلت فشلا ذريعا، نظرا إلى ما عاشه العالم منذ السبعينات.
وإذا كان دورها يتمثل في الانصياع إلى أوامر من أسسوها، فذاك شأن آخر، يجعلنا نصر على البحث في الظروف التي تأسست فيها المنظمة، وطريقة عملها ومبادئها، لكن الذي لا لبس فيه أن دائرة الشكوك والحيرة والتساؤلات تتسع عند الحديث عن مجلس الأمن المنبثق عن الأمم المتحدة، فكيف يكون موقف مواطن من دولةٍ غير عظمى، عندما يرى مستقبل بلاده تتم مناقشته بين خمس دول عظمى، تم تحديدها في مؤتمر التأسيس، ومنحهم حق إسقاط أي قرار أو دعمه عبر حق النقض (الفيتو)، وهي روسيا والصين والولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا، وهي الدول الفائزة في الحرب العالمية الثانية، ولكن من كان صاحب فكرة حق الفيتو، وهل نحن حقا في حاجة إليه لبناء عالم متقدم يسوده السلام؟
في الثامن من مايو/ أيار عام 1945 تنفس العالم الصعداء، بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، حرب كانت الأكثر دمارا والأكثر دموية على مر التاريخ بعدما راح ضحيتها أكثر من 50 مليون شخص معظمهم من المدنيين. ولتجنب مآسي الحربين العالميتين، الأولى والثانية، اجتمع ممثلو 50 دولة في سان فرانسيسكو في الولايات المتحدة في 25 أبريل/ نيسان 1945، وفي 26 يونيو/ حزيران أعلن ميثاق الأمم المتحدة، ولكن برعاية 51 دولة.
أصرت عواصم الدول الخمس: روسيا، الولايات المتحدة، الصين، فرنسا وبريطانيا على الحصول على سلطةٍ تميزها عن باقي الدول، حتى أن السيناتور الأميركي، توم كوناكلي، مزق الميثاق، وصرخ في الوفود المجتمعة مهددا: "إما الميثاق وفيه حق الفيتو أو لا ميثاق أصلا".
هكذا تم تأسيس النظام العالمي الجديد، بعد الحرب العالمية الثانية، وبعد شهر استخدم حق الفيتو أول مرة بشأن القوات الفرنسية في سورية ولبنان، وتعتبر روسيا أكثر الدول التي استخدمت حق الفيتو بـ 122 مرة، تليها واشنطن بـ 76 مرة، ولندن 32 مرة، وباريس 16 مرة وبكين 12 مرة. لم تكن هذه الأرقام من أجل خدمة الإنسانية أو نشر السلام أو إيقاف الحروب بل كان بعضها بمثابة صب البنزين على النار.
من جانب آخر، تعبق أروقة الأمم المتحدة برائحة الفساد، أشهرها فضيحة برنامج النفط مقابل الغذاء، إذ كان الهدف الأساسي من هذا البرنامج تخفيف معاناة العراقيين تحت الحصار. لكن الفساد دائما ما يتسلل في أكثر البرامج مراقبة، فقد كان النظام العراقي يبيع النفط بأسعار منخفضة، مقارنة بأسعار السوق، إلى شخصيات وشركات محددة، مثل الشركتين الأميركيتين هاليبرتون وتكساكو، ثم تبيعه الشركات بأسعار السوق، ما يزيد في هامش الربح، بعدها يتقاسم النظام العراقي والشركاء الأميركيون هذه الأرباح، فيما يتم تخصيص 10% منها لموظفي الأمم المتحدة، وكانت كل هذه التجاوزات تدور بإشراف الأمم المتحدة.
احتفلت منظمة الأمم المتحدة أخيرا بمرور 70 عاما على تأسيسها، فهل احتفل المنظمون بتأسيس منظمة عالمية تساعد على نشر السلم والأمن العالميين أم احتفلوا ببقاء النظام العالمي الجديد، إذ تعتبر الدول الفائزة في الحرب العالمية الثانية قاطرته؟ وهل ما زال يمكننا الاعتماد على الأمم المتحدة لحل هذه المشكلات أم أنّ الأوان لإقامة نظام عادل قد فات؟ أم يمكننا مقاومة هذا المصير، أي أن تقرّر مستقبلنا هذه الدول؟ وكيف؟
36E8A62C-95B8-42B2-B239-17221D89E0E9
36E8A62C-95B8-42B2-B239-17221D89E0E9
عبد السلام هرشي (تونس)
عبد السلام هرشي (تونس)