عمارة لخوص: فضح النزاعات الصغيرة

عمارة لخوص: فضح النزاعات الصغيرة

15 فبراير 2015
الكاتب في روما، 2010
+ الخط -

لم تختلف رواية "نزاع حول خنزير إيطالي صغير في سان سالفاريو"، للروائي الجزائري عمارة لخوص (1970)، عن سابقاتها، إذ ظلّت أسئلة التسامح والتعايش المستحيل بين الإسلام والغرب و"صدام" الحضارات والثقافات ثيمات تؤرقه إن على المستوى الأدبي، أو الأكاديمي كباحث في الأنثربولوجيا الاجتماعية.

يقدّم لخوص في روايته الجديدة التي كتبها بالإيطالية، وصدرت ترجمتها الفرنسية أخيراً عن دار "آكت سود"، شخصية الصحافي المحقق إنزو لاغانا، وهو يقضي عطلة هادئة في مارسيليا برفقة عشيقته العابرة تانيا.

لا همّ يشغل "إنزو" سوى تلبية حاجات عشيقته الفنلندية، فهو إنسان منشغل باللذة، يتمتع بحياة العزوبية، ويعتبرها مفتاح السعادة، فيرفض العلاقات الدائمة، كي لا يسقط في الرتابة والشعور بالملل، كما يعتقد. لكنه يعاني في المقابل من "الخوف من المرأة"، في وقت يعاني فيه المجتمع الإيطالي برمّته من "فوبيا الآخر".

في هذه الأثناء، يفقد مهاجر نيجيري خنزيره الصغير "جينو"، وعليه ألوان فريق "يوفنتوس" الشهير. يهيم الخنزير في أزقة حي "سان سالفاريو" الشعبي في مدينة تورينو (شمال غرب إيطاليا) ليلاً، إلى أن ينتهي به الأمر داخل أحد المساجد في شارع "غالياري".

يحدث هرج كبير في الحي الكوزموبوليتي، وتتحول الحادثة إلى قضية رأي عام، تخلق حالة من الصراع الحاد بين الجالية المسلمة والمتطرفين الإيطاليين الذين جعلوا من الخنزير "جينو" رمزاً وطنياً لإهانة المسلمين، فاغتنموا الفرصة لشن حرب شرسة ضدهم، واتهامهم بعدم امتلاك القدرة على الاندماج في المجتمع الإيطالي.

في هذه الأثناء، يصعب على "إنزو" التخلّص من سطوة اللذة والكسل في مارسيليا، والاستجابة لطلب رئيس تحريره بالعودة إلى العمل، فيختلق سبقاً صحافياً يبرر بواسطته رغبته في المكوث إلى جانب عشيقته، لتجنب الرجوع إلى تورينو للتحقيق في جريمة قتل، فيزعم وجود حرب بين عصابتين متناحرتين في تورينو، إحداهما ألبانية، والأخرى رومانية.

لكن نشر "السبق الصحافي" المُختلق يضعه في ورطة ويُجبره على الاستمرار في تلفيق المزيد من الأكاذيب عبر ابتكار مصادر مزيفة، وإجراء حوارات وهمية مع زعيمي العصابتين المُختلقتين، ما يؤجج الوضع ويرفع من فوبيا الأجانب في تورينو، حيث اعتاد سكانها على النظرة العنصرية منذ أن كانوا يعتبرون إيطاليي الجنوب مواطنين غير مرغوب فيهم.

بسخرية لاذعة، يفضح لخوص سلوك "إنزو"، وممارسات الصحافة الشعبية الإيطالية التي داست على أخلاقيات مهنة الصحافة، وأصبحت وسيلة لتأجيج النزعات العرقية وتضييق مساحة التسامح والتعايش، وتحوّلت إلى "سيرك إعلامي"، لا سيما بعد أن اهتدى "إنزو" لفكرة طلب خدمات ممثل كوميدي يؤدي أدوار مُختلف مصادره الإعلامية.

تأتي رواية لخوص، التي تقع في 11 فصلاً، على شكل سردية تتفرّع منها ثلاث قصص مركزية: تدنيس المسجد من قبل الخنزير "جينو"، جريمة القتل، وعلاقة "إنزو" بوالدته التي وظّفت جاسوستين لمراقبة تحركاته، بعد أن أصرّ على رفض الزواج.

إضافة إلى قصص أخرى موازية تخدم الموضوع الرئيسي، كقصة المهاجرة الرومانية "تيغرو"، ودور المافيا الإيطالية، وتاريخ المهاجرين الأوائل، وغيرها من المواضيع الجانبية التي تمنح الرواية كثافة سردية وغنى، إلى جانب الاقتراب من مواضيع مهمة راهنة، مثل العنصرية في المجتمع الإيطالي، وعقدة الخوف من الآخر، والسلوكيات الهُوياتية المنغلقة والضيقة التي ترفض الثقافة المختلفة.

كما يضع العمل سلوك الصحافة الإيطالية تحت المجهر، من ميلها إلى تأجيج الأوضاع وخلق حالة من الاحتقان بين الإيطاليين والمهاجرين الأجانب، إلى أن تصل إلى تحويل اللاتسامح إلى سلوك يومي وعنصرية ضد الجالية المسلمة والمهاجرين الجدد القادمين من أوروبا الشرقية.

وكما هو الحال في روايته السابقة، "كيف ترضع من الذئبة دون أن تعضك"، تتعدد الشخصيات في رواية لخوص الجديدة، بغرض تأجيج أحداثها في اتجاه الصراع، مثلما يفعل "ماريو بيلازا" وهو يدافع عن الهوية المحلية لإقليم بييمونتي، ما يجعل "إنزو" نفسه يشعر بأنه غير مرغوب فيه، بسبب أصوله الكالابرية الجنوبية؛ فيستعيد في بعض فصول الرواية - التي اعتمدت كلها على ضمير المتكلم - طفولته القاسية خلال السنوات الأولى من استقرار عائلته في تورينو، جراء النعوت العنصرية التي كان يُرمى بها.

يسير عالم لخوص، منذ روايته الأولى، على وقع موضوع صراع الثقافات، وأصبح يتميز بقدرة على جعل الرواية مرادفة للبحث السوسيولوجي والأنثروبولوجي، وهو موضوع اختصاصه الأكاديمي.

يذكر أن لخوص استقر في روما منذ عام 1995، وبدأ يكتب بالإيطالية إلى جانب العربية. أولى رواياته "البق والقرصان" كان نشرها في الجزائر بعنوان عام 1999، تبعتها رواية "كيف ترضع من الذئبة دون أن تعضك" (2003) التي أعاد كتابتها بالإيطالية ونشرها بعنوان "صراع الحضارات حول مصعد في ساحة فيتوريو"، حيث تحوّلت إلى فيلم سينمائي عام 2004. ثم "القاهرة الصغيرة" (2010) و"مزحة العذراء الصغيرة" (2014).

المساهمون