صحة أهالي طرطوس في خطر

صحة أهالي طرطوس في خطر

16 ديسمبر 2017
هل هي ملوّثة؟ (لؤي بشارة/ فرانس برس)
+ الخط -

التلوّث يطاول الجميع في كلّ بقاع العالم، وتختلف أشكاله. طرطوس السورية غير مستثناة، والحال تتفاقم فيها على خلفية الحرب الدائرة في البلاد.

يعاني أهالي محافظة طرطوس الواقعة تحت سيطرة النظام السوري من التلوّث الذي ينتشر بأشكال مختلفة في مدينتهم، والذي يفرضه موقع المحافظة على ساحل البحر الأبيض المتوسط ووجود مصانع إسمنت فيها وشركات نفطية. وهو الأمر الذي يخلّف آثاراً سلبية على صحة الأهالي وكذلك على القطاع الزراعي الذي يُعدّ من أهم مصادر الرزق لكثيرين من أبناء المحافظة.

ولم تنجح الشكاوى المتكررة لأهالي قرية حصين البحر المطلة على معمل إسمنت طرطوس والقرى المجاورة لها طوال السنوات الماضية، في الحدّ من الآثار السلبية للمعمل على صحتهم وزراعتهم. فشركة إسمنت طرطوس لصناعة الإسمنت ومواد البناء تتجاهل تلك الشكاوى، ولا تحاول إيجاد حلول حقيقية.

محمد عمل لمدّة 16 عاماً كفنّي في الشركة، يقول لـ"العربي الجديد" إنّ "التلوّث الناجم عن معمل طرطوس ليس جديداً. في السابق كانت تتوفّر محطة لمعالجة النفايات الصلبة والغازية، أمّا اليوم فثمّة أجزاء معطلة ولا تمكن صيانتها إلا عن طريق التعاقد مع شركات أجنبية وتركيب أجهزة وفلترة جديدة. لكنّ هذا أمر صعب بحسب ما يُقال بسبب العقوبات الاقتصادية وعدم إمكانية استقدام خبراء أجانب".

تجدر الإشارة إلى أنّ ثمّة جزيئات كيميائية تتطاير في الهواء من جرّاء صناعة الإسمنت قبل أن تستقرّ في التربة، الأمر الذي يؤثّر سلباً على الأشجار والمزروعات. إلى ذلك، يقول الدكتور أكرم الكردي إنّ "الأهالي يستنشقون تلك الجزيئات، الأمر الذي يسبّب أمراضاً تنفسية مزمنة لهم بحسب ما لاحظت خلال عملي في مدينة طرطوس خلال السنوات الماضية". يضيف لـ"العربي الجديد" أنّ "هذا النوع من الملوّثات غير المعالجة قد يكون سبباً خفياً لأمراض سرطانية مختلفة".

من جهة أخرى، تتسبب انفجارات أنابيب نقل النفط المتكررة التي تخرج من مصفاة نفط بانياس شماليّ مدينة طرطوس ومحطات تكرير النفط وتخزينه، بتسرّب النفط إلى مياه البحر وتلويث مساحات كبيرة منها. ويقول طه وهو أحد الصيادين القدامى في طرطوس لـ"العربي الجديد" إنّ "انفجار الأنابيب يؤدّي إلى تسرّب النفط إلى مياه البحر، لذا أصبح في العامين الماضيين مشهد البقع النفطية أمراً معتاداً بالنسبة إلينا. ومع هبوب رياح قوية تتمدّد تلك البقع لتصل إلى الشواطئ التي يقصدها الأهالي للسباحة". يضيف أنّه "في السابق، عند حصول تسرّب، كانوا يستخدمون مواد كيميائية للسيطرة على البقع النفطية والتقليل من ضررها وحجمها، لكنّهم توقفوا عن ذلك خلال السنوات الماضية، فصرنا نرى أسماكاً نافقة في البحر وهذا أمر لم يكن يحدث إلا نادراً".


إلى ذلك، تنتشر معاصر زيت الزيتون في محافظة طرطوس. ولأنّ التخلّص من مخلفات الزيتون - بعد عصره - من دون معالجتها أمر غير سليم، فإنّ مشكلات صحية وبيئية كثيرة تنتج عنها. ويقول المهندس البيئي محمد الحسن لـ"العربي الجديد" إنّ "نوعَين من التلوّث ينتجان عن صناعة زيت الزيتون، نتيجة غياب الرقابة البيئية في المحافظة، إذ يُصار إلى التخلّص من الملوّثات السائلة بطريقة عشوائية، الأمر الذي يؤدّي إلى تسرّبها إلى التربة والمياه الجوفية، ما يساهم في تأخير نموّ المزروعات بالإضافة إلى حالات تسمّم خطيرة في حال وصولها إلى المياه الجوفية المستخدمة للشرب". يضيف الحسن أنّ "عدم استخدام الفلاتر المناسبة والمواد الكيميائية التي من شأنها التخفيف من حدّة تلك المخلفات، يخلّف مشاكل متعددة مثلما حصل عندما وصلت تلك الملوّثات إلى محطة توزيع مياه تبشر المغذية لتجمّع مؤلّف من خمس قرى. فقد أدّى ذلك إلى تشكّل مادة طينية تسبّبت في تلف الأنابيب، ما دفع البلدية إلى وقف ضخ المياه واستبدال الأنابيب ومعاقبة أصحاب المعاصر المجاورة الذين كانوا يتخلّصون من المواد بطرق عشوائية من دون معالجتها".

ويشير الحسن إلى أنّ "ثمّة مخلفات تُستخدَم لصناعة التمز الذي يُستخدم للتدفئة، وهو ذو مردود مادي كبير لكثيرين إذ الطلب كبير عليه نتيجة ارتفاع أسعار المازوت. لكنّ التمز يطلق غازات ملوّثة تؤدّي إلى أمراض مزمنة تنفسية أو أخرى تصيب العينَين وغيرها".

في سياق متصل، يشكو علي منصور وهو من سكان طرطوس من نظام جمع القمامة في المدينة، فيقول لـ"العربي الجديد" إنّ "ثمّة تقصيراً بين عمّال النظافة في جمع النفايات في الوقت المناسب، وهو الأمر الذي يدفع الناس إلى رميها بالقرب من الحاويات، فتتراكم هناك ليؤدّي ذلك إلى تحللها وانبعاث روائح كريهة وانتشار القوارض". ويشير إلى أنّ "سكان عدد من الأحياء تقدّموا بشكاوى إلى البلدية، لكنّ الردّ أتى أنّهم عاجزون عن زيادة عدد عمّال النظافة بسبب قلة الموارد وعزوف الشباب عن هذا النوع من الأعمال بسبب تدنّي قيمة الرواتب وتأخّرها".

المساهمون