شيطنة الآخر

شيطنة الآخر

12 ابريل 2019
+ الخط -
"أحب الناس إلي من أهدى إلي عيوبي"، "الحمد لله الذي جعل في أمة محمد صلى الله عليه وسلم من يقوّم عمر بن الخطاب بسيفه...".
هذه من الأقوال المأثورة التي ظل إسلاميو حزب العدالة والتنمية في المغرب يستشهدون بها في أحاديثهم ومنتدياتهم واجتماعاتهم ومجالسهم التربوية، بمناسبة أو من غير مناسبة، لتشجيع بعضهم بعضا على المواجهة، وعلى النقد والنقد الذاتي والصدح بالحق.
وهي أقوال كان القصد من الاحتفاء بها في البدء، أو هكذا كان، هو إيجاد أجواء ظاهرها فيه الرحمة وباطنها من قبله العذاب، والظهور بمظهر الأخ السمح اللطيف الذي يهتم وينصت ويستوعب الآخر، حتى إذا انساق لهم الوافد الجديد واستسلم أخذوه على حين غرة ونهشوه واستغلوه أبشع استغلال.
والدليل أنهم عندما وصلوا إلى سدة الحكم، وذاقت جماعة الإخوان المسلمون لذة الكرسي حتى سال اللعاب، تبخرت تلكم الأقوال وتبخر معها كل شيء، فانفرط العقد وتبعثرت لآلئه، وسقط القناع عن القناع، فظهر كل شيء وانكشف، وتبين أن عقيدة النقد والنقد الذاتي لدى الإخوان مجرد كلام لا تكاد تجاوز حناجرهم.
وكان هؤلاء قبل وصولهم إلى الحكم يحاربون خصومهم ومنتقديهم ومناوئيهم من السياسيين الآخرين بأسلوب لاذع وقبيح يصل أحيانا إلى درجة التهديد. ومن ذلك الحرب التي شنوها أعواما كثيرة، وبكل الطرق والوسائل، على مشروع الإصلاحات الخاصة بحقوق المرأة، كما اقترحه آنذاك، كاتب الدولة في شؤون الأسرة والتضامن، محمد سعيد السعدي، على عهد حكومة التناوب الأولى، ليعودوا بعد ذلك ويدوروا دورة كاملة، ويقبلوا هذه المرة، ليس فقط بالمقترحات، ولكن بالإصلاحات جملة وتفصيلا.
يقول محمد سعيد السعدي، الذي كان قياديا سابقا في حزب التقدم والاشتراكية اليساري، في حوار أجرته معه صحيفة الأسبوع الصحفي يوم 8 أبريل/ نيسان 2014، "وقت مناقشة الخطة (يقصد الخطة الوطنية لإدماج المرأة في التنمية)، تم الهجوم علي، وتم تهديدي بشكل شخصي، لكنني لم أتحدث عن هذا الأمر، واتخذت السلطات الأمنية الإجراءات الضرورية لتأمين حياتي وحياة زوجتي وأبنائي..".
هكذا يتعامل الإسلاميون، وبكل غلظة مع خصومهم ومنتقديهم والمناوئين لهم، من الفصائل السياسية الأخرى، خصوصا منهم ذوي النزعة اليسارية والليبرالية. أما إذا كان منتقدهم من الفصائل الإسلامية الأخرى أو كان على الخصوص منهم، فإن الأمر يعظم ويشتد ويكون أكثر غلظة. وأشير في هذا السياق إلى ما جرى للراحل، فريد الأنصاري، الذي كتب يوما كتابا سماه "الأخطاء الستة للحركة الإسلامية بالمغرب.. انحراف استصنامي في الفكر والممارسة"، ينتقد فيه على الخصوص تنظيم التوحيد والإصلاح، الذي كان في وقت سابق عضوا في مكتبه التنفيذي، فثارت ثائرة رفاق الأمس وأغلظوا عليه ونعتوه بأقبح النعوت واتهموه بـ"خدمة أجاندة سياسية معادية لهم"، علما أنه أوضح ذلك في مقدمة الكتاب كما لو أنه رحمة الله عليه، كان على علم من أنهم سيهيئون له هذه التهمة وسيروجونها عبر كتائبهم الإلكترونية على أوسع نطاق.
قرار حركة التوحيد والإصلاح في المغرب أن تلد حزبا سياسيا، هو "العدالة والتنمية"، هو النقطة الحاسمة التي أفاضت كأس الخلاف بين الحزب وبين فريد الأنصاري، وجعلت الأخير ينهي علاقاته التنظيمية بالذراع الدعوية لحزب العدالة والتنمية ويتفرغ لأعماله ودراساته وأبحاثه العلمية. وهو قرار لم يكن نابعا من فراغ أو يعوزه الدليل، وإنما كان قرارا مبنيا على أسس متينة وأدلة واضحة جلية، كما أن انتقاده لحركة التوحيد والإصلاح لم يكن انتقادا من أجل الانتقاد، بل من أجل البناء. ولذلك نجده في الفصل الرابع من كتابه "البيان الدعوي" يخصص حديثا عن بعض معالم المنهج الدعوي الصحيح القائم بداية على أهم ما في الدعوة الإسلامية، وأهم ما يجب أن يشتغل به الدعاة طوال مسيرتهم، وهو التعريف بالله عز وجل، وبين أثناء انتقاده للذين يشتغلون بـ"الدعوة إلى الله" داخل هذه الحركة كيف أنهم يدعون إلى التنظيم ولا يدعون إلى الله".
هذا غيض من فيض، وما خفي كان أعظم، وصدق من شبه الذي ينتقد الناس، ويرفض أن ينتقده الآخرون، بذلك الذي يمتلك تفويضا ربانيا وقلما أحمر يصحح به أخطاء العباد، ثم يقيم لهم بعد ذلك محاكم تفتيش ويوم حساب، متناسيا أنه هو أيضا بشر، قد يصيب مرة ويخطئ مرات عديدة.
5774E03D-FA23-451D-812A-98244EA1AD25
5774E03D-FA23-451D-812A-98244EA1AD25
عبد الرحمن الأشعاري (المغرب)
عبد الرحمن الأشعاري (المغرب)