سوري يحصد أعلى معدل بجامعة ماردين التركية

سوري يتفوق ويحصد أعلى معدل بجامعة ماردين التركية... هذه قصته

24 يونيو 2020
حقّق حميد أعلى معدّل تشهده جامعة ماردين(العربي الجديد)
+ الخط -
 
 
شهدت تركيا، البلد المضيف الأول للسوريين بأكثر من 4.6 ملايين لاجئ، على سعي السوريين للتميّز، بعد أن تبوؤوا، للعام الرابع على التوالي، قائمة الأكثر استثماراً، بينما لا يخلو عام دراسي جامعي، من تصدّر طالب سوري لقائمة المتفوقين.

وتفوّق، هذا العام، عدنان حميد، الذي حقّق أعلى معدل تشهده جامعة ماردين، بنيله معدل 95%، في قسم العلوم السياسية والعلاقات الدولية. وتفوّق في السنوات قبله كلّ من: نورا بريمو، التي حازت درجة الشرف الأولى بقسم الهندسة الحيوية بجامعة كرك كالي، والطالب أحمد نعامة، الذي حصد المركز الأول في كلية الطب بجامعة غازي عنتاب، والطالب معتصم عبد اللطيف، الذي حاز الدرجة الأولى بقسم الحواسيب بجامعة سكاريا. 

ولعدنان حميد، المتفوّق هذا العام، حكاية خاصة، بعد أن انقطع عن الدراسة وهجر قسم اللغة العربية بجامعة البعث بحمص، ليلحق بالعمل الثوري عام 2011، قبل أن يستقر في تركيا التي عاود فيها الدراسة، لكن اختار هذه المرة العلوم السياسية. إلاّ أنّ حميد فاجأ، هذا العام، حتى مدرّسيه، بالحصول على أعلى معدل تسجّله الجامعة التركية.
ويقول الطالب السوري، لـ"العربي الجديد": "عندما كنت شاباً يافعاً، كنت أفكر في دراسة الطب، إذ كانت المهنة الأكثر رواجاً في سورية، من ثم عدلت عن الفكرة لدراسة الصحافة أو العلوم السياسية. وفي المرحلة الثانوية، وبسبب الظروف المادية القاسية، اضطررت إلى ترك مقاعد الدراسة للعمل ومساعدة أسرتي، ومن ثم الالتحاق بالخدمة العسكرية الإلزامية. لكن هاجس العلم دفعني للعودة إلى الدراسة، فالتحقت بالثانوية بحمص ثانية، وتسجّلت بكلية الآداب، قسم اللغة العربية، لأنهي السنة الأولى، محرزاً المركز الأول على دفعتي".
ويتابع "لكن قيام الثورة السورية عام 2011 دفعني، كالكثيرين، إلى ترك الدراسة والانخراط في صفوف الثورة، لاهثين خلف حلم الحرية والكرامة لجميع السوريين. تهجّرنا بعد مخاضات وتقلّبات الثورة المعروفة، واستقرّ بي الحال في تركيا، فيما هاجس التحصيل العلمي، ظلّ يلاحقني طيلة سنوات الثورة، ليأتي عام 2016، الذي أعتبره مفصلياً بحياتي، عندما حاولت الحصول على قبول جامعي، ساهم به أصدقاء، في التخصّص الذي أحلم به".

وحول اختياره اختصاص العلاقات الدولية، يضيف حميد: "اخترت هذا الفرع عن سابق إصرار وتصميم. فبعد ما عايشته خلال سنوات الثورة، من تشويه وخذلان للثورة وللسوريين، ومحاولة إظهارهم كشعب عاجز عن الإنجاز، وتحميلهم مسؤولية ما آلت إليه الأمور، تأكدت أنّ الدفاع عن سردية الثورة، وحقّنا المشروع فيها، ومسؤولية نظام الأسد والمجتمع الدولي عما حلّ بنا كشعب ودولة، ومحاولة تلمّس طريق للخلاص، لن يكون دون الإحاطة بعلوم السياسة والاطلاع على تجارب الأمم، لأن الردّ بالشكوى والندب، لا يجد له أذناً صاغية لدى المجتمع الدولي، بل يحتاج السوريون اتقان فنون السياسة واللّغة الدبلوماسية لإيصال قضيتهم للعالم". 

هل كان التفوّق هدفك، منذ السنة الأولى؟ سألنا الطالب حميد، فأجاب: "السنة الأولى والثانية، كانتا الأكثر صعوبة، إذ عدت إلى الدراسة بعد انقطاع طويل وبعد سفر مستمر. كما عانيت من بعض المشاكل، بين الجامعة التي تسجّلت فيها في إسطنبول وجامعة ماردين، حتى تمّ تحويل بعدها، جميع الطلاب من إسطنبول إلى ماردين، بعد تحميلهم مواد إضافية، إضافة إلى كثرة التنقلات بين الداخل السوري وتركيا..".
لكنه يضيف: "رغم ذلك كنت أنهي المواد بمعدّلات عالية، لأنني كنت أسعى للحصول على المركز الأوّل، فالمواد التي لا ثقة لي بمعدّلاتها، أتركها للفصول التالية، وهكذا استطعت الحفاظ على معدل مرتفع في معظم المواد".
ويسعى حميد للاستمرار في التحصيل العملي، إذ لفت إلى أنه يفكر في التخصّص في علم النزاعات، وهو علم حديث النشأة في المنطقة العربية، ومتطوّر في الجامعات والمعاهد الغربية، حيث يهتم بدراسة النزاعات وإدارتها، وتلمّس حلولها، ودراسة مسارات الانتقال السياسي والتحوّل الديمقراطي في الدول التي تعيش مخاضات تغيير.
وأضاف أنّه سيؤاخي بين الدراسة والعمل، لأنّ الطلاب في مثل عمره (32 سنة)، لا يستطيعون متابعة دراستهم من دون عمل، و"هذا ما كنت أفعله سابقاً وما زلت، فأنأ أعمل في مجال الإعلام، وهي مهنتي التي اعتاش منها، وأحاول الربط بينها وبين الخبرات العلمية التي أستقيها من دراستي وتوظيفها في مجال عملي"، كما يقول.
وحول مصادفته تمييزاً أو عنصرية من الطلاّب أو المدرّسين الأتراك، يختم الطالب السوري بالقول إنّ "مدينة ماردين، لها خصوصية فريدة في تركيا، فهي مدينة محبّة ومتنوّعة، حيث يعيش فيها العرب والأكراد والأتراك والسريان، جنباً إلى جنب، وتسمع في أزقتها ثلاث لغات. كما أنّ جامعة ماردين، تسعى لأن تكون عنواناً لهذا الانعكاس الحضاري والتنوّع، من خلال اعتمادها أربع لغات في التدريس، وهي التركية، الكردية، الإنكليزية والعربية. فلم أشعر بأنني غريب فيها، خاصة أنّ عدداً كبيراً من الطلاب السوريين والعرب، بدأوا يتوافدون إلى الجامعة".

وفي جامعة ماردين، التقى "العربي الجديد" بالأستاذ التركي الجامعي، مسلم طالاس، أحد مدرّسي الطالب حميد، الذي عبّر عن فخره بتميّز السوريين عموماً بقوله: "يبدو لي أنّ هناك شيئا اسمه الشخصية السورية، التي تميل إلى القلق العام والنشاط. وذلك القلق وربما الخوف، في بلاد اللّجوء، ينعكس على أداء الطلاب وسعيهم للتفوق والتميّز".

وحول النتيجة المميّزة التي حقّقها حميد، يقول طالاس: "ثمة عوامل عدّة ساهمت بتفوّق الطالب حميد، منها تجربته الحياتية وتفوّقه المستمر بالدراسة، وحتى بروزه كأحد رموز الثورة السورية، وربما شعوره أنه تحت الضوء، أعطاه شعوراً زائداً بالمسؤولية. كنت أرى جدية ومتابعة من هذا الطالب، قلّما رأيتها خلال تعليمي الجامعي".
ويوضح طالاس، عن إمكانية متابعة الطلاّب السوريين لتعليمهم في تركيا أنّ "لدى السوريين، فرصاً جيدة للدراسات العليا في غالبية الجامعات التركية باعتبار أنها، بشكل عام، تحدّد كوتا للطلبة الأجانب في الدراسات العليا، والفرص متاحة للجميع. وثمة سوريون يدرسون الآن بكبريات الجامعات التركية، ومنهم من ناقش الماجستير وحتى الدكتوراه".
يُذكر أنّ نحو 20.7 ألف سوري يدرسون في الجامعات التركية، منهم حوالي ألفين يتلقون تعليمهم في جامعات خاصة. وتقدم الحكومة التركية مزايا عدّة للطلاب السوريين، منها منحهم الجنسية الاستثنائية، التي نالها أيضاً الطالب حميد، كما سواه من المتفوقين.
وبحسب إحصاءات العام الماضي، فإنّ 7 آلاف و721 من الطلاب السوريين الجامعيين في تركيا هم من الإناث، فيما بلغ عدد الجامعيين الذكور 12 ألفاً و980 طالباً. وتأتي ولاية إسطنبول بالمرتبة الأولى، من ناحية استقطاب الجامعيين السوريين، بنحو 4 آلاف و323 طالباً، من ثم ولاية غازي عنتاب الحدودية، بنحو ألفين و48 طالباً وطالبة.

المساهمون