روسيا تستخدم ورقة المساعدات لتخفيف العقوبات على النظام السوري

روسيا تستخدم ورقة المساعدات سياسياً لتخفيف العقوبات الغربية على النظام السوري

11 يوليو 2020
إصرار روسي على إدخال المساعدات إلى سورية من معبر واحد (Getty)
+ الخط -

تزداد حدة الصراع في مجلس الأمن حول تبني قرار يجدد تقديم المساعدات الإنسانية لسورية عبر الآلية العابرة للحدود، للشمال الشرقي والشمال الغربي من البلاد، وسط عراقيل يضعها الروس أمام تمرير القرار.

وتستخدم روسيا حق "الفيتو" باعتراض مشاريع القرارات التي يقدمها حاملا الملف الإنساني السوري في مجلس الأمن؛ ألمانيا وبلجيكا، بتأييدٍ أوروبي وأميركي.

وفشل مجلس الأمن، يوم أمس الجمعة، للمرة الرابعة، في تمرير مشروعي قرار تجديد تقديم المساعدات الإنسانية إلى سورية، إذ لم يتمكّن مشروع القرار الجديد والمعدل الذي تقدمت به كل من ألمانيا وبلجيكا بالتجديد لتقديم المساعدات لمدة ستة أشهر من معبرين من المرور بسبب اعتراضه بفيتو روسي - صيني مزدوج، في حين لم يحصل مشروع القرار الروسي المعدل أيضاً، والذي يتضمن تقديم المساعدات عبر معبر واحد (باب الهوى) لمدة عام، على عددٍ كافٍ من الأصوات لتبنيه.

وكان المجلس قد صوّت أول مرة، الثلاثاء الماضي، على مشروع بلجيكي ألماني نصّ على التجديد لتقديم المساعدات الإنسانية العابرة للحدود عبر معبرين تركيين، باب الهوى (إدلب) وباب السلامة (ريف حلب الشمالي)، ولمدة 12 شهراً، وحصل المشروع كذلك على 13 صوتاً، لكن فيتو روسياً صينياً مزدوجاً أفشله.

 

 

وفي اليوم التالي، الأربعاء، قدّمت روسيا مشروع قرار خاص بها نص على الاستمرار في تقديم المساعدات الإنسانية، لكن عبر معبر واحد وهو (باب الهوى) ولستة أشهر، ولم يحصل المشروع الروسي إلا على تأييد أربع دول، وهي روسيا والصين وفيتنام وجنوب أفريقيا، ولم يتم تبنيه، لأنه لم يحصل على تسعة أصوات.

وتصرّ روسيا على إدخال المساعدات إلى سورية من معبر واحد، وهو معبر (باب الهوى) تحديداً، بعد أن نجحت بداية العام في اختصار المعابر الثلاثة إلى معبرين، بعد إيقاف دخول المساعدات من معبر اليعربية (العراق)، ويرى الجانب الروسي أن الأوضاع على الأرض تغيرت، مقارنة بعام 2014، حين بدأ مجلس الأمن العمل بآلية إدخال المساعدات العابرة للحدود، والتي كان من المفترض أن تكون مؤقتة وغير دائمة، بحسب الطرف الروسي.

ويقول الجانب الروسي إن موقفه كان واضحاً، وهو أن يتم إغلاق المعابر وبشكل تدريجي، بما يتماشى مع الأوضاع على الأرض، إذ يرى أن إغلاق معبر اليعربية العراقي، في يناير/ كانون الثاني الماضي، أدى إلى تكثيف التعاون بين النظام والأمم المتحدة، وساعد على تقديم المساعدات عبر أراضيه.

وأشارت الأمم المتحدة، في أكثر من تقرير، إلى أن النظام ما زال يعيق قدرتها على تقديم المساعدات الإنسانية للشمال الشرقي، بسبب البيروقراطية، كما أنها لم تتمكّن من تقديم المساعدات بنفس الحجم الذي كانت تقدمه قبل إغلاق اليعربية.

وترى موسكو أن تقديم المساعدات عبر الحدود خرق لسيادة الدولة وسلطة النظام على الأراضي السورية، وهو أمر تحاول أن تضغط عليه من خلال تمكين النظام من السيطرة على أكبر عدد ممكن من الجغرافية السورية،كما أنها تحاول استخدام ملف المساعدات للضغط على الغرب والولايات المتحدة، لرفع العقوبات على النظام، ولا سيما مع دخول قانون "قيصر" حيز التنفيذ، في 17 من يونيو/ حزيران الماضي، وهو ما تسعى لتضمينه في مشروع القرار الخامس الذي يتم التفاوض حوله، ومن المقرر أن يُطرح على التصويت خلال الساعات المقبلة.

وأصدر الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية بيانه الثاني، خلال يومين، حول إعاقة روسيا للتمديد لدخول المساعدات، وأشار في بيان صدر، اليوم السبت، إلى أنه "لا بدّ من آلية دولية خارج مجلس الأمن لمتابعة إدخال المساعدات"، وأوضح أن "الاستخدام الجديد لحق النقض الفيتو من قبل روسيا والصين ضد مشروع قرار جديد يحاول إنقاذ إطار المساعدات الإنسانية عبر الحدود، هو تصرف إجرامي وغير مسؤول".

 

 

ولفت إلى أن "دور الاحتلال الروسي في تعطيل المنظمة الدولية ساهم بشكل أساسي في تفاقم الكارثة، هذا الاستثمار في مآسي الشعب السوري وصل إلى حدود فاضحة، إنه إرهاب سياسي منظم يقع أمام أعضاء مجلس الأمن مرة بعد مرة".

وقال البيان إنّ "المؤسسات التي تعمل على ملف المساعدات تعرف مخاطر قطع الدعم والنتائج الكارثية المحتملة في حال تم حصر تلك المساعدات بالمعابر التي يديرها النظام"، مضيفاً: "لا يمكن للمنظومة الدولية أن تستمرّ في أداء دورها الهزيل في هذه المسرحية الفاشلة، التي يتم عرضها في مجلس الأمن مرة بعدة أخرى، وتنتهي كل مرة بفيتو روسي جديد".

 

وطالب الائتلاف "بإنشاء آلية دولية خارج إطار مجلس الأمن تتيح إدخال المساعدات الإنسانية بطريقة متوازنة وشفافة، كي تصل تلك المساعدات إلى مستحقيها الفعليين".  

وفي تصريح لـ "العربي الجديد"، أشار محمد زاهد، عضو اللجنة التوجيهية في "تحالف المنظمات السورية غير الحكومية"، إلى أنه "في هذه الآونة يعاني النظام وكل حلفائه من العقوبات الأميركية التي ستفرض وفق قانون قيصر، ولذلك تناور روسيا باستخدام ورقة المساعدات الإنسانية عبر الحدود".

وأضاف: "في كل عملية تجديد للقرار تقوم روسيا بدور المعطل، وهذا سلوك متوقع، فروسيا مسبب رئيسي لمعاناة السوريين من خلال مشاركتها المباشرة في عمليات القصف و التهجير، وتسعى لأن تدعم موقف نظام بشار الأسد من خلال إجبار المجتمعات في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام للاستسلام كما حصل في مناطق أخرى مثل حمص وريف دمشق، وهنا تأتي حساسية المساعدات العابرة للحدود وغير الخاضعة لسيطرة نظام الأسد، إذ إن إيقافها يمثل حصاراً جديداً".

وأشار كذلك إلى أن روسيا تستخدم هذا الملف سياسياً، لافتاً إلى أن "هناك حواراً سياسياً وتفاوضاً بين الدول العظمى، فيما الابتزاز من طرف روسيا تحديداً، والدليل التعنت حول عدد المعابر".

 

زاهد: يعاني النظام وكل حلفائه من العقوبات الأميركية التي ستفرض وفق قانون قيصر ولذلك تناور روسيا باستخدام ورقة المساعدات الإنسانية عبر الحدود

 

وأوضح أنه "وفقاً لبعض المحللين، فإن المبرر الوحيد لموافقة روسيا على استمرار العمل من معبر باب الهوى واستثناء معبر باب السلامة هو إحراج الأمم المتحدة بحيث تظهر للعالم أنكافة المساعدات الإنسانية التي تقدمها الوكالات الأممية وشركاؤها الإنسانيون تدخل من مناطق تسيطر على بعضها جماعات مصنفة على قوائم الإرهاب (بالإشارة إلى بعض التنظيمات التي تسيطر على بعض مناطق إدلب)، وذلك للتشكيك في نزاهة الاستجابة الإنسانية تمهيداً لإيقافها نهائياً".

وحول ما إذا كانت هناك آلية للالتفاف على إدخال المساعدات عبر الحدود في حال لم يتم التجديد للقرار، أوضح زاهد: "طالبنا كافة الجهات الداعمة بتحرير ملف الاستجابة الإنسانية من أي ابتزاز سياسي أو عقبات قانونية، وهناك تجاوب كبير في هذا الصدد، ولكن الآليات تحتاج للكثير من العمل وهناك الكثير من التحديات مما قد يهدد حياة الناس في الشمال السوري، ونرجو أن يتجدد القرار لتستمر الاستجابة تحت مظلة الأمم المتحدة".

 

 

وسابقاً كان يُسمح للأمم المتحدة، وحتى 10 يناير/ كانون الثاني الماضي، بموجب القرار، 2165 (2014) وقرارات إضافية ذات صلة، بتقديم المساعدات العابرة للحدود عبر أربعة معابر؛ وهي الرمثا (الأردن)، واليعربية (العراق)، وباب السلامة (تركيا) المحاذي لريف حلب الشمالي، وباب الهوى (تركيا) المحاذي لإدلب.

واستخدمت كل من روسيا والصين، في ديسمبر/ كانون الأول الماضي، "الفيتو"، وأفشلتا تبني مجلس الأمن لمشروع قرار يجدد لآلية تقديم المساعدات العابرة للحدود في سورية عبر ثلاثة معابر، بدلاً من الأربعة التي كان معمولاً بها، وكان القرار قد حصل على تأييد 13 دولة من أصل 15 دولة، لكن الفيتو الروسي الصيني حال دون تبنيه.

وبعد جولة جديدة من التفاوض تمكن مجلس الأمن من تبني القرار 2504 (2020)، في 10 يناير/ كانون الثاني، والذي يسمح بتقديم المساعدات الإنسانية العابرة للحدود عبر معبري باب السلامة وباب الهوى فقط ولستة أشهر، أي أن مدته انتهت يوم أمس، 10 يوليو/ تموز الجاري. 

المساهمون