24 أكتوبر 2024
رسائل داعش أخيراً
تفيد العمليات التي قام بها "داعش"، أخيراً، في الأردن وتركيـا وبنغلادش والسعودية، بأنه بصدد الانتقال إلى طور جديد في أدائه، خصوصاً في ضوء تقلص الخيارات الميدانية أمامه، بعد خسارته الدالة معركة الفلوجة في العراق، واستمرار خلط الأوراق في سورية، بسبب تعدّد الفاعلين المتدخلين، وتباين أجنداتهم التي بات معظمها لا يتقاطع مع أهدافه. ولعل أهم ما يلفت الانتباه في هذا الانتقال نزوعه إلى توسيع الرقعة الجغرافية لعملياته الإرهابية وتدويلها، في محاولةٍ منه لإرباك الأطراف الإقليمية والدولية المعنية بالحرب عليه.
تعود المكاسب الميدانية التي حققها التنظيم في السنتين المنصرمتين، في جانبٍ كبير منها، إلى تباين أهداف القوى الفاعلة والمؤثرة في المنطقة. ففي العراق، مثَّلَ التغلغل الإيراني تحدّياً متعدّد الأوجه لديها، فعملت على تطويقه ومحاصرته سياسياً وعسكرياً بغاية تجنب الاختلالات الطائفية والمذهبية التي قد يحملها هذا التغلغل. هذا في وقتٍ لم تأل فيه إيران جهداً من أجل جعل هزيمته ودحره في العراق جزءاً من سياستها الإقليمية، بالنظر لما يشكله من تهديد لاستراتيجيتها في المنطقة، الأمر الذي تحوّل إلى مواجهة طائفيةٍ ضاريةٍ بالوكالة، ما تزال فصولها مستمرة في أكثر من بلد عربي. ومع التوقيع على الاتفاق النووي مع إيران، قبل عام، طرأت تحولاتٌ على سلم الأولويات، فيما يخص علاقة طهران بالغرب، وأصبح القضاء على "داعش" هدفاً أساسياً، تتقاطع عنده خيارات الفاعلين، خصوصاً بعد تشكيل التحالف الدولي لمحاربته، غير أن ذلك لم يمنع بعض هؤلاء من الاستمرار في دعمه، بشكل أو بآخر، مأخوذين بمخاوفهم المتزايدة من السياسة الإيرانية التي جعلت من دعم الشيعة، وتمكينهم من موارد السلطة الأساسية في العراق، أحد أهدافها المركزية.
يبدو الوضع في سورية مغايراً، بسبب أن الأزمة صارت تندرج ضمن صراع دولي على إعادة توزيع المصالح والنفوذ، انطلاقاً من سياق ما بعد إخفاق ثورات الربيع العربي، وتعثر مشاريع التحول الديمقراطي في معظم بلدانه. فظهور "داعش" وتمدّده في عدد من المحافظات السورية أربك ثنائية الاصطفاف التي حكمت الأزمة مع بدايتها (النظام والمعارضة)، وأسهم في تحويل سورية إلى بلدٍ مستباحٍ أمام قوى وأطراف متعدّدة، لا سيما بعد تدخل إيران وحزب الله وروسيا إلى جانب قوات بشار الأسد، الشيء الذي أنتج واقعاً ميدانياً معقداً حدَّ، بشكل كبير، من خيارات التحالف الدولي في سعيه إلى محاربة التنظيم وهزمه، وتجنب إراقة مزيد من دماء الأبرياء (في الغرب تحديداً!).
الآن، وبعد أن تكبّد التنظيم خسائر كبيرة، وفقد مناطق واسعةً كانت تحت سيطرته في سورية بفعل القصف الجوي لقوات روسيا والتحالف، وأفرزت معركة الفلوجة متغيّرات سياسية وميدانية في العراق، ولاحت في الأفق بوادر مصالحة تركية روسية، تنهي التوتر بين البلدين، بعد ذلك كله، أصبح التنظيم يدرك أن الخناق بدأ يضيق عليه، ويزيد من عزلته في ظل ما بات يشكله من تهديدٍ غير مسبوق للسلم والأمن الدوليين. لذلك، يحاول الاستعاضة عن انتكاساته العسكرية، بتنويع آليات اشتغاله وأساليبه، من خلال التوظيف الفكري والأيديولوجي لخلايا محلية تتوزع على الجهات الأربع للعالم، تتحرّك وتخطط وتُنفذ ضمن ما يتيحه واقع الحال الأمني والاستخباراتي للبلدان التي تنشط فيها، من دون حاجة للتنسيق التنظيمي مع القيادة في سورية أو العراق.
نقلُ المعركة إلى دولٍ قد تبدو غير معنية بما يدور في المنطقة (بنغلادش مثلاً)، والنزوعُ نحو تدويل شامل ''للجهاد''، واستغلالُ السخط السني على انتهاكات المليشيات الشيعية في العراق (تفجير الكرادة في بغداد)، ذلك كله يتضمن رسائل يحاول التنظيم إيصالها إلى من يهمهم الأمر، أبرزها أنه ما زالت لديه أوراق كثيرة، انطلاقاً مما يتوفر عليه من احتياطي بشري هائل، يدين له بالولاء العقائدي والمذهبي، ويخوّله، بالتالي، تنويع عملياته واستراتيجياته وأدواته، ما يجعل القضاءَ عليه أمراً شبه مستحيل، مع ما تقدّمه له الجغرافيات القومية والإثنية المختلفة من إمكاناتٍ بشريةٍ كبيرة، تسمح له بنقل معركته حيث يريد.
تعود المكاسب الميدانية التي حققها التنظيم في السنتين المنصرمتين، في جانبٍ كبير منها، إلى تباين أهداف القوى الفاعلة والمؤثرة في المنطقة. ففي العراق، مثَّلَ التغلغل الإيراني تحدّياً متعدّد الأوجه لديها، فعملت على تطويقه ومحاصرته سياسياً وعسكرياً بغاية تجنب الاختلالات الطائفية والمذهبية التي قد يحملها هذا التغلغل. هذا في وقتٍ لم تأل فيه إيران جهداً من أجل جعل هزيمته ودحره في العراق جزءاً من سياستها الإقليمية، بالنظر لما يشكله من تهديد لاستراتيجيتها في المنطقة، الأمر الذي تحوّل إلى مواجهة طائفيةٍ ضاريةٍ بالوكالة، ما تزال فصولها مستمرة في أكثر من بلد عربي. ومع التوقيع على الاتفاق النووي مع إيران، قبل عام، طرأت تحولاتٌ على سلم الأولويات، فيما يخص علاقة طهران بالغرب، وأصبح القضاء على "داعش" هدفاً أساسياً، تتقاطع عنده خيارات الفاعلين، خصوصاً بعد تشكيل التحالف الدولي لمحاربته، غير أن ذلك لم يمنع بعض هؤلاء من الاستمرار في دعمه، بشكل أو بآخر، مأخوذين بمخاوفهم المتزايدة من السياسة الإيرانية التي جعلت من دعم الشيعة، وتمكينهم من موارد السلطة الأساسية في العراق، أحد أهدافها المركزية.
يبدو الوضع في سورية مغايراً، بسبب أن الأزمة صارت تندرج ضمن صراع دولي على إعادة توزيع المصالح والنفوذ، انطلاقاً من سياق ما بعد إخفاق ثورات الربيع العربي، وتعثر مشاريع التحول الديمقراطي في معظم بلدانه. فظهور "داعش" وتمدّده في عدد من المحافظات السورية أربك ثنائية الاصطفاف التي حكمت الأزمة مع بدايتها (النظام والمعارضة)، وأسهم في تحويل سورية إلى بلدٍ مستباحٍ أمام قوى وأطراف متعدّدة، لا سيما بعد تدخل إيران وحزب الله وروسيا إلى جانب قوات بشار الأسد، الشيء الذي أنتج واقعاً ميدانياً معقداً حدَّ، بشكل كبير، من خيارات التحالف الدولي في سعيه إلى محاربة التنظيم وهزمه، وتجنب إراقة مزيد من دماء الأبرياء (في الغرب تحديداً!).
الآن، وبعد أن تكبّد التنظيم خسائر كبيرة، وفقد مناطق واسعةً كانت تحت سيطرته في سورية بفعل القصف الجوي لقوات روسيا والتحالف، وأفرزت معركة الفلوجة متغيّرات سياسية وميدانية في العراق، ولاحت في الأفق بوادر مصالحة تركية روسية، تنهي التوتر بين البلدين، بعد ذلك كله، أصبح التنظيم يدرك أن الخناق بدأ يضيق عليه، ويزيد من عزلته في ظل ما بات يشكله من تهديدٍ غير مسبوق للسلم والأمن الدوليين. لذلك، يحاول الاستعاضة عن انتكاساته العسكرية، بتنويع آليات اشتغاله وأساليبه، من خلال التوظيف الفكري والأيديولوجي لخلايا محلية تتوزع على الجهات الأربع للعالم، تتحرّك وتخطط وتُنفذ ضمن ما يتيحه واقع الحال الأمني والاستخباراتي للبلدان التي تنشط فيها، من دون حاجة للتنسيق التنظيمي مع القيادة في سورية أو العراق.
نقلُ المعركة إلى دولٍ قد تبدو غير معنية بما يدور في المنطقة (بنغلادش مثلاً)، والنزوعُ نحو تدويل شامل ''للجهاد''، واستغلالُ السخط السني على انتهاكات المليشيات الشيعية في العراق (تفجير الكرادة في بغداد)، ذلك كله يتضمن رسائل يحاول التنظيم إيصالها إلى من يهمهم الأمر، أبرزها أنه ما زالت لديه أوراق كثيرة، انطلاقاً مما يتوفر عليه من احتياطي بشري هائل، يدين له بالولاء العقائدي والمذهبي، ويخوّله، بالتالي، تنويع عملياته واستراتيجياته وأدواته، ما يجعل القضاءَ عليه أمراً شبه مستحيل، مع ما تقدّمه له الجغرافيات القومية والإثنية المختلفة من إمكاناتٍ بشريةٍ كبيرة، تسمح له بنقل معركته حيث يريد.