دير الزور والخوف الجديد

28 أكتوبر 2015
+ الخط -
خوفٌ وحذرٌ وترقبٌ لموتٍ يحدق بنا من قريب، تلك هي المشاعر التي بتنا نُحس بها حديثاً. أتحدث بصيغة الجمع هنا، لأنني اكتشفت وجود تلك المشاعر لدى معظم من مكث تحت القصف في أحياء مدينة دير الزور، منذ بدئه يوم الجمعة 22-6-2012، مروراً بما تعرف بـ "حملة الحرس الجمهوري" آنذاك، وليس انتهاءً بوقتنا الراهن، حيث يستمر القصف على أحياء المدينة، مضافا إليه استخدام البراميل المتفجرة التي تلقيها الطائرة المروحية فوق الآمنين.
عاد الخوف مرفقا بالترقب، أخيراً، لا سيما بعد سيطرة داعش على المدينة، في حين أننا كنا "تماسيح" بوجه القصف العنيف التي تعرضت له المدينة بشتى الأنواع، منذ ثلاثة أعوام، حيث وصل مجموع عدد القذائف التي سقطت يومياً على حي الحميدية في الشهر السابع من عام 2012 مثلاً، حوالي مائة قذيفة.
في ذلك الوقت، حين كانت تسقط قذيفة أو تُغير الطائرة على أحد المنازل التي تحيط بمنزلنا، كنا ننظر نحو مكان القصف من أمام باب المنزل، لنرى إن أصيب أحد، حتى نهرع إلى إسعافه، أو إذا سقط شهيد ما، حتى نعمد إلى دفنه والصلاة عليه في الحديقة المجاورة، ثمّ نعود إلى البيت، بعد أن ندعو من رأيناه هناك من الأصدقاء لشرب الشاي، ولمشاهدة حلقة "الاتجاه المعاكس".
بعد سيطرة داعش على المدينة، حدث شيء غريب، ناهيك عن البراميل المتفجرة، حديثة الاستخدام، بتنا نخاف من شكل الموت الذي لم نكن نفكر به قط، سابقاً.
حين يسقط برميل متفجر على حي الحميدية (في ظل سيطرة داعش على المدينة)، يُحدِث مجزرة مروعة، لا أذهب إلى مكان القصف، بغية تفقد الجرحى المدنيّين، على عكس العادة قبلاً، ولا أعلم السبب حقيقةً، إلا أنني أعتقد أننا وهبنا أجسادنا، ذات يوم، قرابين رخيصة، في سبيل تحقيق مشروعنا الأول: الثورة السورية، المرتبط بوجود فصائل الجيش الحر، لا أن نقضي ونحن يائسون، كما يقضي كثيرون من أبناء الدير الآن، لربما أردنا أن نموت ونحن مبتسمون، جميلون، مرتاحون لما بعد فنائنا، فكل ما سيحصل بعد ذلك خير، ما دامت ماضية تلك الثورة في طريقها نحو النصر؛ لا أن نموت هكذا!
ما يجري اليوم في المناطق السورية "المُحتلّة" من داعش، وفي دير الزور خصوصاً، أن أبناء المدينة استيقظوا من حلمٍ ما، وقد وجدوا لوحةً قبيحة لم يألفونها من قبل، لينظروا من حولهم، ولا يجدون سوى الدمار والخراب، والرايات السوداء وكائنات غريبة أيضاً تقطع الرؤوس وتمتهن سفك الدماء باسم الله عزّ وجلّ.
كانت كل تلك المساوئ لتصنف في خانة ضريبة من يقف بوجه حاكمه الظالم. وكان ثوار دير الزور يعزون الدمار والخراب على أنه الضريبة الباهظة لمشروعهم، ولا ينتابهم الندم. وما كان ذلك ليحدث، لو كانت الثورة قائمة في مدينتهم الآن، بالمؤسسات التي تنبثق منها وتسعى إلى تمثيلها، وبالجيش الحر الذي رفع رايتها، وبأبنائها الحالمين ببناء مدينتهم يوماً، بعد انتصارها.. إلا أنّ ذلك كله لم يعد موجوداً، فقد اقتصرت الثورة على وجودها الغريب والخفيّ في عقول القليل من ثوارها وقلوبهم، ممن بقوا حتى اليوم في دير الزور، كما لو أنهم قابضون على الجمر حقاً.
avata
avata
أحمد أبو الجود (سورية)
أحمد أبو الجود (سورية)