حكاية عذاب بين التونسيّ والإدارات الرسميّة

حكاية عذاب بين التونسيّ والإدارات الرسميّة

19 يوليو 2015
أنهكه الانتظار (ليونيل بونافيتور/فرانس برس)
+ الخط -

على مدى أكثر من شهر، بقيت نبيلة بالحاج رهن وثيقة إدارية رسمية كانت بحاجة للحصول عليها من أحد مسؤولي الإدارة العامة للقباضة المالية في العاصمة تونس. طوال تلك الفترة، ظلّت تتردّد على هذه الإدارة من دون فائدة. تقول لـ "العربي الجديد": "أتيتُ إلى هنا خلال مختلف ساعات النهار. مع ذلك، لم أجد المسؤول المكلّف وحده، بحسب زملائه، استخراج وثيقتي، علماً أنني في حاجة للحصول عليها للانتهاء من مسألة عائلية". تضيف: "في إحدى المرات، عملت على إثبات عدم وجود هذا المسؤول في مكتبه بهدف مقاضاته، لكن من دون نتيجة". والمشكلة، على حد قولها، أن ما من أحد في الإدارة يستطيع إعطاءك أي معلومات واضحة.

ليست بالحاج وحدها من تعاني في هذا الإطار. يواجه كثيرون في تونس المشاكل عينها، لناحية إهمال الإدارات الرسمية وتلكؤها في التعامل مع المواطنين. في جولة لـ "العربي الجديد" على عدد من المؤسسات الرسمية في العاصمة، من وزارات وإدارات ذات طابع خدماتي، على غرار شركة الكهرباء والغاز والبريد والقباضة المالية والشركة التونسية لاستغلال وتوزيع المياه ومكاتب العلاقات مع المواطنين الموجودة في الوزارات والمحافظات، ترى مواطنين يقفون في طوابير طويلة داخل الإدارات وخارجها، بانتظار إنهاء معاملاتهم.

داخل المقر المركزي للبريد التونسي، يوجد 15 شباكاً موزعة بين الخدمات المالية والإدارية، علماً أن الموظفين المعنيين لا يعملون جميعاً. كيفما تلتفت، تجد مواطنين يقفون في طوابير بانتظار دورهم. اختارَ كل واحد من هؤلاء تسلية نفسه إلى حين الوصول إلى أحد الشبابيك. هناك من يتصفّح جريدة، فيما ينشغل آخرون بهواتفهم النقالة. هناكَ أيضاً من غلبه النوم. هذه امرأة تعجزُ عن إسكات ابنها الرضيع الذي يبدو أنه ضاق ذرعاً بالمكان.
واللافت أن معظم الإدارات الرسمية التونسية تتحوّل إلى أماكن لمناقشة المشاكل العائلية والشخصية التي لا يتردّد أصحابها في طرحها على العلن، حتى أنه يمكن للجميع الاستماع إليها وربما المشاركة في حلّها. والأغرب من ذلك أن بعض الموظفين لا يترددون بدورهم في طرح مشاكلهم على الملأ.

يتوقف أحد الموظفين عن الحسابات لدقائق بعدما انشغل بحل مشكلة ابنه، فيما كان المواطن محسن الدويري ينتظر إنهاء معاملته.. إلا أنه لم يعد يتمالك أعصابه، فشتم الموظف. يقول لـ "العربي الجديد" إنه "لا يمكن مغادرة أي إدارة رسمية في البلاد من دون أن تصاب بضغط في الدم، وتشتبك مع أحد الموظفين. لكن لا مفر من ذلك. نحن مضطرون للتعامل مع هذه الأمور". يضيف: "ما لا أستوعبه هو وقاحة بعض الموظفين في التعامل مع المواطنين، وخصوصاً الاستهتار واللامبالاة، في ظل عدم وجود أي محاسب أو رقيب".

المشاكلُ عينها يضطر المواطنون إلى التعامل معها في مكاتب العلاقات. يقول أنس البوغديري إنه "ليس هناك أي علاقة بين هذه المكاتب والمواطنين. واللافتة أعلاه لا تعكس الحقيقة". يضيف: "لم آت يوماً إلى هذا المكتب ووجدته مفتوحاً. ما يقال عن هذه المكاتب لا يخرج عن كونه مجرد شعارات". يشرح أنه "يفترض أن ألجأ إلى هذا المكتب لأجد إجابات عن تساؤلاتي، بالإضافة إلى إرشادي من قبل الموظفين لمعرفة الإدارة المعنية بملفي. لكن لا يمكن وصف درجة الاستهتار".

أما وفاء المليكي التي التقتها "العربي الجديد" في القباضة المالية المركزية، فتقول إنها أرادت الحصول على رخصة استغلال لمحل كانت تنوي تحويله إلى مركز دراسات. لكن بعد شهر أو أكثر من الانتظار، رُفِضَ طلبها بحجة أن شهادتها العلمية لا تتناسب ونوعية المشروع. تضيف: "طلبتُ من المدير الإداري إطلاعي على النص القانوني الذي يمنع ذلك. فرد أنه كون حالتي الاجتماعية جيدة ولا أحتاج إلى عمل أو إدارة أي مشاريع، تقرر رفض طلبي. فما كان مني إلا أن مزقت الطلب وغادرت المكان".

بالمختصر، هذا حالُ التونسيّين مع الإدارات الرسمية. والمشاكل لا تتوقف عند هذا الحد. فبالإضافة إلى طوابير الانتظار والاكتظاظ وغيرها، نادراً ما يجدون إجابات مقنعة لتساؤلاتهم، أو يتمكنون من إنجاز معاملاتهم، ما يدفع البعض إلى التنازل عنها والمغادرة. وتُفيد بعض التقارير الأخيرة بأن معدل عمل الموظف التونسي في اليوم لا يتجاوز الثماني دقائق فقط، وأن نسبة التغيب عن العمل زادت 60 في المائة خلال العامين الأخيرين، ما يعني أن البلاد تخسر كثيراً من الناحية الاقتصادية، عدا عن الحالة النفسية التي يعاني منها المواطنون.

اقرأ أيضاً: إضراب عام في جربة التونسيّة بسبب النفايات 

دلالات