حادثة السفارة "الإسرائيلية" في الأردن: إدانة الضحايا وانتصار القاتل

حادثة السفارة "الإسرائيلية" في الأردن: إدانة الضحايا وانتصار القاتل

25 يوليو 2017
+ الخط -

شيع مئات من الأردنيين جثمان الفتى محمد زكريا الجواودة، وردد المشاركون خلال تشييع جثمان الجواودة، شعارات تنتقد موقف الحكومة الأردني، إزاء حادثة قتل مواطنين أردنيين، داعين إلى ضرورة أن يكون هناك محاكمة للضابط الأمني الذي أقدم على قتل الأردنيين بدم بارد، فيما نددوا بموقف رئيس وزراء الاحتلال الذي استقبل السفيرة لدى الأردن، والضابط الأمني، على أنهم أبطال، فيما وجهوا التحية لموقف الشعب الأردني الذي ساند أهالي الجواودة في قضيتهم.

هكذا، تطوى أحداث سفارة العدو الصهيوني في عمان، والتي لا تزال حتى لحظة كتابة هذه السطور، تشغل الرأي العام في الأردن، ليعود القاتل الصهيوني، محمولًا على الأكتاف في تل أبيب، لتوفي الحكومة الصهيونية بوعودها، وتنقذ رجالها، حتى من قبضة المساءلة القانونية والتحقيق، وأما شهيدي الأردن، اللذين قتلا برصاص رجل الأمن الصهيوني، فلا بواكي لهما.

"لقد تحدثت مرتين مع السفيرة الإسرائيلية في الأردن، وتحدثت مع الضابط الإسرائيلي الذي قتل الأردنيين، وأخذت انطباعا جيدًا.. أن الأوضاع لديهم على ما يرام، ونحن سنبذل كل جهدنا لإعادة الضابط الإسرائيلي بأمان، فنحن نستخدم عدة واسطات وخطوط للاتصال بالأردنيين، لاستعادة طواقم الأمن إلى إسرائيل، من دون أن يتم التحقيق معهم أو محاكمتهم". هكذا، نقلت وسائل إعلام عبرية، على لسان رئيس حكومة الاحتلال الصهيوني، بنيامين نتنياهو، وهو يطمئن المجتمع الصهيوني، أنه سيعيد القاتل والسفيرة إلى "إسرائيل".

لم تمض سوى ساعات، حتى وفى بوعده، لتؤكد مصادر عبرية الليلة الفائتة أن "جميع طاقم السفارة الإسرائيلية في عمان، عادوا إلى إسرائيل، وبينهم الضابط الذي قتل الأردنيين".

المصادر العبرية، كانت قد أكدت، أن نحو 30 موظفًا إسرائيليًا، يعملون في السفارة، وعقب وقوع الجريمة، "باتوا يخشون من اقتحام القوات الأردنية للسفارة، واعتقال ضابط الأمن الذي قتل مواطنين أردنيين، الليلة قبل الماضية"، إلا أن ذلك لم يحصل، ليكتفي الأمن الأردني، بإغلاق جميع الطرقات والمداخل المؤدية إلى السفارة في حي الرابية، وسط عمان، فيهاتف نتنياهو الضابط القاتل، ويطمئنه، ويعده، أن "الأمر بسيط"، وسيعيده بسهولة إلى تل أبيب، وهو ما حدث.

قبل ذلك، كان وزير الداخلية الأردني، غالب الزعبي، حاول مجتهدًا تدارك الأمر، حين منع سفر القاتل الصهيوني، إلى أن يستكمل التحقيق على الأقل، وهو أمر، كما علم "جيل"، من مصدر أمنى رفيع المستوى، حصل على موافقة المرجعيات السياسية الأردنية.

فـ"استكمال ملف التحقيق، ومع وجود شهيدين أردنيين، طعن أحدهما ضابط الأمن الصهيوني، تسبب بجرح طفيف قبل مقتله مع الطبيب، الذي حاول إسعافه، برصاص صهيوني على أرض أردنية، وليس في حرم السفارة، وكل ذلك، وبالمعنى الدبلوماسي والقانوني المباشر، يستلزم الحصول على إفادة الطاقم الأمني الصهيوني"، بحسب قانونيين وأمنيين.

بسرعة، عالجت "إسرائيل" حارسها في أقرب مستشفى، ونقلته فورًا إلى مقر السفارة، لتوقع الأمن الأردني، الذي لم يتحصل على قرار سياسي أمني، بتوقيف الحارس القاتل أثناء حركته من المستشفى إلى مقر السفارة، لتغلب الجهات السيادية الأردنية، سبيل "الدبلوماسية"، آملة في استجواب المجرم عبر التعاون مع الكيان الصهيوني، الأمر الذي لم يحصل أيضًا، نظرًا للعجرفة الصهيونية المعهودة.

الحزين والمفجع في ما يحصل، أن التنازل الذي قدمته الحكومة الأردنية، وبهذه الطريقة، والذي حال دون محاكمة الصهيوني، قاتل مواطنيها في قلب عاصمتها، جاء بعد ساعات قليلة، من تهجم وقح لعضو الكنيست الصهيوني، أورن حزان، حين قال، إن "الأردنيين، الذين نسقيهم الماء، ونحمي مؤخراتهم ليل نهار، يحتاجون لإعادة تربية من جديد". وأيضًا، قبل أيام، هاجم رئيس الكنيست يولي أدلشتاين، رئيس مجلس النواب الأردني عاطف الطراونة بقوله، "عليك أن تسكت".

وللعلم، لم يصدر قرار أردني صريح، باعتقال رجل الأمن الصهيوني، ولا حتى أيضًا، سمع الأردنيون بقرار صهيوني بتسليمه لسلطات التحقيق الأردنية، وإخضاعه لتقديم إفادة، ما وضع الحكومة في مرمى نيران الرأي العام الأردني، الذي أبدى امتعاضه وسخطه مما حصل.

حصل كل ذلك، والإعلام الرسمي الأردني، غائب تمامًا عن المشهد المؤلم، لغياب أي رواية أردنية متكاملة، "ما خلق فراغًا كبيرًا، وأعطى الرواية الإسرائيلية الفرصة كي تحتل الفضاء الإعلامي عالميًا، بسرعة قياسية"، وفق الكاتب والمحلل محمد أبو رمان.

يحاول أبو رمان تفسير غياب الرواية الإعلامية الأردنية، بالتمهل من أجل رسم الصورة الكلية، ودراسة الموقف الأردني قانونيًا وسياسيًا، لأن المعادلة دقيقة والتوقيت صعب، لكنه، يستدرك الكاتب، "لا يعني الغياب الكامل.. يمكن التواصل مع الإعلام والرأي العام ليوضعا في صورة ما تأكد من معلومات ووقائع وحقائق، وفي الرد على الرواية الإسرائيلية، ولو على صعيد عدم تأكيدها، إلى حين ينتهي التحقيق الأولي".

نوم الإعلام الرسمي، وكسله في متابعة الأحداث أولًا بأول، كل ذلك زرع حالة من الشك، المتراكمة أصلًا لدى الشارع الأردني، تجاه الخطاب الرسمي، ومواصلة إبقاء الصراع بين الرأي العام والحكومة، ما أنتج وينتج انهيارًا في مصداقية الحكومة، وفق ما أفرزته منشورات ناشطين على مواقع التواصل الإلكترونية.

بناءً على ما سبق، ونتيجة هذا الغياب المريب، ولا يزال، فقد تعرضت الحكومة بالفعل للهجوم بعد الحادثة بساعات، حصيلة هذا الصمت، فيتجمع نحو ألف من أقارب الشاب الشهيد، الذي يعمل نجارًا، ويعمدون لإغلاق ميدانا جنوب العاصمة، مطالبين الجهات الرسمية ببيان، يفسر لهم ما حصل، قبل تفريقهم من قبل قوات الدرك الأردنية.

إذن، مرة أخرى، يتغذى المواطن الأردني على الإحباط والقهر، عقب انقلاب الصورة، وتبدل الحقوق، نتيجة ما زعم أنها "مقايضة دبلوماسية" أردنية - "إسرائيلية"، ليصل بعدها الحال، أن يتخذ الموقف الرسمي الأردني، ومن خلال بيان رسمي، قرأه ناشطون ومراقبون، أنه يتضمن توجيه اللوم لـ"الضحايا" الأردنيين، فيما أفلت القاتل بكل بساطة.

ما حدث، وضع هيبة الدولة الأردنية على المحك، بعدما ذهب ضحيتها أردنيان، قتلهما ضابط أمن صهيوني على الأرض الأردنية، هما، إضافة للفتى محمد الجواودة، طبيب العظام الشهير، بشار حمارنة، مالك الشقة التي شهدت الحادثة، فيما فتحت أيضًا باب الجدل حول سيادة الدولة، وقيمة الأردني لدى الحكومة، التي كانت واضحة، كما ذهب إلى ذلك معلقون على مواقع التواصل، عندما سمحت الدولة للقاتل الصهيوني بالخروج، دون القصاص منه.

لا يمكن للمسؤولين الأردنيين، أن يدفعوا بعد الآن، من قلوب الناس في الأردن، حجم الإحباط، والشعور بالإذلال بعد الذي حصل، وهم لا يزالون يبحثون عن رئيس الحكومة هاني الملقي، المتواري عن الأنظار طيلة الأحداث، في الوقت، الذي يتباهى فيه القاتل الصهيوني، مسؤول أمن السفارة "الإسرائيلية"، بعد أن عاد منتصرًا، ودم ضحاياه لم تجف على يديه بعد، حين يقول، وفي مقابلة قصيرة مع صحيفة "يديعوت أحرنوت" العبرية، "إنني أشعر بالفخر، لقد علمت أن دولة بأكملها تقف خلفي".

أما والد الفتى محمد الجواودة، الحاج زكريا، وبالتأكيد كان يتابع لقاء رئيس الحكومة الصهيونية بنيامين نتنياهو، مع قاتل ابنه، واستقباله بالأحضان، فقد أبدى استغرابه الشديد، من "تطنيش" الجانب الرسمي لحادثة قتل ابنه، مشيرًا، إلى عدم تواصل أي أحد من الحكومة، أو من الديوان الملكي، بل إنه ذهب بشخصه إلى مبنى وزارة الداخلية الأردنية، ولقائه بالوزير غالب الزعبي، من دون دعوة من الوزارة حتى.

المساهمون