جود سعيد.. سينما طائفية

31 أكتوبر 2019
+ الخط -
يسخر المخرج السوري جود سعيد، في فيلمه الجديد "نجمة الصبح"، المشارك في المسابقة الرسمية لمهرجان قرطاج السينمائي، من إعلام النظام السوري المزايد على معاناة أفراد قاعدته الشعبية من خطف ذويهم. ويسخر أيضا من سلوك النظام وأتباعه من تعفيش وعدم اهتمام بأهالي ضحاياه.. هذا جيد، وهذا حقا ما يفعله النظام تجاه كل السوريين، بمن فيهم مؤيدوه! 
تأتي السخرية المرّة من توظيف جود سعيد ذلك لتسويق الصراع في سورية على أنه بين مجموعةٍ طائفيةٍ تؤمن بالخير والسلام ولا تؤذي أحدا، ومجموعة طائفية أخرى بغيضة حاقدة تريد تدمير سلام الطبيعة الجميلة وأهلها، والتي ينجح الفيلم بإبراز جمالياتها.
الفيلم مبني على خطف مجموعةٍ مسلحةٍ خارجة على النظام (الدولة) لمجموعة نسوة مدنيات ينتمين للطائفة العلوية، وهذا حصل ومدانٌ طبعا، وهو يقدّم مجموعة إشارات لكي يفهم المشاهد اللبيب ذلك، ومنها الحديث باللهجة، وبعض الأضرحة والمزارات والرموز الدينية كالخلعة وغيرها.
يقسم سعيد في فيلمه الناس إلى سنّة وعلويين، سنّة خارجين عن القانون، يختطفون النساء 
والأطفال، ويعذبونهم ويصلبونهم كما صلب المسيح، ويعيدونهم بدفع الفدية، والاستثناء الوحيد من هؤلاء هو خلدون، أدّى الدور محمد الأحمد، شقيق رئيس المجموعة الخاطفة عارف، والذي نشأ في قرية أهالي المخطوفين، ويحبّ واحدة من المخطوفات، ويلقب بالبغل.
بالمناسبة، لم يقدّم الفيلم أي إشارة إلى أسباب حمل هؤلاء الناس السلاح والخروج على "الشرعية"، وهو يصوّرهم أنهم لا يعرفون لماذا حملوا السلاح، وقرارهم بيد خاطف النساء وخاطفهم أيضا.. ولن يشير جود سعيد إلى ارتكاب النظام وأعوانه مجازر طائفية في تلك المنطقة، وفي المقدمة مجزرة البيضا، والفيديو الشهير لضابط الأمن السياسي وأعوانه وهم يدوسون على رؤوس الأهالي.
أما العلويون، وبحسب الفيلم، فهم المظلومون، حيث يستهدف منهم الحارس الليلي، وتُختطف نساؤهم، ولا تظهر في الفيلم سوى إشارات صغيرة وعابرة (عبد الحليم ولبسه البنطلون العسكري) عن الميلشيات المسلحة، ذات التكوين الطائفي العلوي، والمنتشرة في الساحل السوري.
لن يكون هذا التقسيم واضحا عند المشاهد الذي يجهل تركيب المجتمع السوري وتعقيداته ورموزه وإشاراته. وسيبدو منطقيا أن تحب الفيلم وتصفق كثيرا عندما يُقتل عارف، الخاطف الحقير (!)، وقد أدّى الدور باقتدار لجين إسماعيل. .. تقسيم الفيلم واضح بين الخير والشر، وبين الأبيض والأسود. وبالتأكيد أنت تقف مع الخير والأبيض وتصفق لهما.
الخطورة أنه كي يكسب جود سعيد هذا التعاطف، يقوم بتقديم تفسير طائفي لما جرى في سورية
 قائم على إدانة مجموعة وتبرئة أخرى، من دون أي إشارات إلى الأسباب الحقيقية لثورة السوريين على نظام ديكتاتوري عائلي، يضحّي بكل السوريين، بمن فيهم الطبقة والفئة والطائفة التي يستغلها لبقائه.
الأخطر أن فيلم "نجمة الصباح" مبني على تقسيم السوريين من حيث طوائفهم، ويراهم لا فروق في مواقفهم السياسية، وهو يريد مجتمعا متجانسا، كما أراد بشار الأسد الذي ثار عليه السوريون، ومن مختلف الطوائف والطبقات. وبالمناسبة هنا، يغيب النظام عن الفيلم، فلا نشاهد جيشه ولا أمنه ولا طائراته ولا براميله، ويحضر بمختار الضيعة وبعض موظفيه البيروقراطيين البلهاء وبإعلامه السقيم.
يستثمر جود سعيد معاناة المواطنين العلويين، وزج النظام لهم في حربه على الشعب السوري، ويصور الصراع بشكل طائفي، لا يختلف عن تصوير تنظيمي القاعدة وداعش. يستخدم لهجة محّببة وبسيطة لأبناء الساحل السوري، بكل تكويناتهم، بتقليد غير متقن لأفلام عبد الحميد عبد اللطيف، ويتكئ على نكات سقيمة مكرّرة (اتصال يسأل عن بيت أبو وحيد)، ضمن سياق لا يحتمل التنكيت.
وأخيرا، وكي تصل رسالة البروباغندا يهدي سعيد فيلمه إلى كل امرأة احتجزت حريتها.. هل يعرف سعيد عددهن في سجون النظام؟ لا يكتفي بذلك. يعرض فيلمه للتونسيين في مهرجان قرطاج في أول عروضه في دار الأوبرا في العاصمة التونسية بأنه يقدم فسحة أمل لسورية أكثر حرية، ولكل مواطنيها!
دلالات