جواب واحد

جواب واحد

22 يوليو 2017
+ الخط -
سأل الصحفي الإسرائيلي جدعون ليفي: هل السيطرة على المسجد الأقصى تستحق هذا الثمن الباهظ؟ القاتل والمقتول في العملية التي حدثت إسرائيلي.
ليس سؤال ساذجا كما يبدو، بل هو يطرح في الصميم موضوع الهوية، الهوية الإسرائيلية مقابل الهوية العربية الفلسطينية الإسلامية والمسيحية التي من المفترض أنها في ذهن ليفي، ومن هم على شاكلته، محيت بل انسحقت، بفعل الهوية الإسرائيلية الزرقاء التي أجبر عليها الفلسطينييون، بقوة الاحتلال.
وسؤالي له في المقابل، لماذا حتى الآن لم تستطيعوا هدم المسجد الأقصى وبناء الهيكل؟ ولماذا لم تستطيعوا احتلال الحرم الإبراهيمي بالكامل؟ ولماذا ولماذا؟
أليس من المفترض أنّ الذين يحملون الهوية الزرقاء إسرائيليون؟ لماذا يعاندونكم، ويقاومونكم، ويقولون عنكم "محتلين"، ويتهمونكم بسرقة الأرض؟ لماذا لم يتطبعوا بطبعكم؟ لماذا اندلعت انتفاضة الأقصى عام 2000؟ ولماذا اندلعت انتفاضة القدس عام 2015؟ ألا يعني هذا شيئا لكم؟ ولماذا المرابطون والمرابطات؟
انتفاضتان من أجل الأقصى، قدم فيها الفلسطينيون الغالي والنفيس من المهج والأرواح، من فلذات أكبادهم، من شيبهم وشبانهم، من نسائهم وأطفالهم، لم يحرّضهم أحد إلا هويتهم الفلسطينية. الهوية التي تقول أني صاحب الأرض، وأنّ الأقصى للفلسطينيين المسلمين، ليس لليهود فيها حق كما قالت اليونيسكو، وأنّ كنيسة القيامة وكنائس فلسطين هي للفلسطينيين المسيحيين، ليس لكم سرقة أراضيها.
هذا ما عبّر عنه الفلسطينيون يوم الجمعة الذي أغلقت فيه أبواب المسجد الأقصى، فلم تقم فيه صلاة الجمعة منذ إحراقه عام 1969، فصلوا خارج الأقصى عند البوابات التي أمر رئيس حكومة الاحتلال، بنيامين نتنياهو، بإقامة بوابات إلكترونية عليها، أعجبني إطلاق المقدسيين عليها اسم "بوابات العار".
هي عار على كل من يوافق الدخول من خلالها إلى المسجد الأقصى، فهذا لسان حال الأوقاف الإسلامية والمقدسيين، وليس لسان حال العرب، الذين ينعمون بعلاقات دافئة مع نتنياهو، وباردة حتى الصقيع مع الفلسطينيين، بحيث أن الدم تجمد في عروقهم فلم نسمع إلا إدانات خجولة، ففقدوا هويتهم العربية، بل قد فقدوها منذ زمن بعيد.
وخلال جولة على الصحف العبرية، خرجت أصوات عديدة تنادي باستغلال الموقف للسيطرة على المسجد الأقصى، فقرأنا "يا ليت هذا هو الوقت لأن نأخذ منهم المفاتيح ونقلصهم من ألف حارس إلى عشرة حراس".
ويا ليتهم توقفوا عند هذا الحد، بل خرجت الأصوات المهددة من صحيفة إسرائيل اليوم ويديعوت أحرونوت تحذّر العرب من اللعب بالنار، وتتهم الشيخ رائد صلاح بالتحريض، وآخرون اتهموا محمود عباس بإدانة العملية تحت مطرقة الضغوط الأميركية الأردنية، وختم قائد شرطة الاحتلال في القدس، يورام ليفي، المشهد بالقول "الفصل" كما يظن، "إن الأجهزة ستبقى في مكانها، سيفهمون مع مرور الوقت أن الأمر ليس سيئا الى هذه الدرجة، ولا يجب القلق منه".
من الواضح أن الإسرائيلي الذي لم تنجح معه لعبة الهوية، يريد أن يلعب على عامل الوقت الذي من الواضح أنه ليس في صالحه، فالمقدسيون، حتى كتابة هذه السطور، يتوافدون بشكل يومي للصلاة عند بوابات الأقصى، فيصلون الصلوات الخمس جماعة، شبانا ورجالا ونساء، والليلة أصيب خلال مواجهات بين المصلين وقوات الاحتلال 70 مصليا، وأصيب خطيب المسجد الأقصى الشيخ عكرمة صبري كذلك، ولم تنفع معهم لعبة الهوية، ولا لعبة الوقت.
لن تنجح البوابات الإلكترونية وستسقط، ولن تنفع لعبة الوقت، فالشعب ليس سلطة تلعبون بها، ويا للسخرية، فقد طرد شبان مقدسيون شخصيات من السلطة الفلسطينية خلال توجهها لحضور احتفال أقامته السفارة الفرنسية في القدس المحتلة، على بعد أمتار من اعتصام المصلين عند باب الأسباط، أحد أبواب المسجد الأقصى، هؤلاء حالهم كحال العرب فاقدوا الهوية، وفي واد آخر، فاستحقوا الطرد .
الذي يلعب بالنار، ويحاول استغلال البوابات الإلكترونية لمزيد من السيطرة على الاقصى، أو فرض أمر واقع جديد هو الإسرائيلي، فليس أمام الفلسطيني ما يخسره إذا خسر الأقصى، وليس أمام المقاومة الفلسطينية، كما عبرت أجنحتها العسكرية، والشعب الفلسطيني إلا التصعيد.. وهذا ليس من صالح الإسرائيليين، ولا علاقاتكم الدافئة مع العرب، فأنتم تحرجوا من فقد الهوية، فلا تلعبوا بالنار مع من هو متمسّك بالهوية، فالجواب بسيط.
F4F14766-7D2F-4617-9AFB-878AF02EAFEE
F4F14766-7D2F-4617-9AFB-878AF02EAFEE
أحمد الصباهي (فلسطين)
أحمد الصباهي (فلسطين)