ثريا جبران: الزمن الجميل في الفن المغربي

ثريا جبران: الزمن الجميل في الفن المغربي

06 سبتمبر 2020
صنعت ثريا جبران مكانة قوية لها مع أقطاب التلفزيون والسينما (جلال مرشدي/ الأناضول)
+ الخط -

رحلت، قبل أيام، الممثلة المغربيّة ثريا جبران (1952- 2020)، سيّدة الفنّ المغربي وآخر فرسانه وعناقيده الذهبية والتي ميّزته داخل المنطقة المغاربية منذ سبعينيات القرن الماضي. 
ورغم شهرة ثريا جبران التي اخترقت الآفاق ومع صمت المسرح المغربي، ظلت ثريا جبران، صامدة في وجه أعاصير مرحلة، قيّدت مسار الفنّ داخل المغرب. لكن  كل هذا لم يدفع ثريا جبران إلى التوقف عن ممارسة المسرح، بل ظلّت مُتشبثة به وبتجربتها الفنية التي اخترقت المسرح العربيّ داخل ما سُميّ بـ"المسرح الفردي" مع الفنان المسرحي والتلفزيوني عبد الحق الزروالي، إذْ كشفت هذه التجربة عن قارة شبه منسيّة داخل المسرح، قامت ثريا جبران بتغذيتها فنياً عن طريق الكشف عن الخروقات السياسية والمأساة الاجتماعية وتحويلها إلى مسرحيات نقدية ساخرة، قريبة من المخيال الشعبي المغربي، بحُكم أنّ إقبال المُشاهد المغربي على تجربة جبران المسرحية، لم تكُن إلا بسبب الدور الكبير الذي لعبه التلفزيون المغربي في بث عددٍ من مسرحياتها التي شاهدناها ونحن صغار بمُدنٍ مغربيّة هامشية. وهذا الأمر، ساهم في تعزيز صورة جبران كممثلة طليعية، تُدافع عن حقوق المستضعفين والمنكوبين، وحتى وهي كأول فنانة مغربيّة على رأس وزارة الثقافة، ظلّت المرأة تولي أهمية بالغة لـ"مسرح الهواة" الذي بدأت فيه منذ صغرها إلى جانب رعايتها الصريحة لحقوق الفنّان المغربي.

ولما كانت ثريا جبران تحفر اسمها عميقاً داخل الساحة العربيّة، ظلّ التلفزيون المغربي ومعه عدد من الأسماء الدرامية والسينمائية الرائدة، تستقبل مشاركات جبران، بالكثير من المهنية والاحترافية، خاصّة أنّ شهرتها لم ترتبط فقط بـ"المسرح الفردي"، بقدرما ظلّت تشتغل بشكل متواز مع هذه الأعمال الدرامية والسينمائية. إذْ إنّ رشاقتها وخفتها ونظراتها القاسية وخطابها القويّ، تجاه مشاهد السياسة والاجتماع، حوّلتهما بسهولة إلى عالم الصورة، نظراً لعدم إيمانها بمفهوم الحدود والسياجات داخل العمل الفني، وهو أمرٌ، نستطيع أنْ نقول من خلاله، إنه ينطبق فقط على ثريا جبران، لأنّ التجارب الأخرى التي انتقلت من المسرح إلى التلفزيون، لم تكُن عن حسن نيّة، وإنما لأسباب برانية لها علاقة أساساً بالسياق السياسي والثقافي الذي كان يعيشه المغرب آنذاك، وأخرى مُرتبطة بأسبابٍ مادية ذات توجهٍ ترفيهيّ عام، بدأت ملامحه تتشكّل منذ نهاية السبعينيات. مع العلم أنّ صورة جبران داخل مخيال الأجيال الجديدة، ظلّت موسومة بهذه الأعمال التلفزيونية والسينمائية أكثر منها بالمسرحية، بسبب الجدار المنيع الذي وجد المسرح نفسه أمامه منذ بداية التسعينيات، تارة بسبب التضييق الذي مارسته الدولة عليه، وتارة أخرى بسبب تفاقم ثقافة الصورة والصناعة الثقافية. وهذا ما جعل الأعمال المسرحية رغم ريادتها الفنية والجمالية، تبدو وكأنها فلكلور فني للمغاربة، ما أفضى في النهاية إلى تحوّل رهيب لدى العديد من الممثلين والمؤلفين المسرحيين إلى كتابة الأعمال الدرامية وإلى الرهان أكثر على سلطة الصورة ومُتخيّلها.

لكن داخل الأفلام المغربيّة، صنعت ثريا جبران مكانة قوية لها مع أقطاب التلفزيون والسينما في المغرب، مثل سعد الشرايبي ("غياب" و"جوهرة" و"بنت الحبس") وإدريس المريني ("بامو") وحسن بنجلون ("شفاه الصمت") وإيمان المصباحي ("جنة الفقراء") وفريدة بورقية ("رحيل البحر") وغيرها من الأعمال الفنية، التي عملت من خلالها على تجميل صورتها داخل المشهد المغربي منذ الثمانينيات، كفنانة سينمائية مُتميّزة قادمة من المسرح، مُستوعبة بوعيّ هذا التحوّل في مسارها الإبداعي، لكنها لم تتنكر له يوماً، لأنه زادها قلقاً وشغفاً في محبة الشاشة الصغيرة والكبيرة معاً، حتى غدت منذ الثمانينيات إلى حدود نهاية التسعينيات وجهاً سينمائياً معروفاً، ومدرسة فنية تستفيد منها الأجيال السينمائية الجديدة، أمام حبّ المسرح وشرارته، والتي ظلّت متأججة بداخلها وتُمارس معه نوعاً من النوستالجيا الساحرة مع نصوص وتجارب مسرحية رائدة مثل التي ألفها رفيق دربها المخرج الطيب الصديقي.

ومن الجدير بالذكر أنّ ثريا جبران قد شغلت منصب وزيرة الثقافة عام 2007، ولكن أهم مرحلة في حياتها المهنية، هي عملها وشكل ذلك العمل مع المسرحي الراحل الطيب الصديقي، إذْ يعتبر الكثير من النقاد هذه المرحلة نقطة تحول في مسيرة جبران، حيث شاركت معه في مسرحية "سيدي عبد الرحمن المجدوب" و"أبو حيان التوحيدي" ضمن "فرقة الناس". كما عملت إلى جانب المؤلف والمخرج المسرحي عبد الواحد عوزري، من أجل تأسيس فرقة جديدة.

ونعت النقابة المغربية لمهنيي الفنون الدرامية الفنانة جبران باعتبارها "واحدة من كبار شخصيات الفن والثقافة وأحد أعلام فن التمثيل في المغرب وفي العالم العربي، حيث تألقت في العديد من الأعمال المسرحية والدرامية وعملت مع العديد من الفرق المسرحية داخل وخارج المغرب، وتعاملت مع كبار الكتاب والمخرجين والممثلين المغاربة والعرب، وبصمت مسارها المسرحي بتأسيسها وتأطيرها لفرقة مسرح اليوم كأهم تجربة مسرحية محترفة ونموذجية، والتي قادتها بحنكة وكفاءة مهنية عالية رفقة زوجها المخرج عبد الواحد عوزري ونخبة من الممثلين المغاربة".  وأضاف بلاغ النعي أنه "كانت للمرحومة أياد بيضاء في العمل التطوعي والخيري المواطن وفي توظيف مكانتها الرمزية كفنانة تحظى بحب وتقدير الجماهير، في العديد من القضايا الاجتماعية، امتدادا لحسها الشعبي والملتزم في أعمالها الفنية ومواقفها المنتصرة لقضايا المجتمع العادلة".

المساهمون