تهجير من عرسال

تهجير من عرسال

10 اغسطس 2014
+ الخط -


واهم من يظن أن المسلحين، غير اللبنانيين، الذين دخلوا عرسال، قد دخلوها مصادفة، أو بمحض إرادتهم، بل تم استدراجهم، أو دفعوا للدخول إليها. علموا أم لم يعلموا، فهم دخلوا وخدموا أهدافاً، تخدم مصلحة حزب الله الاستراتيجية، كما الأجندة الإيرانية في سورية ولبنان. وواهم من يظن أن انسحاب المسلحين من عرسال سينهي أزمتها، ويمنع دمارها، ويوقف التنكيل بأهلها وباللاجئين فيها، بل سيصار إلى الادعاء بأن هناك قسماً من المقاتلين مازالوا في عرسال، لتبرير الحملة العسكرية، وما يرافقها من عمليات اقتحام.

عرسال "السنية"، والمطوقة بحزام ومحيط "شيعي"، مناهض للثورة السورية، جله من جماهير وقاعدة حزب الله الشعبية، سيتم العمل على تهجير من سيتبقى من الأحياء من سكانها واللاجئين فيها، وتحييد دور عرسال في دعم الثورة السورية، خصوصاً لمناطق القلمون وريف حمص الغربي. ليس مصادفةً ادعاء حسن نصر الله، العام الماضي، قبل اجتياحه القصير، بأنه دخل ريف القصير لحماية قرى "شيعية" لبنانية، في مواجهة "تكفيريين وإرهابيين". ومن يراقب سير العمليات العسكرية منذ العام الماضي في حمص، وتدمير قلبها ومحيطها "السني"، وريف حمص والقلمون، يدرك تماماً بأن الخطة لا ترمي فقط إلى قطع طرق الإمداد عن الثوار السوريين، بل أن الخطة ترمي إلى ما هو أبعد من ذلك.

في البقاع، وفي القسم "الشيعي" من لبنان، الذي يمكن ضمه إلى دولة الساحل المتخيلة، والمراد لها أن تقوم، وتكون متصلة بالهلال الشيعي، لا بد من استبعاد أهالي عرسال السنة وتهجيرهم، في عملية تهجير ممنهجة مدروسة واسعة النطاق، تماماً كما حصل في حمص وريف حمص الغربي والقصير. ويقتضي ارتباط دمشق بدولة الساحل جغرافياً الحفاظ على طرق استراتيجية، منها طريق دمشق - حمص – الساحل، وطريق دمشق – بيروت، بعد ضم قسم من الأراضي السورية في الجنوب للأردن، مقابل الوطن البديل للفلسطينيين.
 
دولة الساحل هذه، ستباركها إسرائيل وإيران وروسيا، فما يهم إيران الحفاظ على نفوذها في المنطقة، ونافذتها على المتوسط، وما يهم روسيا نفوذها، وبقاء موطئ قدم لها في المنطقة، والحفاظ على قاعدتها العسكرية في طرطوس، واستثماراتها غاز الساحل. ومن يعُد إلى كتاب الزعيم اللبناني، كمال جنبلاط "من أجل لبنان"، الصادر عام 1976، يقرأ مطولاً ما ذكره عن جهود حافظ الأسد الحثيثة، منذ وصوله إلى السلطة في السبعينيات، في مشروع تطويق حمص و"علونتها"، وأغلب سكان حمص يعلمون ذلك، فأغلب الموظفين والعمال، مصفاة حمص نموذجاً، والعسكريين في هذه المناطق من "العلويين". وهذا، أيضاً، ما قام به حافظ الأسد في دمشق، بالسماح بإنشاء "مستوطنات" كما يسميها بعضهم، لعلونة محيط دمشق وطوقها، وبالتالي، لم يكن مصادفة نهش غوطة دمشق، وبناء هذه المستوعبات السكانية.

وبالعودة إلى قضية عرسال، على الرغم من النجاح الكبير الجزئي والمرحلي لحزب الله والأجندة الإيرانية في هذه العملية، وفي تجييش الرأي العام اللبناني، والتلاعب به، فإن العملية لم ولن تتوقف قبل أن تحقق كامل أهدافها بتوريط الجيش اللبناني والمسيحيين، وجعلهم في خندق حزب الله، ليتمكن الحزب من تغطية وامتلاك كامل مقومات منظومة التبرير أمام قاعدته الشعبية عن خسائره البشرية والعسكرية الهائلة في سورية، والتمكن من امتصاص غضبة أهالي عناصره الذين قتلوا في سورية، وكذلك التمكن من السيطرة على حالة التمرد في أوساط الأهالي والعشائر الشيعية في البقاع، والتي فقد قسم منها موارد ارتزاقها وعيشها للعام الرابع على التوالي، وخصوصاً الذين كانوا يعتاشون على تجارة المخدرات والتهريب على الحدود بين سورية ولبنان.

ليس مصادفة وجود أعداد غفيرة من ضباط وعسكريين وأمنيين إيرانيين حالياً في منطقة عرسال ومحيطها، وإشراف بعضهم على خطة العمليات العسكرية ضد عرسال. وليس مصادفة صيام جميع وسائل الإعلام اللبنانية عن ذكر أي دور لحزب الله في الحشد العسكري في حصار عرسال وضربها، والتمترس على تخومها وجرودها، والتركيز فقط على دور الجيش اللبناني هناك. كما ليس مصادفة عدم التطرق إلى وجود آلاف المقاتلين من حزب الله في ملابس الجيش "اللبناني" في منطقة عرسال. وليس مصادفة خرق ما يقال إنه هدنة مؤقتة لأسباب إنسانية، فحزب الله لا يريد هدنة، ولا وقفاً للاجتياح البربري لعرسال، لكن ضرورات مراعاة الرأي العام تتطلب ذر الرماد في العيون، ولن يكون صعباً على حزب الله إطلاق عدة قذائف، أو حتى صواريخ على عناصر الجيش اللبناني، للادعاء بأن "الإرهابيين التكفيريين" خرقوا الهدنة، وقتلوا عناصر وضباط من الجيش اللبناني، فيستمر الحزب بتطبيق الخطة الإيرانية المكلف بها.

avata
avata
فهد المصري (سورية)
فهد المصري (سورية)