ويرى المقال أنه على الرغم من أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب أحدث قطيعة مع الإجماع الدولي حول الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، القائم على القانون وعلى قرارات الأمم المتحدة، إلاّ أن الاتحاد الأوروبي يريد أن يواصل لعب دور الحامي الصلب، لهذا القانون والقرارات الدولية.
وهو الخط الذي دافع عنه رؤساء بعثة محليون في الاتحاد الأوروبي، في تقرير سنوي مكرّس للقدس. وسيُعرض هذا التقرير السريّ، اليوم، في بروكسل أمام الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي.
وتكشف صحيفة لوموند أن هذا التقرير يشدد من اللهجة تجاه الإسرائيليين، من خلال رسم أفكار عمل، على الرغم من أن الدول الأعضاء في الاتحاد لا تزال منقسمة حول درجة التشدد التي يجب تبنّيها تجاه إسرائيل.
وتتحدث لوموند عن وثيقة غنية ومحدَّدة، تسمي الأشياء بمسمياتها، وتستثمر كل جوانب الحياة اليومية للفلسطينيين من نقل وإقامة ودراسة واقتصاد وعنف، إلخ. وترسم لوحة رهيبة عن "السياسة الإسرائيلية، وهي ليست وليدة اليوم، في التهميش الاقتصادي والسياسي والاجتماعي لفلسطينيي القدس".
وهذه السياسة، تترجمها الأرقام، وهو ما يعبر عنه انخفاض مساهمة القدس الشرقية في الناتج الداخلي الخام الفلسطيني من 15 في المائة، سنة 1993، قبل توقيع اتفاقات أوسلو، إلى 7 في المائة، اليوم.
وهو ما يعزوه التقرير إلى أنه: "بسبب العزل الجسدي والسياسة الإسرائيلية الصارمة في منح أذونات البناء، توقفت القدس، بشكل كبير، عن أن تلعب دور المركز الاقتصادي والحضري والتجاري، كما السابق".
وينظر التقرير إلى قرار دونالد ترامب بخصوص الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، باعتباره يمثل "تحولاً جوهرياً في السياسة الأميركية".
وتتحدث الصحيفة الفرنسية عن الجديد في هذا التقرير، الذي يوجد في تنوع التوصيات السياسية الموجهة للدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، والتي يمكن قراءتها باعتبارها "ردّاً على التواطؤ غير المسبوق لواشنطن مع إسرائيل".
وينص التقرير على أن كل مبادرة إقليمية أو دولية يجب أن تُدرج هدفَ تحديد القدس باعتبارها عاصمة لدولتين.
ووفق هذا المنظور، فإن رؤساء البعثة يقترحون، باسم احترام "الإجماع الدولي حول القدس"، التأكد من أن مكان التمثيليات الدبلوماسية لن يتغيّر. كما يوصي التقرير، أيضاً، دفاعاً عن الهوية المتعددة للمدينة، بالاعتراض على كل المشاريع السياحية والأركيولوجية الإسرائيلية في القدس الشرقية، أثناء المنتديات الدولية وفي الاجتماعات الثنائية.
كما يوصي التقرير بـ"تقديم الدعم للمدافعين عن حقوق الإنسان في القدس الشرقية"، من أجل حمايتهم بشكل أفضل.
كما يكشف أن إسرائيل، ومنذ بداية الألفية الثانية، تحافظ على "قمع مستمر يستهدف نظام الحياة السياسية الفلسطينية في القدس الشرقية". ولا يستثني التقرير مواقف الشرطة الإسرائيلية، مشيراً إلى "الاستخدام المفرط للقوة"، وخاصة إطلاق الرصاص الحيّ أثناء التظاهرات.
كما أن "بعض الفلسطينيين الضالعين في تنفيذ هجمات فردية تم استهدافهم وقتلهم في حالات، لم يشكلوا فيها أي تهديد".
المستوطنون والاستيطان
وطالَب التقرير بالمزيد من اليقظة والصرامة، فيما يخص المستوطنات. كما تحدثت الصحيفة عن سماح الحكومة الإسرائيلية ببناء 3000 سكن جديد سنة 2017. كما أن 217 ألف مستوطن، يقيمون، اليوم، في القدس الشرقية، في 11 جماعة تهدد بفصل القدس عن الضفة الغربية.
ويأمل الذين أشرفوا على صياغة التقرير أن ينجح الاتحاد الأوروبي في وضع "آلية أكثر فعالية، من أجل التأكد من أن منتوجات المستوطنات لا تستفيد من معاملة تفضيلية في إطار اتفاق الشراكة بين إسرائيل والاتحاد الأوروبي".
وكان الاتحاد الأوروبي قد قرر نهاية 2015 وَسْم المنتوجات الإسرائيلية المصنعة في المستوطنات، وهو ما أثار، في حينه، غضباً شديداً من قبل الإسرائيليين.
وفي هذا الصدد، ينصح التقرير بتنفيذ إجراءات للتمييز، بشكل أفضل، بين الأراضي الإسرائيلية والأراضي الفلسطينية المحتلة منذ 1967، من خلال حث قوى أجنبية أخرى على أن تحذو حذوها. وهو ما يهدد بإغضاب إسرائيل.
ويوصي التقرير باتخاذ عقوبات فردية تجاه المستوطنين الذين يلجؤون للعنف، أو الذين يمجّدون العنف، عبر حرمانهم من دخول دول الاتحاد. وأخيراً، يتوجب على الاتحاد، كما يرى التقرير، أن يعارض كل المبادرات التشريعية للبرلمان الإسرائيلي التي تغيّر، بشكل أحادي الجانب، من حدود المدينة، التي يمثل الفلسطينيون فيها، حالياً، نسبة 37 في المائة، والذين يصل عددهم إلى 310 آلاف شخص.
وفيما يخص سياسة الإبعاد والإقصاء التي تمارسها إسرائيل، يكشف التقرير أن إسرائيل نفذّت ما بين سنتي 1967 و2016، سياسة "إبعاد صامتة"، من خلال إلغاء حق الإقامة لنحو 14 ألفاً و595 فلسطينياً، في انتهاك لواجباتها باعتبارها قوة محتلة، كما تنص على ذلك معاهدات جنيف.
ولا يخفي التقرير أن هذه الوسيلة الإدارية الإسرائيلية في إلغاء إقامة المقدسيين تندرج في خطة تنمية البلدية، التي ترمي للحفاظ على "أغلبية يهودية جوهرية" في القدس.
وفي نهاية التقرير، يشير رؤساء المهمة، إلى جسامة الأزمة التي تسبّب فيها، في يوليو/تموز2017، وضعُ بوابات إلكترونية، تم سحبها فيما بعد، على مداخل المسجد الأقصى.
وهنا ينوه التقرير بـ"التعبئة غير المسبوقة للفلسطينيين"، التي جسّدتها "الوحدة، واللاعنف، والإحساس القويّ بالتضامن"، وهذا، كما تختم الصحيفة الفرنسية، تمّ "خارج أي شعار مؤسساتي وخارج أي فصيل سياسي".