بري يقاضي إعلاميين: هل قُلتم مليشيا؟

رئيس البرلمان اللبناني يقاضي إعلاميين: هل قُلتم مليشيا؟

26 اغسطس 2020
أصيب متظاهرون بالمطاطي والخردق من مسافة قريبة (حسين بيضون)
+ الخط -

فيما ينوء اللبنانيون تحت مصائب تبدأ بالانهيار المالي والاقتصادي ولا تنتهي بانفجار مرفأ بيروت وتأثيراته وتبعاته، يتعرّض الصحافيون منذ عام تقريباً لقمع متزايد ولتضييق مستمرّ على حريّتي الإعلام والتعبير. ويتّخذ هذا التضييق أشكالا مختلفة، أبرزها الشكاوى القضائية ضدّ الصحافيين واستغلال أصحاب النفوذ لمناصبهم وللقوانين القديمة، لملاحقة كاشفي الفساد أو مَن يغطّون انتهاكات حقوق الإنسان. 
في ظلّ هذا الواقع، تعتمد السلطة اللبنانية أسلوب "النفي" والاتهام بنشر الأخبار الكاذبة لكلّ من يخالف روايتها، في نهج رسّخته كل الأعراف، في ظل تواطؤ من الأجهزة الأمنية والقضائية.
تماشياً مع هذا النهج تقدّم أول من أمس الاثنين، المحامي علي رحال بوكالته عن رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري بشكوى للنيابة العامة التمييزية ضدّ قناة "أم تي في" اللبنانية والإعلاميَيْن رياض طوق وديما صادق وآخرين بجرم "إثارة النعرات والقدح والذم والتحقير ونشر الأخبار الكاذبة وذلك على خلفية ما تمّ نشره في برنامج "باسم الشعب" بتاريخ 19 أغسطس/آب الحالي. 


وتناول مقدّم البرنامج الإعلامي رياض طوق مع ضيوفه من ضمنهم الإعلامية ديما صادق في جزءٍ من حلقته، الوقائع التي حصلت خلال التظاهرات الأخيرة التي شهدتها العاصمة اللبنانية وتحديداً بتاريخ الثامن من أغسطس/آب للمطالبة بمحاسبة المسؤولين عن انفجار مرفأ بيروت وإجراء تحقيق دولي لكشف ملابسات المجزرة التي راح ضحيتها أكثر من 180 شخصاً عدا عن سقوط حوالى 7000 جريح وتشريد آلاف العائلات إلى جانب مفقودين لا محصلة رسمية بأعدادهم وخسائر مادية بملايين الدولارات وتدمير غيّر أجمل المعالم التراثية والثقافية والفنية في الأحياء البيروتية. وروى حسين راشد (25 عاماً) كيف أصيب يومها وفقد عينه بعد استهداف مباشر مركّز على العيون تعرّض له من جانب عناصر بلباس مدني تابعين لحرس مجلس النواب عبر تقنية الليزر بجانب فندق "لو غراي" في بيروت.
وأشار الإعلامي رياض طوق في الحلقة إلى أن حرس مجلس النواب المؤتمرين من رئيس البرلمان نبيه بري، هم جهاز غير شرعي وغير أمني، مشبّهاً إياهم بـ"الباسيج الإيراني التابع لمليشيات شعبية داخلية تطلق النار على المتظاهرين بلا أي حسيب أو رقيب"، على حدّ قوله. في حين قالت الإعلامية ديما صادق، أنّ "حرس المجلس نهج عسكري متبع، يعمل على قمع المتظاهرين، يعد بمثابة عصابة رسمية بلطجية تتبع النهج المليشياوي الذي كرّسه رئيسهم وأتى به إلى الدولة مع عقلية وفلسفة الاستقواء على الناس التي مأسسها في الدولة".
ووثقت مجموعة "أطباء القمصان البيض" التي تضمّ أطباء وصيادلة مستقلّين من قلب "انتفاضة 17 أكتوبر" خلال مؤتمر صحافي عقدته بتاريخ 13 أغسطس عن الممارسات العنيفة التي حصلت ودخول عدد كبير من المواطنين مفقوئي الأعين إلى المستشفيات نتيجة الطلق المباشر أو المصابين في صدورهم ووجوههم أو في الجمجمة نتيجة إطلاق الرصاص الحيّ وهو الخردق مباشرة على الأجساد. 
وخلص تحقيق أجرته "منظمة العفو الدولية" إلى أنّ "الجيش اللبناني وقوات الأمن ورجالاً مجهولين بملابس مدنية، أطلقوا النار على حشودٍ غير مسلحة خلال الاحتجاجات في بيروت التي أعقبت تفجير المرفأ، ما أدى إلى وقوع العديد من الإصابات الخطرة بين صفوف المحتجين". ورأت، أنه يجب إجراء تحقيق شامل مع جميع المسؤولين عن هذا السلوك العنيف والمروع ومحاسبتهم على أعمالهم الجرمية".

من جهته، يقول رحال لـ"العربي الجديد"، إنّ "الشكوى هي ردّ فعل طبيعي نتيجة حلقة الإعلامي رياض طوق التي تضمّنت وصفاً لشرطة المجلس بأنهم عصابة ومليشيا وأن رئيس المجلس هو رئيس عصابة، بشكل فيه الكثير من القدح والذم والتحقير وإثارة نعرات طائفية"، وذلك ربطاً بتظاهرة الثامن من أغسطس/آب والإصابات التي تعرّض لها عددٌ من المتظاهرين.
ويلفت رحال في معرض ما ورد من تشكيك بقانونية حرس مجلس النواب، والذين وُجّهت اتهامات لهم طوال العام الماضي بأنّهم استهدفوا محتجين وأصابوهم بعاهات مستديمة، أنّ "المادة الخامسة من النظام الداخلي لمجلس النواب، تنصّ على أن "رئيس المجلس يحفظ الأمن داخل المجلس وفي حرمه، ويلفظ ويطبق العقوبات"، وذلك من جهاز عسكري تابع له، علماً أنه مؤلف من سنة 1943. كما تنصّ المادة الثامنة صراحة، على أنه "يطبق على موظفي مجلس النواب المدنيين أنظمة موظفي الإدارات العامة، وعلى العسكريين أحكام الأنظمة العسكرية ويتم تعيين الموظفين بقرار من رئيس المجلس". كذلك، تحدث القانون الانتخابي الأخير الصادر عام 2017 عن شرطة مجلس النواب الممنوعين من الانتخاب. وبالتالي، فإنّ القول بأن هؤلاء هم عصابة، من قبل أشخاص يفترض أن يكونوا على دراية وإدراك بالموضوع فهذا مؤسفٌ ومعيبٌ ويستدعي التحرك قضائياً بوجههم"، بحسب رأي رحال.
ويعتبر وكيل بري لـ"العربي الجديد"، أنّ "شرطة المجلس تحفظ الأمن فقط داخله وفي حرمه وكل ما هو خارج هذا السور ليسوا من العناصر التابعين له"، لافتاً إلى أنّ "وزيرة الداخلية السابقة لم تتهم شرطة المجلس بإطلاق النار على المتظاهرين بل أوضحت لمن تتبع الشرطة فقط".

أما الإعلامي طوق فيقول في تعليقه على الشكوى، لـ"العربي الجديد"، أن "الحلقة لم تثر النعرات الطائفية، كما لم تعمد إلى نشر أخبار كاذبة، وهي تخلو من القدح والذم، وتطرقت إلى الحقيقة كما هي، وتبعاً لشهادة متظاهرين تم اقتلاع أعينهم في تظاهرة 8 أغسطس من بينهم الشاب حسين راشد (25 عاماً)، وهناك صورٌ وفيديوهات توثق ما أقدم عليه حرس مجلس النواب، وطريقة إطلاقهم الرصاص الحيّ"، سائلاً، "إذا كانت الرئاسة الثانية من حصة طائفة معينة في لبنان وهي الطائفة الشيعية يصبح ممنوع علينا أن نذكر حرس المجلس، ويتحوّل الموضوع إلى إثارة نعرات طائفية؟!".
ويضيف "تحدثت ريا الحسن يوم كانت وزيرة للداخلية خلال انتفاضة 17 أكتوبر، في مقابلة عبر قناة "أم تي في" ضمن برنامج "صار الوقت" مع الإعلامي مرسال غانم، في معرض ردّها على سؤال عن مصدر إطلاق الرصاص الحيّ على المتظاهرين، بأنّهم حرس مجلس النواب، فلمَ لم يدّعِ عليها رئيس مجلس النواب وقتها؟"، مشيراً في السياق إلى أنّ الجيش اللبناني وقوى الأمن الداخلي أصدرا نفياً رسمياً لإقدام عناصرهما على إطلاق النار خلال التظاهرة، متسائلاً "فمن تبقّى إذاً؟ وهل قول الحقيقة بات تحريضاً في لبنان؟".
وسأل طوق "هل اقتلاع أعين شبّان في ربيع العمر ليس جرماً، وتسمية من أطلق النار عليهم يتحوّل إلى جرم؟ وفي جميع الأحوال، هذه الشكوى هي نيشان على صدرنا، ونحن في مرحلة لم يتبقَّ لنا كشعبٍ ما نخسره ولن نتوانى عن قول الحقيقة مهما بلغ حجم المتاعب والضغوط".

بدورها، ادعت المحامية ديالا شحادة التي حلّت ضيفةً أيضاً على حلقة الإعلامي رياض طوق (لكن الشكوى لم تشملها نظراً للحصانة التي تتمتع بها على حدّ تأكيد رحال)، على عناصر حرس مجلس النواب اللبناني وكل من يظهره التحقيق، بجرم تأليف عصابة مسلحة ومحاولة القتل والإيذاء المقصود والتهديد بالقتل والإيذاء باستخدام السلاح، بالوكالة عن المواطن نسيم ميسر المحسن الذي شارك في تظاهرة 8 أغسطس وتعرض لإطلاق رصاص مطاطي على وجهه من مسافة تقل عن متر، أطلقها عناصر يعرفون بـ"حرس مجلس النواب"، الذين كانوا باللباس المدني ينتشرون حول مقرّ مجلس النواب ومداخله وبتوثيق من كاميرات المراقبة ومرأى المتظاهرين، وأدى الاعتداء إلى خسارة المحسن بصره في عينه اليسرى وتشوهها وضرورة استئصالها واستبدالها اصطناعيا.
طلبت المحامية اللبنانية ديالا شحادة الاستماع إلى رئيس مجلس النواب نبيه بري، ووزيرة الداخلية السابقة ريا الحسن استناداً إلى تصريح الأخيرة التلفزيوني الذي أكدت فيه أن حرس المجلس يتلقّى أوامره من بري، ولا يتبع لأي جهاز أمني رسمي في الدولة. وتقول شحادة لـ"العربي الجديد" إنّ "المباحث الجنائية المركزية اتصلت بنا لإعطاء إفادتنا، والمفترض أن يبدأوا في هذا الأسبوع بسحب كاميرات المراقبة التي سجّلت الاعتداء على المتظاهرين". وتشير شحادة الى أنّ "الشكوى التي تقدّم بها بري من خلال موكله القانوني ضد قناة MTV والإعلاميين رياض طوق وديما صادق هو إجراء إيجابي، يدل على أنه يستمع إلى كلام الناس، ويعتقد أن القضاء هو المرجع لحل النزاعات والخلافات، على عكس ما أوحى به في الماضي عندما قال إنّ (الضعيف هو وحده من يذهب غلى القضاء)". وتضيف "من الإيجابي أيضاً أنّ هذه الدعوى تفتح لنا المجال لتوسيع البحث في موضوع حرس المجلس وصلاحياته والجهة التي يتبع لها.
وتؤكد شحادة أن "الادعاء على الإعلاميين هو محاولة لإسكات الصحافة، بدلَ أن يتحمّل بري مسؤولياته، ويعطي أسماء العناصر الذين اعتدوا على المتظاهرين". وتشير إلى "نفاق" رئيس مجلس النواب الذي يمنع الناس من مهاجمة الحرس، لكنه في الوقت نفسه يحاول الظهور كرجل قانون من خلال اللجوء إلى القانون "الذي داس عليه في سياسته المتراكمة على مرّ العهود".

المساهمون