بالموسيقى تعرفُ روحي كيف تستدير

بالموسيقى تعرفُ روحي كيف تستدير

14 يوليو 2015
لوحة للفنان بهرام حاجو (غاليري دار الأندى - عمّان)
+ الخط -
ما يتبّقى

وماذا بعد كلّ هذا الألم؟
غداً سيحلّق طائرٌ أبيض من داخلي
وينثر جسدي مثل غبارٍ حول جناحيه الكبيرين..
قلبي المليء بالرَّحيق
سيتفتّح مثل زهرةٍ سوداء على ضفَّة نهر
وأحلامي ستتساقط كأوراقٍ في الخريف..
لن يبقى منّي شيء
سوى كلامٍ
في مهبّ الرّيح. 



مصياف

غيمةٌ في الأعلى
غيمةٌ في الأسفل
وغابةٌ بينهما..
هي عينٌ كبيرةٌ
من الغيم والشجر
تملأ السّماء بالنّظرات..


حجارة
في الفجر
حافيةً كنتِ تسيرين فوق العشب
وكان النّدى يوخزُ قدميكِ 
كالحجارة..


قتلى الرّبيع

في مياه الجدول
تنعكسُ
أشجارُ اللوز المزهرة
كملكاتٍ من السماء..

من التلال البعيدة
ينحدرُ الرّعاةُ مع أغنامهم
نحو السهول
محمّلين بضوع الفجر..

على العشب البارد
استلقيتُ ممعناً في عذوبة السّماء..
كائناتُ الجمال تحلّقُ كأسرابٍ من الفراشات
وأخرى على الأرض تغزلُ أشغالها 
خيوطها من حرير الملائكة
والإبرُ رموش عشّاقٍ قتلهم الحبّ..

روحي ترتفعُ مثل غيمةٍ عذبةٍ
ورموشي تخطفها أيادٍ رقيقة..


رحلة
مثل إوزّةٍ بريّةٍ
تتهيّأ حياتي لتحليقها الأبديّ..
برأفةٍ سيشيرُ الشتاء لي بإصبعه النحيلة 
نحو الدَّرب الموحشة..

علّمتني الغيوم
أن أحدّق طويلاً في السّماء
علّمتني
أن أنثر روحي ندىً برّاقاً بين الحقول
علّمتني
أن أتحوّلُ إلى غيمةٍ في هبوب الألم.

جسدي النّاضجُ
مليءٌ بندوب الفصول
ولا يزالُ جرحُ آخر فصلٍ ينزفُ تحت صدري..

على الحافّة السّحيقة
تفردُ حياتي جناحيها الكبيرين
في انتظار رياحٍ قويّة..


نوم

بعينين ثابتتين
يراقب الملاكُ نوم الكائنات..
الرّيحُ
توسَّدت الصّخور
ونامت.
الشّجرُ والغيمُ والنّدى
وكائناتٌ أخرى غير مرئيّة أغمضت أجفانها
واتحدت بالليل..

وحدها
نيرانُ هذا القلبِ
لا تنام.


مفتاح


تحت مطر آذار العذب
يرقدُ في سكينةٍ أبديَّةٍ
فأرُ الحقل..
هنا
تحت مظلات العشب الرّقيقة
يسلّم الشتاءُ للربيع
مفتاح الحياة الذهبيّ..


زوَّار الليل


من الضَّباب
خرج نُصرت خان وصحبهُ،
عيونهم عيونُ ذئابٍ قويّةٍ
وقلوبهم قلوبُ طيورٍ رقيقة..

قطعوا جبالاً باردةً موحشةً
وقدِموا منتصفَ الليل،
وضعوا أمامَ بابي شيئاً ظلّ يلمعُ طوالَ الليل
تحت قمر الرَّبيع العذب
ثمّ عادوا أدراجهم 
واختفوا في الضباب..

وفي الصَّباح عندما أفقتُ
رأيتُ على العتبة سلّةً ملأى بزهورٍ بيضاء
فيها رأسُ سرگون بولص
مخضلَّةً بندى الجبال البعيدة..


نجوم

أمدُّ يدي للرّيح
وأمضي..
أعبر من فصلٍ لآخر،
أمسحُ بيدٍ رقيقةٍ غبارَ الشَّمس
وأفتح للمساء
بوّابة السّماء الكبيرة..

وفي الليالي الظلماء
حينما تطفو النجوم فوق مياه الينابيع
أهبطُ وأرسم عينيكِ بينها
وأمضي..


المرآة


قبّلتُ نفسي في المرآة
فغادرني حصانٌ أبيض..
تبعتهُ إلى المكان المتألّق البعيد
حيثُ يجري نهرٌ أخضرُ هو روحي،
لم أدهش إذ رأيتُ الحصان يشرب منه.

كم حيران هو الهواءُ الّذي يقتفينا
وكم عطشان هو الرَّاعي القتيلُ عند ضفّة النّهر..
المساءُ الذي انتشر حولنا
كان أبيضَ وملموساً،
لم أُدهش إذ رأيتني أتناقصُ وأغدو طفلاً
لأنّي أعلم أنّ ملائكة المرآة عطشى أيضاً..
عدتُ أدراجي
مهتدياً بخيط الدَّم ،
قبّلتُ نفسي
وتلاشيت.


زهرة


مجهولاً أريد أن أحيا
مجهولاً أريد أن أموت
كزهرة ٍ 
بين صخور
هاوية ٍ سحيقة .


بالموسيقى

بالموسيقى
تعرفُ روحي كيف تأخذ شكل زورقٍ 
وتعبرُ الزَّمن..
ليالي البرد القاسية تعبرُ السّهول كقطيع ذئاب..
الرِّيحُ
ساعي بريد البراري
تنقلُ رسائل الفصول من شجرةٍ إلى أخرى..
بالموسيقى
تُنحَتُ روحي على هيئة غيمةٍ؛
زهورٌ برّيةٌ تتفتّحُ
تغمرها السماءُ بنحلها الأزرق..
بالموسيقى
تعرفُ روحي كيف تستدير
كقمرٍ كبيرٍ فوق الحقل..
الضّفدعُ والسّنونو والخفّاشُ
واحدٌ في مرآة الليل والنَّهار..
بالموسيقى
تعرفُ روحي كيف تهوي
مثل ورقة
خريفٍ
ذهبيَّةٍ..


سِيامَند

في ليلة العيد
أعادوك إلى البيت
ومدَّدوك كزهرةٍ ذابلةٍ في باحة الدار.
وجهك الوسيمُ
شوهته أحذية الجنود
وشوك السُّهوب ملأ جراحك.
في المقبرة المعتمة
وسط تكبيرات الجوامع
دفنوا شبابك الوضاء بصمتٍ 
وخبَّأوا ابتسامتك الوديعة
كشفرةٍ تحت جفونهم
ومضوا.


المساهمون