بائع الشاي.. طفل باكستاني يحلم باللعب بعد المدرسة

بائع الشاي.. طفل باكستاني يحلم باللعب بعد المدرسة

15 اغسطس 2015
(العربي الجديد)
+ الخط -

كثيرة هي قصص الأطفال الذين حرموا من طفولتهم في باكستان، بسبب ظروفهم المعيشية الصعبة. هذا البلد الذي يعيش معظم سكانه تحت خط الفقر، يزداد فيه معدل البطالة بصورة كبيرة يوماً بعد يوم. من بين هؤلاء الأطفال، طلحة (13 عاماً)، الذي بدأ بإعالة أسرته مذ كان في العاشرة من عمره، لأن والده يعاني من إعاقة.

عند أذان الفجر، تستقيظ الوالدة جميلة خان. تصلي ثم توقظ أولادها السبعة (ثلاثة أبناء وأربع بنات). عادة، لا يستيقظ طلحة بسهولة، وهي لا تلومه. تعلم أنه يتعب كثيراً خلال النهار، ولديه فترة قصيرة للنوم. بعد تناول الفطور، يذهب الولدان طلحة وزوهيب (10 أعوام) إلى المدرسة الحكوميّة القريبة من المنزل، بينما تتوجّه الفتيات الأربع بدورهنّ إلى مدرسة دينية تقع أيضاً على مقربة من المنزل. أما هي، فتبقى في المنزل للاهتمام بزوجها الذي فقد رجليه قبل ثلاثة أعوام، في حادث سير.

الأب، ويدعى خان، يتمدد على سرير أبيض. يقول إن حياته كانت طبيعية قبل ثلاثة أعوام، ولم يكن يتوقع أن يصير عاجزاً. مع ذلك، "أنا راض بحالي". يقدّر زوجته كثيراً، هي التي تعمل ليلاً نهاراً لتأمين احتياجات الأسرة. ويأمل أن يتمكن أولاده من متابعة تحصيلهم العلمي. وعلى الرغم من حالته الصحية الصعبة وسوء أحوال الأسرة المادية، إلا أن خان لا يطلب المساعدة من أحد. يضيف: "عشتُ أياماً صعبة خلال الأعوام الثلاثة الماضية. وأحمد الله أن تلك الأيام قد ولت".

من جهتها، تشعر جميلة بالحزن عندما ترى أولادها الصغار يعملون طيلة النهار من أجل تأمين لقمة العيش. مع ذلك، لا تملك إلا الصبر. تقول إنها تشعر بالألم يومياً حين يعود أولادها إلى البيت بعد صلاة المغرب وهم منهكون، أو حين يكونون عاجزين عن الاستيقاظ صباحاً.
حين يصحو طلحة في الصباح، يتناول فطوره مع أشقائه قبل أن ينطلق إلى مدرسته. أما شقيقه الأكبر، عبيد الله (15عاماً)، فيقصد سوق صدر في مدينة راولبندي، حيث يعمل في محل للأقمشة.
بعد انتهاء المدرسة، يعود طلحة إلى المنزل ليتناول الطعام ويرتاح قليلاً ويحتسي كوباً من الشاي تعده له والدته. هي تحضّر أيضاً الشاي الأخضر المعروف محلياً باسم القهوة الأفغانية في إبريقين كبيرين. أما هو، فينظف الأكواب ويرتبها مع بقية المستلزمات. وفي الساعة الثالثة من بعد الظهر، يحمل وشقيقه الإبريقين، ويضعان الأكواب والليمون في قدر بلاستيكي ويخرجان إلى السوق. يبيعان الشاي في أسواق مدينة راولبندي حتى يحين موعد صلاة المغرب. ويكسبان معاً نحو 300 روبية، أي ما يعادل ثلاثة دولارات أميركية.

وعندما يحلّ المساء، يعود طلحة وشقيقه زوهيب إلى المنزل. تستقبلهما والدتهما وتقدّم لهما كوباً من الشاي مع الحليب. يعطي الولدان المال القليل الذي حصلا عليه إلى الأم، قبل أن يراجعا دروسهما. وهي تساعدهما في أداء واجباتهما. أما الوالد، فيطمئن على أولاده ويسألهم عن الدراسة والعمل، ويناقش وإياهم بعض الأمور. وهو لا يتدخل في الشؤون الماليّة على الإطلاق، بل يترك الأمر لزوجته. هي المسؤولة عن تدبير شؤون المنزل، وهو يثق بها إلى أبعد الحدود.

كثيراً ما يتمنى طلحة أن يخرج للعب في فترة ما بعد الظهر، مثلما يفعل أقرانه وزملاؤه. هو غير قادر على اللعب في فترة بعد الظهر حتى في أيام الإجازات. بالرغم من ذلك، وجد وإخوته طريقة للترفيه عن أنفسهم. بعد صلاة العشاء، يلعبون الكريكت في فناء المنزل لمدة ساعة تقريباً، ثم يتناولون العشاء. أما زوهيب الأصغر، فلا يبدو راضياً عن اللعب داخل المنزل، وكثيراً ما يختلف مع طلحة. هو يرغب في الذهاب إلى أحد الملاعب مع أقرانه.
لا يمكن لطلحة وزوهيب تأمين كل احتياجات الأسرة. لذلك، يعمل عبيد الله في محل للقماش في سوق صدر الرئيسي في مدينة راولبندي المجاورة لإسلام آباد. يكسب المراهق نحو ثمانية آلاف روبية شهرياً (نحو 80 دولاراً)، وهو بدل إيجار المنزل الذي تسدده الأسرة شهرياً. ودفع عبيد الله إلى العمل كان قراراً صعباً بالنسبة إلى جميلة. هي لطالما حلمت في أن يتابع جميع أولادها دراستهم، إلا أنها وجدت نفسها مضطرة إلى دفعهم إلى العمل لتأمين بدل إيجار المنزل. في الوقت الحالي، تحاول العثور على عمل آخر لابنها الأكبر حتى يتمكن من العودة إلى المدرسة، على غرار طلحة وزوهيب.

وعبيد الله يرغب في متابعة دراسته مثل شقيقيه الصغيرين. لم يفقد الأمل بعد، وينتظر قرار والدته التي تفكر ليلاً نهاراً في كيفيّة جعل أولادها يتابعون دراستهم، علماً بأن ظروفهم المعيشية تحول دون تحقيق أحلامها وأحلام أولادها الصغار.

اقرأ أيضاً: "روزه كوشاي" باكستان

المساهمون