النظام السوري تاجر بالجولان والمعارضة تتجاهله

04 نوفمبر 2016
تكريس الاحتلال الإسرائيلي للجولان بموافقة الأسد (مناحيم كاهانا/فرانس برس)
+ الخط -
في غمرة الحرب السورية المستعرة منذ خمس سنوات، تكاد تغيب عن دائرة الاهتمام قضية الجولان السوري المحتل، سواء على أجندة النظام أم المعارضة السورية. وهي قضية لا يمكن تناولها بطبيعة الحال، من دون التطرق إلى الموقف الإسرائيلي، الذي قد يبدو أقرب إلى المراقبة خلال سنوات الثورة السورية، وصولاً إلى استخلاص النتائج حول حقيقة الترابط بين نظام الأسد الأب والابن وإسرائيل، ودور الأخيرة في استتباب هذا النظام خلال العقود الماضية ودفاعها عن وجوده بطريقة أو أخرى طيلة سنوات الثورة السورية.

في هذا الإطار، جاءت ندوة "الجولان السوري المنسي، وموقعه في سورية المستقبل"، التي نظمها مركز "حرمون" للدراسات المعاصرة في مدينة إسطنبول التركية، يومي الأربعاء والخميس الماضيين، بحضور 26 شخصية من الباحثين والحقوقيين والسياسيين والناشطين السوريين والعرب.

وحول دواعي انعقاد هذه الندوة في غمرة انشغال السوريين في الحرب الداخلية، أوضح مدير مركز "حرمون"، حازم نهار، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "انعقاد الندوة هو رد ولو متأخر، على التجهيل الذي مارسه النظام حول الجولان طيلة العقود الماضية، فضلاً عن أن فتح موضوع الجولان يُعدّ شكلاً من أشكال إعادة بناء الذاكرة الوطنية السورية، خصوصاً أن الجولان مركز ما يحدث اليوم، وعنصر حاسم في الموقف الأميركي من النظام السوري".

وتابع نهار أن "الندوة تأتي أيضاً في سياق سحب عناصر القوة من النظام، الذي قدم نفسه باعتباره نظاماً ممانعاً، كوننا نحاول تشريح حقيقة هذا الخطاب الممانع للنظام السوري، إضافة إلى أنها رد على بعض الشخصيات المعارضة المحدودة التي تجاهلت قضية الجولان وذهبت إلى إسرائيل".

وختم قائلاً: "طالما نطرح أنفسنا كبديل للنظام السوري، لا بد من إعادة بناء السياسة الخارجية السورية، وإعادة بناء القضية الوطنية السورية والجولان المحتل جزء منها. والجديد هنا في إعادة ربط موضوع الجولان بتقدم الديمقراطية في سورية، فمن دون تحرير الإنسان وبناء الدولة الديمقراطية، لا يمكن تحرير الأرض". وأشار نهار أخيراً إلى أن "قضايا لوجستية تتعلق باستخراج تأشيرات الدخول حالت دون مشاركة أوسع لشخصيات من الجولان ولعناصر نسائية فاعلة". وقد ركّزت معظم المداخلات على الدور الإسرائيلي في المنطقة، وتوافقه مع أدوار الأنظمة العربية المستبدة، والمصالح المتبادلة بين هذه الأنظمة والمحتل، وصولاً إلى دور إسرائيل في الثورة السورية.

في هذا السياق، لام الكاتب، ماجد كيالي، المعارضة السورية لتجنبها مناقشة قضية الجولان، واعتبر ذلك موقفاً خاطئاً سياسياً وأخلاقياً لأنه "لا يقوم على فهم صحيح للسياسة الدولية والتي تقوم على المصالح والمكانة والهيمنة، ولأنه ترك قضية وطنية محقة، مثل قضية الجولان للنظام الذي يتاجر بها، أو يوظفها لتعزيز شرعيته وتبرير سياساته الأمنية والتسلطية، ولأن التمسك بالحق السوري في الجولان مسألة مشروعة وعادلة من منظور القانون الدولي والشرعية الدولية". وأضاف أن "السكوت عن وجود إسرائيل والنأي عن قضية فلسطين، يجعل المعارضة السورية أو معظمها وكأنها غير معنية بهذا الصراع".



ورأى كيالي أن "موقف إسرائيل من ثورات الربيع العربي حكمته اعتبارات عدة، أولها أن هذه الثورات يمكن أن تمهّد، في حال نجاحها، لكسر احتكار إسرائيل، في كونها ما تدّعيه سلطات الاحتلال بأنها الدولة الديمقراطية الوحيدة في المنطقة".

وقال كيالي، في حديث مع "العربي الجديد"، إنه "ليس مطلوباً من المعارضة السورية في هذه الظروف شن حرب على اسرائيل، لكن تحديد الموقف يأتي باعتبار أن قضايا الحرية لا تتجزأ، سواء كان هناك أراض محتلة أم لا"، معتبراً أن "الندوة بادرة مهمة من مركز حرمون في لفت نظر المعارضة السورية إلى هذه المسألة الهامة".

من جهته، لفت الإعلامي، معن البياري، في مداخلته، إلى أن "التصريحات الإسرائيلية في الشأن السوري، منذ انطلقت الثورة، شحيحة، إلى حد يجعلك تعتقد أن دولة الاحتلال لا تكترث لما يجري في سورية، أو أنها مطمئنة من عدم تأثيره عليها، وعلى أمنها، إلى حد يجعلها لا تجد نفسها مضطرة إلى إعلان أي مستوى من القلق أو الاهتمام، فيما تنشط الاتصالات الأميركية مع كل دول الإقليم".

واستحضر البياري ما قاله المفكر الأميركي، نعوم تشومسكي، لناشطين سوريين التقاهم في العاصمة اللبنانية بيروت في يونيو/حزيران 2013، إن "الموقف الأميركي والإسرائيلي غير راغب في رؤية نظام الأسد يسقط"، مشيراً إلى أن "حكومة الاحتلال، بقيادة بنيامين نتنياهو، لم تكن متحمّسة لتوجيه ضربة عسكرية لنظام الأسد، بعد استخدامه السلاح الكيماوي في ريف دمشق".

من جهته، اعتبر الباحث، عبد الله تركماني، أن "مراكز بحثية إسرائيلية ترى أن الفوضى في سورية فرصة، يتوجب على إسرائيل أن تحصد نتائجها في الجولان، انطلاقاً من مفهوم الأمن مقابل السلام". ورأى أن "مصير الجولان سيتوقف إلى حدّ بعيد على شكل التسوية التاريخية في سورية"، لافتاً إلى أنه "كلما تعمّقت الطائفية في سورية، وتعززت الكراهية بين مكونات المجتمع، وتحولت إلى شروخ، سوف يفيد ذلك إسرائيل في طي موضوع احتلال الجولان بصورة نهائية". وأضاف أن "بشار الأسد، بحسب مراكز الأبحاث الإسرائيلية، هو مصلحة قومية عليا لإسرائيل".

ولفت الشاعر، ياسر خنجر، الآتي من الجولان، إلى أن "هناك إشكالية تواجه الأجيال الجديدة في الجولان المحتل حول مسألة الهوية الوطنية"، مشيراً إلى أن "الأسئلة المطروحة لدى الجيل الجديد تتمحور حول: هل أنا سوري؟ هل أنا إسرائيلي؟ هل أُعرّف نفسي كدرزي من الجولان أم من إسرائيل؟".

وأوضح خنجر أن "إسرائيل بدأت العمل على موضوع الدروز منذ الستينيات، حين هُجّر كل أهالي القرى السورية من الجولان باستثناء القرى الدرزية"، معللًا ذلك بأن "شيوخ الدروز أصدروا حرماً دينياً على كل من يترك بيته وينزح، وأن القرى الدرزية لم تتعرض للقصف كما تعرضت قرى وبلدات الجولان الأخرى". وفسّر ذلك بأن "إسرائيل كانت تخشى من رد فعل بعض جنودها وضباطها من دروز فلسطين، الذين سيقفون مع أبناء طائفتهم، كما أنها بدأت فعلاً برسم خطة لإنشاء دولة درزية، منذ عام 1968، وهي تحتاج إلى كسب الدروز في هذه القرى، ليكونوا مفتاحاً في علاقتها مع الدولة الافتراضية".

وخلال جلسة أدارها نائب رئيس تحرير صحيفة "العربي الجديد"، بشير البكر، حول استعمالات النظام السوري لقضية الجولان وفلسطين، قال المعارض السوري ميشيل كيلو، إن "السلطوية الأسدية مثّلت الوضع الذي أنهى المشروع الوحدوي/ الاشتراكي، ووعد الحرية الذي حمله للسوريين والعرب، وأخرج سورية من المعركة ضد الاحتلال، وأدخلها في المقابل، في معارك دامية ضد العرب عموماً وشعبها خصوصاً".



واستشهد كيلو بكلمة إلياس مرقص الذي قال بعد تسليم الجولان بأعوام: "سلم الأسد مفتاح آسيا الاستراتيجي لإسرائيل، فسلمته السلطة في سورية على أن يحكمها كبلاد محتلة، وقد فعل". ورأى أن "السلطوية الأسدية قلبت دعوة الوحدة العربية إلى أداة لابتزاز الدول العربية الأخرى، والضغط عليها، لخوض معارك كلامية معها، سممت العلاقات العربية ــ العربية، وحولتها إلى مكان للمشاحنات والتناقضات حتى أنه لم يبق نظام عربي واحد غير متهم بالخيانة، خصوصاً نظام البعث العراقي".

من جهته، اعتبر الكاتب السوري ياسين حاج صالح، أن "نخبة ضعيفة الشرعية، كالنخبة البعثية والأسدية، وجدت في انتحال قضية الجولان والقضية الفلسطينية ما يدر عليها شرعية محدودة الكلفة"، موضحاً أنه "منذ ثمانينيات القرن العشرين اختلط العداء لإسرائيل في جانبيه الهوياتي المرتبط بالدين، وذاك المرتبط بمقاومة الاستعمار والعنصرية، لصالح تنامي العناصر الهوياتية الموروثة في تكوين النظام الأسدي، على حساب العناصر الاجتماعية والسياسية المتصلة بمفاهيم الشعب والمواطنة والدولة الوطنية".

وأضاف صالح أن "قضية فلسطين ومواجهة المحتل الاسرائيلي، انقلبت إلى أدوات في خدمة حكم خاص، أقلوي، تكمن قضيته في مكان آخر، أي في بقائه الأبدي وإشغاله موقع التحكم بالموارد العامة". ونوّه إلى أن "حكم حافظ الأسد قام منذ الثمانينيات على البيعة، وتجديد البيعة. أي على الولاء والتبعية كعلاقة سياسية أساسية، وإلى الأبد. وهو ما حمل في ثناياه تحويل سورية إلى ملك وراثي في السلالة الأسدية، وعلى الفتنة كشكل هوياتي حصري للصراع الاجتماعي".

وفي السياق ذاته، سرد سلمان فخر الدين شهادات عدة حول ما جرى في الجولان خلال فترة احتلاله، مؤكداً أن "نظام الأسد استغل قضية الجولان للوثوب إلى السلطة والتضييق على الشعب". كما قدمت خلال الندوة شهادات أشخاص عدة، عاصروا سقوط الجولان بيد الاحتلال منهم محمد أحمد الزعبي، الذي كان وزيرا للإعلام حين سقط الجولان بيد اسرائيل عام 1967. وذكر في رسالة مصورة أن "حافظ الأسد لم يصل إلى ما وصل إليه، إلا بعد مروره بمحطات يمكن عدّها درجات السلّم عبر انهاءه دور حزب البعث وانتقاله إلى دور آخر هو الدور الطائفي".

كما لفت الأسير السابق في سجون الاحتلال وئام عماشة، إلى "محاولات النظام السوري تسويق فكرة أن كل من يعاديه هو عميل لإسرائيل بالضرورة"، وهو ما دفع عماشة إلى اعلان اضرابه عن الطعام داخل السجون الإسرائيلية، احتجاجاً على قمع قوات النظام السوري للمتظاهرين السلميين عام 2011. كما قدمت مداخلات مسجلة أخرى من داخل قرية مجدل شمس في الجولان المحتل من ثائر أبو صالح، وتيسير مرعي، ودراسة من نزيه بريك قرأها فوزات أبو صالح.