المسرح المغربي: مجرد ساعات من الضحك

المسرح المغربي: مجرد ساعات من الضحك

27 مارس 2015
"احتفال مغربي" لـ فاطمة حسن الفروج/ المغرب
+ الخط -

في عام 1913 افتتحت إسبانيا "مسرح سرفانتس" في طنجة، وبعدها بسبعة أعوام، افتتح المارشال الفرنسي ليوتي "المسرح البلدي" في الدار البيضاء. وفي تلك الفترة أيضاً وصلت فرق مسرحيّة من القاهرة لتقدم عروضها في البلاد. كانت هذه الدرجات الأولى في سلّم المسرح المغربي، وهي أولى الخطوات التي خطاها أبو الفنون في بلاد كانت آنذاك ترزح تحت الاستعمار.

حين بدأ المغاربة في الثلاثينيات في إنتاج مسرحهم، تأليفاً وإخراجاً وتشخيصاً، كان الدخول من بوابة هذا الفن وسيلة للنضال الوطني، حين كانت الأعمال المسرحية الأولى موجّهة في الأساس ضد المستعمِر، تنتقد وجوده على أرض ليست له، وتحمّس المواطنين للانتفاض على المحتل.

وحين تحقّق الاستقلال في منتصف الخمسينيات، نشطت الفرق الوطنية - على قلتها - في بعض المدن المركزية مثل الرباط والدار البيضاء. غير أن إدماج المسرح ضمن البرامج الدراسية وإنشاء "المعهد العالي للدراما" لم يحدث إلا في الثمانينيات.

ومنذ فرقة "البدوي" التي تأسست في الخمسينيات، ثم فرقة "المعمورة" في الستينيات، والتي تبعتها فرقتا الطيب لعلج والطيب الصديقي، مروراً بالمسرح الفردي "المونودراما" مع عبد الحق الزروالي في السبعينيات، وبالعديد من التجارب المسرحية، وصولاً إلى يومنا هذا، تغيرت أشياء كثيرة في المسرح المغربي.

أسئلة كثيرة يمكن أن تتبادر إلى ذهن من يتابع الفن الرابع في المغرب، يطرحها أولئك الذين يشغلهم الهمّ المسرحي، إذ يرون تراجعاً في حضور هذا الفن داخل المجتمع، وعدم تمتّعه بذلك الامتداد القديم والمؤثرالذي شهده النصف الأول من القرن العشرين. فمعظم العروض التي تحظى بالدعم والمتابعة اليوم هي عروض الفرجة في شكلها البسيط، أو تلك التي يسميها الإعلام السماعي والمرئي في البلاد "ساعات من الضحك".

الكاتب المسرحي محمد زيطان لا يرى للمسرح حضوراً وازناً وفاعلاً داخل المجتمع المغربي: "إنه إلى الآن نخبوي بشكل مجحف، ومنحصر في دائرة لا ضوء يكشفها، فلا نرجو منه كفن إنساني متفرد تغييراً أو توعية إلا في حدود ضيقة جداً". السبب، حسب زيطان، يعود في المقام الأول إلى أننا لم نعرف الممارسة المسرحيّة كشكل فنّي ثابت ذي قواعد ومناهج، إلا في مطلع القرن العشرين، وهذا الأمر جعل الثقافة المسرحيّة غير مترسخة كما ينبغي؛ لأن تفعيل المسرح كتقليد يحتاج إلى مرور الوقت وإلى شروط محورية، أبرزها المناخ الديمقراطي المناسب والنشاط الثقافي المنتظم والاستقرار الاقتصادي.

يضيف زيطان: "أما عن المنجز المسرحي اليوم، فهو وإن كان يشمل بعض التجارب الناجحة والمشرقة، إلا أنه يبقى منجزاً مؤقتاً وظرفياً، يرتبط بموسم مسرحي أو بتظاهرة، ولا يرقى إلى أن يشكّل حدثاً فنياً من شأنه ترك بصمة واضحة وعميقة. إنها تجارب كالفقاعات تختفي بسرعة، وقلّما تترك خلفها نصوصاً تُنشر وتنتشر أو تصوّرات إخراجية أو سينوغرافية يمكنها أن تصبح مرجعيات فنية وإبداعية لمريدي المسرح".

يؤكد زيطان أن المسرح في المغرب يواجه تحديات كثيرة، ذلك أنه "يحتاج أكثر من أي وقت آخر إلى تجارب جادة وهادفة تجعل سفينته مستقرة وسط بحر الوسائط الفُرجوية والإعلامية الجديدة، التي تداهم الناس في بيوتهم، فتربّي عندهم نوعاً من الخمول والنمطية". حين نسأل عن الحل، يجيبنا الباحث بأنه يكمن في "ضرورة دعمه وتقريبه من مختلف الشرائح الاجتماعية، مع رد الاعتبار لمسرح الهواة والمسرح المدرسي، حتى يأتي يوم ويصبح المسرح بالنسبة إلى المغاربة فعلاً ووسيلة تعبير عن رؤية للعالم ومحرضاً على الجمال والرقي. آنذاك سنقول إن المسرح يحظى بالتقدير".

ويتفق الممثل المسرحي محمد الشوبي مع زيطان في ما يخص مشاكل المسرح المغربي، ويزيد عليها أن المسرح عامة يعيش أزمة، متأسفاً على بطء صيرورة الإبداع في المنطقة العربية، التي يعتقد أن سببها "الخرف الأيديولوجي والمناورات السياسية التي عطّلت الإبداع، وساهمت في تأخرّه الفني، وتجميد الخيال والمخيال العربي".

ويؤكد الشوبي: "نحن في المغرب لا يمكننا إلا أن نعيش النكوص نفسه. ابتدعت بعض فرقنا المسرحية منهجاً لا ينتمي إلى تربتنا السوسيوثقافية، فقدّمت بعض التجارب البائسة في تربتها الغربية والمشرقية؛ تجارب لا علاقة لها بالأدب الإنساني المسرحي، الذي طرّزه أسخيلوس وأريستوفان وشكسبير وموليير وتشيخوف وغوغول وغيرهم، بل لها علاقة بالمسخ الثقافي الذي تنتجه الماكينة الاستهلاكية الغربية، والدبابة السلفية التي تأتي من بعض بلدان المشرق".

بكثير من الأسف، يضيف الشوبي: "لم يعد هناك مسرح مغربي، المسرح ينتعش بالمتفرّج، والمتفرّج ينتعش بالمسرح، وهذه العلاقة انتهت منذ أن أصبحت الفرجة فعلاً استهلاكياً على شاشة التلفاز، واندثرت طقوس التجمّل والتزيّن للذهاب إلى المسرح".

من جهته، يقف المخرج المسرحي بوسلهام الضعيف في قراءته لراهن المسرح المغربي عند التشريعات والقوانين أولاً، إذ يبدو له أن ثمة فراغاً مهولاً في هذا الجانب باستثناء قانون الفنان. فليست هناك قوانين فرعية تحدد الممارسة المسرحيّة في المغرب. ويرى الضعيف أن على معظم الفرق أن تؤهّل نفسها من خلال آليات اشتغالها وطريقة عملها وعلاقتها بالجمهور. وبالنسبة إلى التكوين الفني والمعاهد المسرحيّة، يتأسف الضعيف على وجود "معهد وحيد في المغرب، لا يكفي، إضافة إلى الافتقار إلى الأطر المتخصصة"، داعياً إلى "تأسيس معاهد جهوية، وخلق فرص للتكوين المستمر".

يقف الضعيف عند نقطة أخيرة وهي "الإبداع"، إذ يرى أن هناك إشراقات قليلة فقط، وبحثاً عن الجديد من طرف بعض التجارب، لكن الجو العام لا يساهم في استمرارها وتطويرها. ويعقب: "رغم كل المجهودات، فإنّ المسرح لم يأخذ بعد مكانته الحقيقية في المجتمع، فأغلب الممارسين يفضّلون السهل عوضاً عن المغامرة، وجلّ الممثلين يبحثون فقط عن التلفزة. المسرح محتاج إلى رهبان، إلى أوفياء حقيقيين، إلى صُنّاع فرجة مثقفين".

المساهمون