المالكي واستحقاق الكتلة الكبرى وتشكيل الحكومة

المالكي واستحقاق الكتلة الكبرى وتشكيل الحكومة

30 يوليو 2014
المالكي قاد البلاد الى حرب أهلية (علي السعدي/Getty)
+ الخط -
يقف العراق حالياً على مفترق طرق، قد يؤدي إلى تمزقه، نتيجة تفاقم الأزمة السياسية وتصاعد أعمال العنف، بعد سيطرة المجاميع المسلحة على مساحات واسعة من أراضيه. وتترقب العملية السياسية بحذر وقلق شديدين حسم منصب رئاسة الحكومة، بعد أن تمكنت القوى السياسية العراقية أخيراً من الانتهاء من منصبي رئاسة البرلمان ورئاسة الجمهورية. وقد جاءت عمليتا انتخاب، مرشح التحالف الكردستاني، فؤاد معصوم، رئيساً للجمهورية، وسليم الجبوري، مرشح الكتل السنية، رئيساً للبرلمان، بشكل اقل تعقيداً مما كان متوقعاً، ما دفع الكرة في ملعب الطرف الشيعي المتمثل بالتحالف الوطني، الذي يتحتم عليه تقديم مرشحه لرئاسة الوزراء باعتباره الكتلة البرلمانية الكبرى.

ويحتدم الصراع في الوقت الحالي داخل التحالف الوطني بين ائتلاف دولة القانون، بزعامة رئيس الوزراء المنتهية ولايته، نوري المالكي، الذي يتمسك بالاخير كمرشح وحيد له، وبين الكتل الاخرى، من اهمها الأحرار بزعامة مقتدى الصدر، والمواطن بزعامة عمار الحكيمً.

ووصل الاحتدام الى نقطة تنذر بتفتت التحالف الشيعي بعد أن ذهب كل طرف بالقول انه الكتلة الكبرى القادرة على طرح مرشحها لرئاسة الحكومة. وقد قدم ائتلاف دولة القانون وبقية الاطراف الاخرى المنضوية ضمن التحالف الوطني، كل على حدة، طلبين معززين باسماء نوابهم الى رئيس البرلمان، سليم الجبوري، لتأكيد أنهما يشكلان الكتلة الكبرى في البرلمان. يأتي ذلك، بعد فشل المداولات بين هذه الأطراف، التي بدأت عقب اعلان نتائج الانتخابات التي جرت في 30 أبريل/نيسان الماضي.

وتشير معظم القوى السياسية المعارضة للمالكي، شيعية وغير شيعية على حد سواء الى أن تمسك نوري المالكي بالولاية الثالثة نابع بالدرجة الأولى من هوسه بالسلطة الذي بدأ ينذر بتوجه العراق الى حكم ديكتاتوري، فيما يبرر أعضاء دولة القانون تمسكهم بالمالكي وتمسك الأخير بالسلطة بضرورة وجود الأخير على رأس السلطة في هذه المرحلة التي تشهد تصاعد العنف و"حرب على الأرهاب". وبحسب هؤلاء أن المالكي يرفع الروح المعنوية للجيش وقوات الأمن أمام الجماعات المسلحة.

ونقل عن أحد أعضاء دولة القانون قوله لـ"العربي الجديد": "ليس المهم في هذه المرحلة الصعبة التي يعيشها العراق تشكيل حكومة جديدة، فهذا ممكن تأجيله". وكان مصدر موثوق، مقرب من ائتلاف المالكي أبلغ "العربي الجديد" أنه "في أجتماع، مع قياديين في دولة القانون، دعا المالكي الحاضرين الى "الاستمرار في التسويف والمماطلة في التعاطي مع قضية تشكيل الحكومة المقبلة، على أمل تحقيق مكاسب ميدانية ضد الفصائل المسلحة، حتى لو تطلّب ذلك شهوراً طويلة". ووفقاً للمصدر، الذي فضّل عدم ذكر اسمه، فإنّ "المالكي وقادة في ائتلافه، يأملون استخدام هذه المكاسب لرفع سقف مطالبهم في تشكيلة الحكومة المقبلة".

ولضمان مكاسب ميدانية والبقاء في السلطة، يراهن المالكي على الدعم الايراني الذي يأتي منه الدعم السوري، اللذين تجسدا في الدخول بثقلهما في حرب ضد عدو مشترك. وكانت معلومات صحافية قد نسبت الى مصادر إيرانية أشارت الى وجود مساعٍ لطهران لدى الأكراد، حول ضرورة مساعدة الحكومة العراقية لإنهاء الفصائل المسلحة وإعادة الأوضاع الی ما قبل 9 يونيو/ حزيران، وللتحذير من أي خطوة انفصالية.
وجاء اليوم بيان المرجع الايراني المقرب من علي خامنئي، محمود الشاهرودي، الذي تسلم مناصب رفيعة في الحكومة الايرانية، ليؤكد هذا الدعم الإيراني للمالكي في هذه المرحلة الحساسة. وقد أكد الشاهرودي "لزوم التمسك بالاستحقاق الدستوري للحكومة الجديدة... مع أنّ الوفاق الوطني لن يتحقق بذلك، بل على العكس يتمزّق الوفاق الوطني بما يكون فيه خيانة لإرادة الشعب وللدستور".

ومع ذلك يبدو ان المماطلة والتسويف في تشكيل الحكومة للحيلولة دون تشكيل حكومة وطنية ليس من صالح المالكي وحلفائه، لو علمنا أن الفصائل المسلحة تستمر في الاستيلاء على مناطق جديدة، مع ورود انباء تؤكد سيطرة هذه الفصائل على المناطق القربية من العاصمة، التي يطلق عليها "حزام بغداد، ولو بشكل أبطأ مما كان عليه في الايام الاولى التي أعقبت سقوط الموصل في 9 يونيو/حزيران الماضي، على الرغم من انضمام حشود المتطوعين الشيعة الى الجيش النظامي، بدافع من فتوى الجهاد التي اطلقها ممثل المرجعية الشيعية في النجف، علي السيستاني.

ومن الناحية الدستورية، تعتبر كتلة دولة القانون، الكتلة الكبرى، داخل التحالف الوطني الشيعي، لانها أحرزت أعلى الاصوات في الانتخابات البرلمانية الماضية، وهذا مبدئياً يجعلها قادرة على تمرير مرشحها، في حال لم يترك اعضاء الكتلة الائتلاف الشيعي ولم يرضخوا لضغوط داخلية وخارجية لتغيير موقفهم. ومن هذا المنطلق اعلن أخيراً ائتلاف المالكي انه الكتلة الكبرى، في خطوة اعتبرها مراقبون تهديداً بالخروج من التحالف الوطني.

وفي رد على تهديد دولة القانون للتحالف الوطني الشيعي، لفتت الكتل الشيعية الاخرى الى انه في حال خروج الأول، فانها ستبقى متمسكة بالتحالف، وهددوا بأنه "سيبقى الكتلة البرلمانية الكبرى، لأنه سيتحالف عندها مع القوى الوطنية الأخرى لتشكيل الحكومة وقيادة البلاد"، فيما اعتبرت خروج دولة القانون "انتحاراً سياسياً".

ومن أهم الاسباب التي قد تجعل خروج ائتلاف دولة القانون من التحالف الوطني الشيعي انتحاراً سياسياً:

1- خروج بعض الكتل المنضوية ضمن ائتلاف المالكي منه في حال خروج الأخير من التحالف الوطني الشيعي. فقد أعلنت منظمة بدر، التي يتزعمها وزير النقل هادي العامري، المنضوية ضمن ائتلاف دولة القانون، أمس الاثنين، عن التزامها بقرار التحالف الوطني بان الاخير هو الكتلة الكبرى، وليس ائتلاف دولة القانون. ومنظمة بدر هي الكتلة الكبرى في ائتلاف المالكي، إذ حصلت على 22 مقعداً من مجموع المقاعد الـ(95) التي حققتها كتلة ائتلاف دولة القانون في بغداد والمحافظات الاخرى. وكانت صحيفة "وول ستريت جورنال" في عددها الصادر في 22 يوليو/تموز الماضي قد نقلت عن سياسيين عراقيين أن "المالكي خسر بتمسكه بالولاية الثالثة تعاطف الكثير من حلفائه ولم يتبقَ منهم إلا عدد قليل في حلقته الضيقة".

2- إن تشكيل ائتلاف المالكي للحكومة بدون الكتل الشيعية الأخرى، يعني الخروج على رغبة المرجعية الدينية في النجف بزعامة علي السيستاني، التي دعت، مراراً وتكراراً، الى "اختيار الافضل وعدم التشبث بالمناصب"، في إشارة إلى اصرار رئيس الوزراء نوري المالكي على ولاية ثالثة في رئاستها.

3- ويرفض اغلب اعضاء التحالف الوطني والتحالف الكردستاني واتحاد القوى العراقية ترشيح المالكي لولاية ثالثة، ما يعني عدم حصول الأخير على تأييد داخل البرلمان في حال تم التصويت عليه.

4- لن يحصل المالكي على الدعم الاميركي، في حال خالف الرغبة الاميركية وشكل الحكومة، بعيداً عن ارادة القوى السياسية العراقية الأخرى. فلقد اصبحت الولايات المتحدة متيقنة أن وجود المالكي اصبح يشكل تهديداً لوحدة العراق واستقرار المنطقة. ويقول الخبير في الشؤون الأمنية والاستراتيجيات العسكرية في "المركز الدولي للدراسات الاستراتيجية" في واشنطن، أنتوني كوردسمان، في دراسة نشرها أخيراً تحت عنوان "ازاحة المالكي وضرب داعش" إن "المالكي قاد البلاد الى حرب أهلية، فقد عزل الأكراد والعرب السنة واصبح يتجه بخطوات ثابته الى الدكتاتورية".

المساهمون