الفقر يتمدد عربياً

الفقر يتمدد عربياً

28 سبتمبر 2014
+ الخط -

في كل المجتمعات البشرية، هناك تفاوت طبقي، بين الأغنياء والفقراء، لكنه يختلف، بحسب كل مجتمع، ودرجة عناية أنظمته بقضية التوزيع العادل للثروات، ففي الدول المتقدمة، تجد هناك فوارق اجتماعية وطبقية، تعود، بالأساس، إلى اختلاف مستوى الدخل الفردي، والوسط العائلي، لكنها فوارق متقاربة، فلا تجد فارقاً شاسعاً بين الأغنياء والفقراء. ولهذا، فإن فقراء الدول المتقدمة يمكنهم اقتناء كل ما يلزمهم من وسائل العيش الضرورية، من منزل وسيارة وتجهيزات منزلية، وغيرها. مثل غيرهم من الأغنياء، مع وجود الفارق، طبعاً، في مستوى وجودة وسائل العيش.

في المجتمعات العربية، الهوة بين الفقراء والأغنياء سحيقة، وتزداد اتساعاً كل سنة، ولا مجال لمقارنتها بالموجود في الغرب، بسبب الفساد المستشري في مؤسسات الدولة، وعدم وجود إرادة سياسية للحد من اتساع خريطة الفقر، وجسر الهوة بين الفقراء والأغنياء من خلال التوزيع العادل للثروات والمناصب، بسبب انعدام مناخ اقتصادي حر وتنافسي، وسيادة الاحتكار والمحسوبية والرشوة.

في المغرب، كما في باقي البلدان العربية الأخرى، أصبح الفقر مشكلة بنيوية معقدة تتفاقم، بحيث أخذ يتعاظم، ويطال الشرائح الاجتماعية الوسطى، لتنضم إلى قوافل الفقراء، نظراً إلى ارتفاع مستوى المعيشة وجمود الأجور وقلة فرص العمل وضعف الاقتصاد. فتحول قطاع واسع من الطبقة الوسطى إلى فقراء، يصارعون من أجل تحقيق الحد الأدنى من العيش.

في البلاد العربية، هناك من الفقراء من لا يستطيع حتى توفير قوت يومه، وهناك آخرون يعملون، ليل نهار، وفي مهن مختلفة، لتوفير لقمة العيش، وهناك من يستأجر مسكناً متواضعاً يأوي إليه، وهناك من يستقر في سكن صفيحي أو طيني، وهناك آخرون يفترشون الأرض ويلتحفون السماء. هناك من الفقراء من يمتهن أكثر من عمل، لعله يستطيع مسايرة تكاليف الحياة، ومنهم من كان يمارس نشاطاً تجارياً معيناً أو حرفة من الحرف، فإذا به يستشعر خطر ارتفاع كلفة المعيشة على استقرار أسرته، فاضطر إلى توسيع نطاق نشاطه، ليشمل أنشطة أخرى موازية.

وهناك صور أخرى من مآسي سياسات التفقير في الدول العربية، التي تدفع كثيراً من الفقراء إلى التفكير في ركوب المخاطر، من أجل الهروب من شبح الفقر، نذكر الحدث الأليم الناتج من انقلاب أحد قوارب الموت، الذي كان يقلّ مهاجرين سريين معظمهم من فلسطين وسورية، قضوا جميعا في عرض البحر، في محاولة للوصول للضفة الأخرى.

إذا كان الفقر ظاهرة طبيعية في المجتمعات البشرية لا يمكن القضاء عليها نهائيا، فإن توسع خريطته، هو نتيجة لسياسات حكومية غير رشيدة، تجعل رقعة الفقر تتمدد بشكل غير مقبول، بحيث يصبح مرادفا للإقصاء والتهميش الاجتماعي والتمييز الطبقي، وهذا هو واقع سائر الدول العربية، بما فيها المغرب، فإذا كان الفقير في هذه الدول لا يستطيع توفير الحد الأدنى من العيش الكريم، فهذا راجع إلى غياب العدالة الاجتماعية، في حين هناك في الغرب فقر، لكن الحكومات حريصة على تأمين حياة كريمة للفئات الفقيرة.

إن انتشار الفقر واتساع رقعته داخل المجتمعات العربية، له عواقب كارثية على المستوى الاجتماعي (اتساع الفجوة بين طبقات المجتمع)، والسياسي (فقدان الثقة في مؤسسات الدولة)، والأمني (تزايد معدلات الجريمة)، وإذا لم يتم التفكير والبحث عن حلول ناجعة وسريعة لمعضلة الفقر في البلاد العربية، فإنها ستعاني من اضطرابات اجتماعية وسياسية، لا يمكن لأحد التنبؤ بتداعياتها على استقرار واستمرار النظم الحاكمة.

CE7EB635-75EB-4416-B522-A8AA5BDBE4A0
CE7EB635-75EB-4416-B522-A8AA5BDBE4A0
فؤاد الفاتحي (المغرب)
فؤاد الفاتحي (المغرب)