السودان.. السير عكس التاريخ

01 نوفمبر 2014

مشهد عام لأحد أسواق الخرطوم (9 أكتوبر/2014/أ.ف.ب)

+ الخط -

أخيراً، بعد مراوغاتٍ، أسفر حزب المؤتمر الوطني الحاكم في السودان عن مرشحه الرئيس عمر البشير لانتخابات العام المقبل، ليكمل في السلطة ثلاثين عاماً، ليلحق بثلاثينيتي حسني مبارك وعلي عبد الله صالح، ويكون أطول الرؤساء العرب جلوساً في الحكم، وليسير السودان عكس عجلة التاريخ، حيث البلاد العربية إما عرفت ثورات أو أجريت فيها تعديلات وإصلاحات.

والغريب أن البشير، صرح في أكثر من مناسبة، بأنه لا ينوي الترشح للانتخابات الرئاسية المقبلة.

ويبدو، الآن، واضحاً أن تلك التصريحات كانت مجرد ذر الرماد في العيون، ومجرد تكتيك، بسبب اشتعال ثورات الربيع العربي في أكثر من بلد، وأيضاً، لتهدئة الشارع الذي خرج في احتجاجات بسبب زيادة المحروقات.

أثار إعادة ترشيح البشير ليكمل ثلاثين عاماً في الحكم لغطاً من المراقبين والمعارضين، لأنه فتح ثغرات دستورية واضحة، فبحسب دستور 1998 الذي وضعته حكومة البشير، ونص على أن تكون فترة الرئاسة دورتين، كل منها أربع سنوات، وفي دستور 2005، وهو دستور اتفاقية السلام مع الجنوب، تكرر النص السابق نفسه. لكن، يعد ترشح البشير فترة أخرى كسراً واستهتاراً بالدستور الذي وضعه النظام بنفسه. وقد برر الحزب الحاكم هذا الترشيح بأنه ضروري، حتى لا تلاحق البشير المحكمة الجنائية، والغريب أن وجود البشير في السلطة، وهو مطلوب للمحكمة الجنائية الدولية، جعل الرئاسة مشلولة، فهو لا يستطيع السفر، إلا إلى عدد من الدول، تعد على أصابع اليد الواحدة. وبالتالي، توكل الأعباء الخارجية لوزير الخارجية.

ويروج أهل النظام ومثقفو السلطة أن الرئيس البشير هو الضامن للحوار الوطني، لكن هذا الحوار تعثر بسبب إصرار البشير وحزبه، المؤتمر الوطني، على إقامة الانتخابات، قبل التوصل مع الأحزاب المعارضة، إلى صيغةٍ لحل أزمات البلاد، والتي حددها البشير بنفسه، في يناير/كانون الثاني الماضي، وهي قضايا الحوار الوطني، (الهوية، السلام، الحريات، الأزمة الاقتصادية)، ويبدو أن الحوار الوطني كان مجرد مناورة، حتى توافق الأحزاب على خوض الانتخابات، ولما خرجت بعض الأحزاب المعارضة من الحوار، ورفضت خوض الانتخابات، في جو منعدمة فيه أدنى الشروط الملائمة لإقامة الانتخابات، زهد الحزب الحاكم في الحوار، وأطلق عليه رصاصة الرحمة في سبتمبر/أيلول الماضي، وما زالت أحزاب معارضة تمني نفسها بمائدة الحوار، الخاوية على عروشها.

ويبدو واضحاً إصرار البشير، وحزبه، على خوض الانتخابات، على الرغم من أن الحزب الحاكم لا يملك رؤية واضحة، أو مشروعاً قومياً، بعد أن جرب كل الأدوية وجميع العطارة، ولكن الأزمة الاقتصادية في تفاقم مريع، بعد أن فشلت كل الحلول الاسعافية، وغول الأسعار يطارد المواطن السوداني، وانهارت الزراعة والصناعة، لأن الاقتصاد أصيب بالداء الهولندي، بالاعتماد على سلعة وحيدة، هي البترول، والذي ذهب بانفصال الجنوب، لأنه ضمن أراضي جنوب السودان، وتدني سعر الجنيه السوداني أمام الدولار بصورة مذلة، لأنه ليس هناك إنتاج حقيقي، وأصبحت الدولة ريعية ودولة جباية فقط، تعتمد ماليتها على الضرائب والجبايات. وبسبب عدم وجود الرؤية والمشروع القومي مازالت الحروب مشتعلة في أكثر من منطقة (دارفور، جنوب كردفان، النيل الأزرق)، وهناك الحصار الخارجي والعقوبات الأميركية، والتي جددتها الإدارة الأميركية الأسبوع الماضي. 

إذن، كل هذه الأزمات المستحكمة في السودان، وفي الوقت نفسه، يصرّ البشير وحزبه على الانتخابات، على الرغم من إخفاق الحزب الحاكم طوال خمس وعشرين سنة، وهو يحكم منفرداً، في إيجاد الحلول والعلاج لهذه الأزمات، فهل في وسعه أن يعالجها في خمس سنوات مقبلة.

وإذا كنت في السودان، في هذه الأيام، والتي من المفترض أن تكون أياماً انتخابية، وهي أيام حيوية مشبعة بالحريات، ندوات هنا ومناظرات تشتعل في وسائل الإعلام، ستلاحظ فوراً الفتور وعدم تفاعل الشعب ولا مبالاته بالانتخابات. كما أن المناخ معتم، واشتدت فيه القبضة الأمنية على الصحف، وحظرت صحف إلكترونية، وأصبح صاحب القلم المعارض مطارداً من صحيفة إلى أخرى. وفي المجمل، يعيش السودان، دولةً وشعباً، انهياراً وتردياً في كل مناحي الحياة وانسداداً في أفق الحل. وعلى الرغم من ذلك، يصر البشير وحزبه على أن يكملا ثلاثينية رؤساء ثورات الربيع العربي المخلوعين.

4749C577-0308-4FE3-AC19-C56F54DD1078
رجاء بابكر

باحثة سودانية، وكاتبة صحفية، وناشطة في منظمات المجتمع المدني.