الدولاب

الدولاب

02 اغسطس 2016
(بهاء الحلبي/الأناضول)
+ الخط -
"علقوه عالدولاب". لم أتمكن يومًا من تخيّل كيف يُمكن استعمال الدولاب كوسيلة للتعذيب. شخصيًا، لم أشاهد أيّ مشهد حقيقي أمامي لهذا النوع من الإجرام، على عكس لبنانيين كثر شاهدوه واختبروه على أيدي المخابرات السورية. فحتى في المسلسلات السورية، عندما كانت تمرّ هذه الجملة في مشهد عن السجون والتحقيقات، كنت أسارع لتبديل القناة.

لكني أعلم، وأيضًا ككثر من اللبنانيين وأغلبية السوريين، أنّ "الدولاب" من أشهر وسائل التعذيب في سجون البعث السورية. القصص والحكايات للمحظوظين الذين يخرجون أحياء من تلك السجون لا تخلو من ذكر الدولاب و"التعليق عليه"، كطقس بعثي، بالإضافة إلى أمور غيرها لا يتصورها العقل من الحرق والتجويع والكهرباء.. كلها استعملت وجُربت بأجساد مواطنين اعتبرهم البعث إما خائنين أو متطرفين تكفيريين، أو كان هناك "تشابه أسماء" بسيط أدى إلى حفلة تعذيب جنونية، كانت نتيجتُها الموتَ أو عطباً دائماً في الجسد.

ورغم خروج الجيش السوري من لبنان عام 2005 بعد تظاهرة مليونية لقوى الرابع عشر من آذار، بقي الجرح الذي سببه النظام السوري للبنانيين عميقًا. وحدها الثورة السورية التي انطلقت ربيع 2011 عملت على تخفيف الجرح وإصلاح الكثير من الصور والمفاهيم عن العلاقة اللبنانية السورية، بكل ما مرّت به وبعد كل ما ارتكبه النظام السوري ومخابراته بحق اللبنانيين.

كثيرون مثلي، تماهوا مع الثورة. والسبب هنا لم يكن مذهبياً كما صوّره النظام وحلفاؤه. فالثورة كانت ردّنا جميعا لبنانيين وسوريين على ما حلّ بنا طوال أربعين سنة من حكم البعث. كانت البداية من تحطيم صورة "القائد الخالد"، ومن رفع الصوت بوجهه وحتى "الغناء" ضده وبصوت عال. كانت الثورة السورية صوتنا كلنا.

اليوم، وبعد خمس سنوات على الثورة، ورغم كل ما حلّ بها من تشوهات تستمر الثورة بالقيام بمهمتها الأروع: تحسين الصورة وإعادتها إلى أصلها. فالحرية حقّ وليست خيانة، وحزب البعث ليس سورية، وسورية ليست سورية الأسد... نعم يمكن أن نتحدى نظاماً قاتلاً بالغناء أحيانًا وبالسلاح أحيانًا أخرى.

ولعلّ الصورة الأحلى في هذه الأيام الأخيرة أتتنا من حلب. حلب التي قررت أن تعيش رغم كل شيء. التي قاومت المخرز. هي وأهلها وأطفالها فعليًا يقاومون المخرز. صالحني أطفال حلب مع "الدولاب" الذي كنت أخاف عندما أسمع به، وجعلوني أبتسم في كل مرة أتذكر أنّه في منطقة قريبة منّا. هناك أطفال تحدّوا طائرات النظام السوري بإحراق "دولاب"، وحوّلوه من وسيلة تعذيب نخافها الى وسيلة حرية.



المساهمون