الجولة الثانية للرئاسة التونسية: المرزوقي في أفضل أيامه

الجولة الثانية للرئاسة التونسية: المرزوقي في أفضل أيامه

17 ديسمبر 2014
المرزوقي في مباراة كرة قدم مع فريق حملته(أمين الأندلسي/الأناضول)
+ الخط -
يعيش محمد المنصف المرزوقي حالياً أفضل أيامه؛ فعلى الرغم من العدد الكبير من التونسيين، الذين لا يرغبونه لولاية ثانية في رئاسة الجمهورية، هناك في المقابل ما لا يقل عن مليون تونسي يتوقع أن يتوجهوا يوم الأحد المقبل، ليمنحوه أصواتهم من جديد.

بغضّ النظر عن احتمال فوزه في الجولة الثانية من الانتخابات أو هزيمته أمام منافسه الباجي القائد السبسي، فانّ المؤكد أنّ الرجل بات له، فجأة، قاعدة شعبية واسعة، على الرغم من الانتقادات الشديدة التي يتعرض لها منذ فترة، ورغم تخلّي أغلب أصدقائه ومساعديه عنه.

لم يسبق للمرزوقي أن انخرط في حزب أو جمعية، وذلك قبل أن ينتمي الى "الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان"، التي التحق بها في أواسط الثمانينات، ولم يكن يتوقع أن يصبح رئيساً لها في مرحلة صعبة من تاريخ البلاد. كان رئيس الرابطة في حينها محمد الشرفي، الذي عُرضت عليه حقيبة وزارة التربية والتعليم العالي في المرحلة الأولى من حكم الرئيس زين العابدين بن علي فقبلها.

عندها حصل شغور داخل الرابطة، فترشح لهذا المنصب شخصيتان هما المحامي توفيق بودربالة والمنصف المرزوقي. بعد محادثات في الكواليس بين أعضاء الهيئة المديرة تخلى بودربالة عن ترشحه، وأصبح بعدها المرزوقي رئيساً للرابطة. لكن سرعان ما اندلعت أزمة حادة داخل الرابطة في حينه، استثمرها بن علي الذي أصرّ على إبعاد المرزوقي بكل الوسائل.
على إثر ذلك، قرر المرزوقي أن يواصل معركته ضد نظام شرس.

وحرص على أن يجمع المعارضين من مختلف التيارات حوله عبر عدة مبادرات، لكنه عجز عن ذلك، ولم يقبل الجميع بزعامته، إما اختلافاً معه في المنهج، أو اعتراضاً على أسلوبه في إدارة العمل الجماعي. ولم يبق معه سوى عدد قليل من المناضلات والمناضلين الذين يجوز تشبيههم بكتيبة من الانتحاريين الذين ركزوا هجومهم لمدة سنوات على نظام اعتبره المرزوقي "لا يُصلَح ولا يَصلُح".

     
فُتح باب العرش في وجه المرزوقي بعد الثورة مباشرة، وذلك حين عاد مسرعاً الى تونس، وأعلن في المطار أمام أنصاره أنه عازم على الترشح لرئاسة الجمهورية قبل أن يبدأ الاستعداد للانتخابات. لم يصدقه كثيرون. لكنه شارك في انتخابات المجلس الوطني التأسيسي في إطار حزب قليل العدد وكسب أصواتاً كثيرة. ونجح يومها بفضل آلية أكبر البواقي، التي يوفرها القانون الانتخابي كشكل من أشكال إسعاف المرشحين. وبعدها مباشرة انطلقت المفاوضات بين مكونات الترويكا، وحصل تنافس بينه وبين مصطفى بن جعفر، وحسمت في الأخير الرئاسة لصالحه، ودخل قصر قرطاج بعدما زكّته غالبية المجلس التأسيسي القائمة بشكل أساسي على كتلة حركة "النهضة".

لم تكن مهمته كرئيس للجمهورية سهلة. اجتهد كثيراً، ولكن هوجم بسبب أخطاء ارتكبها أو مواقف خلافية أُعلن عنها. وفي مرحلة ممارسة السلطة انفجر حزبه الذي أسسه، فانقسم إلى أربعة تنظيمات وانسحب منه كثيرون، وجاء موعد الانتخابات التشريعية ليبرز بوضوح مدى ضعف تلك المشاريع الحزبية. وفي هذا السياق، أشارت التقديرات إلى أن حظوظ المرزوقي ستكون ضعيفة في الانتخابات الرئاسية.

لكن حصلت المفاجأة عندما نجح المرزوقي في احتلال المرتبة الثانية، ولم تكن تفصله عن السبسي سوى ست نقاط. ثم جاءت الجولة الثانية لتكشف كيف تحوّل هذا المثقف الآتي من أعماق الجنوب التونسي والرافض التكيف مع الصورة النمطية لرئيس الدولة، إلى شخصية تتمتع بشعبية، وهو ما يظهر بوضوح تنقلاته في مختلف المدن والقرى التونسية وبعض اجتماعاته.
وقد يفسر عدم انضباط أبناء حركة "النهضة" بقرار قيادتهم، والقلق من تغوّل الحزب الفائز في التشريعية واحتمال عودة المنظومة القديمة، هذه الشعبية المكتسبة أخيراً للمرزوقي، لكن ذلك لا يلغي واقع أن تناقضات الساحة السياسية وتعدد الحسابات انتهت في الأخير لكي تصب في صالح الرجل وتخرجه من عزلة سياسية كانت محتملة، وتحوله إلى رافعة لتحقيق "التوازن الإيجابي" من داخل السلطة التنفيذية.
حتى لو لم يفز المرزوقي يوم الأحد المقبل في الانتخابات الرئاسية، فإن الأقدار قد أدخلته إلى التاريخ.