التاريخ والأركيولوجيا

ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺦ ﻭﺍﻷﺭﻛﻴﻮﻟﻮﺟﻴﺎ ﻋﻠﻤﺎﻥ ﺷﻘﻴﻘﺎﻥ، وإﻥ ﻛﺎﻥ ﻓﺎﺭﻕ ﺍﻟﺴﻦ ﺑﻴﻨﻬﻤﺎ ﻛﺒﻴﺮﺍ. ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺦ ﻛﻬﻞ ﻭﻗﻮﺭ، ﻣﻮﻓﻮﺭ ﺍﻟﺘﺠﺮﺑﺔ، ﻭﺍﺳﻌﻬﺎ، ﻭﻣﺘﻤﻜﻦ ﻣﻦ ﻣﺮﻛﺰﻩ ﺍﻟﻌﻠﻤﻲ ﻭﺗﺮﺍﺛﻪ ﺍﻟﺒﺤﺜﻲ ﺍﻟﻤﺘﺮﺍﻛﻢ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻌﻮﺩ إلى آﻻﻑ ﻣﻦ ﺳﻨﻲ ﺍﻟﻤﺘﺎﺑﻌﺔ ﻭﺍﻟﺘﺪﻭﻳﻦ. ﺃﻣﺎ ﺍﻷﺭﻛﻴﻮﻟﻮﺟﻴﺎ ﻓﻬﻲ ﺻﻐﻴﺮﺓ ﺍﻟﺴﻦ ﻧﺴﺒﻴﺎً، ﻋﻤﻠﻴﺔ ﻣﺘﺤﻤّﺴﺔ ﻟﻠﺘﺠﺮﺑﺔ ﻭﺍﻟﺒﺮﻫﺎﻥ، ﻭﻣﻠﻄﺨﻪ ﺍﻟﻘﺪﻣﻴﻦ ﺑﺘﺮﺍﺏ ﺍﻟﺤﻔﺮﻳﺎﺕ.
ﻭﻗﺪ ﻣﺮّ ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺦ ﻣﻨﺬ ﻧﺸﺄﺗﻪ ﻋﻠﻰ ﻳﺪ ﺍﻷﻏﺮﻳﻖ ﺑﺘﺤﻮﻻﺕ ﺟﻤّﺔ، ﺑﻌﻀﻬﺎ ﻛﺎﻥ ﺟﺬﺭﻳﺎً، ﻭﺑﻌﻀﻬﺎ ﺍﻵﺧﺮ كان ﻋﺮﺿﻴﺎ ﻭﻃﺎﺭﺋﺎ. ﻓﻤﻦ ﺃﺻﻞ ﺍﺳﻤﻪ ﺍﻷﻏﺮﻳﻘﻲ Historie، ﺍﻟﺬﻱ ﻋﻨﻰ، ﻓﻲ ﺑﺎﺩﻯﺀ ﺍﻷﻣﺮ، "ﺍﻟﻤﻌﺮﻓﺔ ﻋﻦ ﻃﺮﻳﻖ ﺍﻻﺳﺘﻘﺼﺎﺀ"، ﺗﻄﻮّﺭ ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺦ ﻟﻴﺼﺒح ﺩﺭﺍﺳﺔ ﺍﻟﻤﺎﺿﻲ ﻭﺍﻟﺒﺤﺚ ﻓﻴﻪ.
أﻋﺘﺒﺮ ﻋﻠﻢ ﺍﻷﺭﻛﻴﻮﻟﻮﺟﻴﺎ ‏(l'archéologie l'archéologie‏) أو ﺍﻟﺤﻔﺮﻳﺎﺕ ﺃﻭ ﺍﻷﺛﺮﻳﺎﺕ ﻣﻦ ﺍﻟﻌﻠﻮﻡ ﺍﻟﺤﺪﻳﺜﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺍﻫﺘﻤﺖ ﺑﺈﻋﺎﺩﺓ ﺍﻟﺒﺤﺚ ﻋﻦ ﺍﻟﺤﻘﺎﺋﻖ ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺨﻴﺔ ﺍﻟﻤﺮﺗﺒﻄﺔ ﺑﺎﻟﻌﺼﻮﺭ ﺍﻟﻤﺎﺿﻴﺔ، ﻓﻘﺪ ﻧﺠﺤﺖ ﺍﻷﺭﻛﻴﻮﻟﻮﺟﻴﺎ ﻓﻲ ﺗﻐﻴﻴﺮ ﻧﻈﺮﺓ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﺇﻟﻰ ﺫﺍﺗﻪ ﻭﺗﺎﺭﻳﺨﻪ ﺍﻟﻤﺎﺿﻲ، ﺑﺤﻴﺚ ﻟﻢ ﺗﻌﺪ ﻣﻌﺮﻓﺔ ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺦ ﻣﺮﺗﺒﻄﺔ ﺑﺮﻭﺍﻳﺎﺕ ﺷﻔﻮﻳﺔ ﺃﻭ ﺷﻬﺎﺩﺍﺕ ﻗﺎﺑﻠﺔ ﻟﻠﺰﻭﺭ؛ ﺑﻞ ﺃﺻﺒﺤﺖ ﺩﺭﺍﺳﺔ ﺍﻟﻤﺎﺿﻲ ﺗﻌﺘﻤﺪ ﻋﻠﻰ ﻣﻌﻄﻴﺎﺕ ﺗﺠﺮﻳﺒﻴﺔ، ﻭﻣﺨﻠّﻔﺎﺕ ﻛﻞّ ﺣﻘﺒﺔ، ﻓﻴﺘﻢ ﺗﺄﺳﻴﺲ ﺍﻟﺤﺪﺙ ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺨﻲ ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﻭﺟﺪ ﻣﻦ ﺁﺛﺎﺭ ﺗﺪﻝ ﻋﻠﻰ ﻛﻞ ﺣﺪﺙ ﺃﻭ ﻭﺍﻗﻌﺔ ﺗﺎﺭﻳﺨﻴﺔ. ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺸﻜﻞ ﻣﻦ "ﺍﻷﺭﻛﻴﻮﻟﻮﺟﻴﺎ" ﺑﺪﺍ ﺗﺄﺛﻴﺮﻩ ﻭﺍﺿﺤﺎ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻌﻠﻮﻡ ﺍﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺔ ﻣﻨﺬ ﻣﻨﺘﺼﻒ ﺍﻟﻘﺮﻥ ﺍﻟﻌﺸﺮﻳﻦ، ﻓﺎﻟﻤﻨﻬﺞ ﺍﻷﺭﻛﻴﻮﻟﻮﺟﻲ ﺍﻟﺤﻔﺮﻱ ﺍﻟﺘﻔﻜﻴﻜﻲ، ﻳﻘﺼﺪ ﺑﻪ ﺍﻟﺒﺤﺚ ﺍﻟﻤﻌﻤّﻖ ﻓﻲ ﻣﺘﻮﻥ ﺍﻟﻮﻗﺎﺋﻊ ﺃﻭ ﺍﻟﻮﺛﺎﺋﻖ ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺨﻴﺔ، ﻭﻗﺮﺍﺀﺗﻬﺎ ﻣﺠﺪّﺩﺍً ﻗﺮﺍﺀﺓ ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ ﺑﺸﻜﻞ ﻋﻤﻮﺩﻱ، ﺳﻮﺍﺀ ﺑﺎﺳﺘﺨﺪﺍﻡ ﺃﺩﻭﺍﺕ ﺍﻟﺒﺤﺚ ﺍﻟﻤﻌﺎﺻﺮﺓ ﻭﺍﻟﻤﺴﺘﺤﺪﺛﺔ ﺃﻭ ﺑﺎﺳﺘﺤﻀﺎﺭ ﺍﻟﻤﺮﻭﻧﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﺬﻫﻦ ﻭﺍﻟﻘﺪﺭﺓ ﺍﻻﺳﺘﻴﻌﺎﺑﻴﺔ ﺍﻟﻤﻨﻔﺘﺤﺔ ﻋﻠﻰ ﺁﻓﺎﻕ ﺍﻟﻨﺺ ﻭﻣﻜﻨﻮﻧﺎﺗﻪ، من ﺩﻭﻥ ﺍﻻﻧﻐﻼﻕ ﻋﻠﻰ ﺻﻮﺭﺗﻪ ﺍﻟﺘﻘﻠﻴﺪﻳﺔ ﻭﻣﺪﺭﻛﺎﺗﻪ ﺍﻟﻤﻮﺭﻭﺛﺔ ﺍﻟﺸﺎﺋﻌﺔ.
ﻓﻲ ﻇﻞ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﻨﻬﺞ، ﺃﺻﺒﺤﺖ ﺍﻟﻤﻌﺮﻓﺔ ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺨﻴﺔ ﺗﺘﺴﻢ ﺑﻜﺜﻴﺮ ﻣﻦ ﺍﻟﻌﻠﻤﻴﺔ ﻭﺍﻟﻌﻘﻼﻧﻴﺔ ﻓﻲ ﻣﻌﺎﻟﺠﺔ ﻭﻗﺎﺋﻊ ﺍﻟﻤﺎﺿﻲ، ﻓﻄﺮﺡ ﺍﻟﻤﺆﺭﺧﻮﻥ ﺃﺳﺌﻠﺔ ﺟﺪﻳﺪﺓ، ﺑﻌﺪﻣﺎ ﺗﺒﻴّﻦ ﻟﻬﻢ ﻣﺤﺪﻭﺩﻳﺔ ﺍﻟﻮﺛﻴﻘﺔ ﺍﻟﻤﻜﺘﻮﺑﺔ ﻓﻲ ﻛﺘﺎﺑﺔ ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺦ، ﻭﺗﻢّ ﺍﻻﻧﺘﻘﺎﻝ ﺇﻟﻰ ﺗﺼﻮّﺭ ﺟﺪﻳﺪ ﻓﻲ ﻛﺘﺎﺑﺔ ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺦ، ﻳﻘﻮﻡ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻨﻘﺪ ﻭﺍﻟﺪﺭﺍﻳﺔ، ﺑﺪﻝ ﺍﻟﺴﺮﺩ ﻭﺍﻟﺮﻭﺍﻳﺔ، ﻭﺻﺎﺭ ﻤﻤﻜنا ﻛﺘﺎﺑﺔ ﺗﺎﺭﻳﺦ ﺍﻟﺸﻌﻮﺏ ﺍﻟﺘﻲ ﻟﻴﺲ ﻟﻬﺎ ﺗﺮﺍﺙ ﻣﻜﺘﻮﺏ ﻭﻣﺪﻭّﻥ، خصوصا ﺑﻌﺪ ﻇﻬﻮﺭ ﺍﻷﺭﻛﻴﻮﻟﻮﺟﻴﺎ ﺍﻟﺠﺪﻳﺪﺓ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺮﺑﻂ ﻓﻲ ﺩﺭﺍﺳﺘﻬﺎ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﻤﺨﻠﻔﺎﺕ ﺍﻟﻤﺎﺩﻳﺔ ﻭﻏﻴﺮ ﺍﻟﻤـﺎﺩﻳﺔ ﻓﻲ ﺛﻘﺎﻓﺎﺕ ﺍﻟﺸﻌﻮﺏ.
ﺍﻟﻤﻨﻬﺞ ﺍﻷﺭﻛﻴﻮﻟﻮﺟﻲ ﺍﻟﺤﻔﺮﻱ ﻳﺘﺼﻔﺢ ﺍﻟﻮﻗﺎﺋﻊ ﻭﺍﻷﺣﺪﺍﺙ، ﻭﻳﻌﻴﺪ ﻗﺮﺍﺀﺓ ﺍﻟﻨﺼﻮﺹ ﺑﻌﻤﻖ ﻭﻓﻖ ﺭﺅﻳﺔ ﺗﻔﻜﻴﻜﻴﺔ ﺗﺤﻠﻴﻠﻴﺔ ﻟﻜﺸﻒ ﻣﺎ ﻭﺭﺍﺀ ﺍﻟﻈﺎﻫﺮ ﻣﻦ ﺍﻟﻨﺺ ﻣﻦ ﺣﻘﺎﺋﻖ ﻗﺪ ﺗﻜﻮﻥ ﺃﻏﻔﻠﺘﻬﺎ ﻣﺠﻠﺪﺍﺕ ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺦ ﺍﻟﺘﻘﻠﻴﺪﻳﺔ. ﻭﻋﻠﻴﻪ، يقدم ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﻨﻬﺞ ﺍﻟﻤﻌﺮﻓﻲ ﻣﻦ ﺍﻟﺒﺤﺚ ﺍﻟﻤﻌﻤﻖ ﺁﻓﺎﻗﺎ ﺩﺭﺍﺳﻴﺔ ﻣﻨﻬﺠﻴﺔ، ﺗﺴﻤﺢ ﺑﻜﺴﺮ ﺍﻟﺠﻤﻮﺩ ﺍﻟﻔﻜﺮﻱ، ﺑﻬﺪﻑ ﺍﻟﺘﻨﻘﻴﺐ ﻭﺍﻟﺘﻌﺮﻳﺔ ﺍﻟﻤﻌﺮﻓﻴﺔ ﻹﺣﻴﺎﺀ ﺍﻟﻨﺼﻮﺹ، ﻭﻛﺸﻒ ﺍﻟﻤﺴﻜﻮﺕ ﻋﻨﻪ ﻓﻲ ﻣﺘﻮﻥ ﺍﻟﺘﺮﺍﺙ ﺍﻟﻌﻠﻤﻲ.
ﻭعلى الرغم من ﺃﻧّﻪ ﻣﻦ ﺍﻟﻨﺎﺣﻴﺔ ﺍﻟﻌﻠﻤﻴﺔ ﺗﻈﻞ ﻧﺘﺎﺋﺞ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﻨﻬﺞ ﻗﺎﺑﻠﺔ ﻟﺘﺄﻭﻳﻼﺕ ﻋﺪﻳﺪﺓ، ﻓﺈﻧّﻪ ﻧﻔﺾ ﺍﻟﻐﺒﺎﺭ ﻭﺃﺯﺍﻝ ﺍﻟﺴﺘﺎﺭ ﻋﻦ ﻋﻴﻮﺏ ﺍﻟﻤﻨﻬﺞ ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺨﻲ ﺍﻟﺘﻘﻠﻴﺪﻱ، ﻭﻗﺪﻡ ﻟﻺﻧﺴﺎﻧﻴﺔ ﻣﺪﺧﻼً ﺟﺪﻳﺪﺍً ﻟﻔﻬﻢ ﺤﻘﺎﺋﻖ كثيرة ﻤﻄﻤﻮﺭﺓ، ﻭﺍﺳﺘﻄﺎﻉ ﺃﻥ ﻳﺼﺤّﺢ ﺗﺼﻮّﺭﺍﺗﻨﺎ ﺣﻮﻝ ﺣﻀﺎﺭﺍﺕ ﻭﺷﻌﻮﺏ ﻛﺎﻧﺖ، ﻓﻲ ﺍﻟﻐﺎﻟﺐ، ﻣﺮﺗﺒﻄﺔ ﺑﺎﻟﺤﻜﺎﻳﺎﺕ ﺍﻷﺳﻄﻮﺭﻳﺔ ﻭﺍﻟﺨﺮﺍﻓﻴﺔ.