البرلمان التونسي: هل تولّد الانقسامات جبهتين؟

البرلمان التونسي: هل تولّد الانقسامات جبهتين؟

17 سبتمبر 2020
ستكون كتلة الحزب الدستوري الحر خارج التحالفين (Getty)
+ الخط -

تستعد تونس لعودة برلمانية وسياسية جديدة بعد أسبوعين، بعد أن انتهت العطلة البرلمانية التي شكلت فرصة لهدوء نسبي وحدت من التوتر السياسي. وينتظر الجميع أن يكون الموسم الجديد ساخناً، بسبب ما ينتظر البلاد من أجندة سياسية وجدول أعمال عالي الحساسية.
وشكلت جلسة المصادقة على حكومة هشام المشيشي نقطة تحول في إعادة توزيع الأوراق داخل البرلمان، وفي المشهد السياسي عموماً، وقسمت مجلس النواب تقريباً إلى نصفين، ما سيؤدي لاحقاً إلى تكوين جبهتين سياسيتين كبيرتين، مع إقصاء كتلة الحزب الدستوري الحر منهما، بما يحمله ذلك من انعكاسات على وضع هذه الكتلة، وعلى صعودها في مختلف عمليات سبر الآراء الأخيرة التي تتقدم فيها بوضوح.
وأوضحت ملابسات تشكيل حكومة المشيشي أن التموضع السياسي في تونس لا يتم على أساس الاختلاف في الخيارات الفكرية، أو الاقتصادية والاجتماعية أو الإيديولوجية، وإنما على أساس الصراع القائم بين الرئاسة وحركة النهضة بالأساس.

تهدف الجبهة الداعمة للمشيشي لتسريع إقرار القوانين التي تساعد على إخراج تونس من الأزمة الإجتماعية والاقتصادية

وأكد النائب عن حركة الشعب خالد الكريشي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أنه يتم حالياً مواصلة النقاشات والتحاور مع مجموعة من الأحزاب لتشكيل كتلة برلمانية جديدة تضم قرابة 80 نائباً، وينتظر أن ترى هذه الكتلة النور مع السنة البرلمانية الجديدة، مبيناً أنها تضم الكتلة الديمقراطية وكتلة الإصلاح والشعب وتحيا تونس وبعض المستقلين، وتهدف إلى خلق توازنات جديدة في المشهد السياسي. وأوضح الكريشي أن "الخارطة السياسية تغيرت، والدورة البرلمانية القادمة مقبلة على عدة تغيرات مقارنة بالدورة السابقة، سواء على مستوى التوازنات الداخلية والتحالفات، وفي علاقة مواقف بعض الكتل من حكومة هشام المشيشي"، معتبراً أن "التحالفات الجديدة ستؤثر بشكل إيجابي على العمل البرلماني بصفة عامة".

تقارير عربية
التحديثات الحية

من جهته، أكد الناطق الرسمي باسم "قلب تونس" الصادق جبنون أن الجبهة الجديدة التي يستعدون للإعلان عنها "ستكون جاهزة مع الدورة البرلمانية الجديدة، وتضم نحو 120 نائباً". وبين أن الجبهة تنسيقية بالأساس لدعم حكومة هشام المشيشي، وتهدف إلى التسريع في إقرار القوانين التي تساعد على إخراج تونس من الأزمة الاجتماعية والاقتصادية وتدعيم مؤسسات الجمهورية الثانية، خصوصاً المحكمة الدستورية التي طال انتظارها. وأضاف، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن "هذه الجبهة تضم النهضة وقلب تونس وكتلة المستقبل وائتلاف الكرامة وعدد من المستقلين، وكل من ينوي الانضمام إليهم مستقبلاً". وأضاف جبنون أن "هناك جوانب تم الانتهاء منها لتشكل الكتلة، وجوانب أخرى سيتم بحثها، و(هي) ستنطلق مع العودة البرلمانية". وبين أن "المشهد السياسي والبرلماني الجديد سيتم خلاله السعي لإحداث توازنات جديدة، وأن تكون للحكومة الجديدة فرص النجاح، خصوصاً وأن الأزمة الاقتصادية لا يمكن أن تطول أكثر، تضاف إليها أزمة صحية، وتونس لا يمكنها مواجهة العزل الصحي مجدداً". ويتضح أن الجبهتين لا تضمان "الدستوري الحر". وفي هذا الصدد يوضح جبنون أن "الحزب الدستوري الحر هو الذي أقصى نفسه من المنظومة الديمقراطية لعدم اعترافه بالدستور ولا بالتجربة الديمقراطية، ومن يقصي نفسه من مجال الديمقراطية يتحمل مسؤوليته". وبدوره، اعتبر الكريشي أن "الدستوري الحر لا يؤمن بالثورة ولا بالانتقال الديمقراطي، ولا بدستور 2014، وبالتالي لا يمكن التعامل معه"، مشيراً إلى أنه "لو كان هذا الحزب يؤمن بالتغيير والانتقال الديمقراطي الذي تعيشه تونس، رغم بعض الهنات والإخفاقات الاقتصادية، ربما ساعتها يمكن التعاطي معه".

يقود التقسيم الحاصل إلى استنتاج أن البلاد ضيعت على نفسها عاماً كاملاً في البحث عن توازن

ويتضح بهذا العرض أن البرلمان سيكون مقسماً إلى ثلاث مجموعات، أولى داعمة للحكومة بـ120 نائباً، وأخرى معارضة بـ80 نائباً، وكتلة "الدستوري الحر" الرافضة للجميع بـ16 نائباً. وللتذكير، فإن هذا التقسيم ليس جديداً، ولم تفرزه بالضرورة ملابسات حكومة المشيشي، لأنه نفس التموضع الحاصل إبان انتخاب رئيس البرلمان راشد الغنوشي، وعند محاولة سحب الثقة منه أخيراً، مع فارق أن الحزب الدستوري الحر يصوت تلقائياً ضد الغنوشي و"النهضة" وينضم آلياً للجبهة المعارضة.
ويقود هذا التقسيم الحاصل إلى استنتاج أن البلاد ضيعت على نفسها عاماً كاملاً في البحث عن توازن، يتضح أنه كان موجوداً وكان الأقرب إلى الطبيعي. وقد تصاعدت بعد الانتخابات أصوات داخل "النهضة" تدعو إلى تشكيل حكومة على هذا الأساس، إلا أن الأخطاء في التقدير ومحاولة البحث عن صيغ توازنات جديدة أضاعت عاماً كاملاً في المناكفات السياسية، وضيعت على التونسيين فرصاً متعددة للإنقاذ الاقتصادي والاجتماعي. واتضح فيما بعد أنه كان جهداً مهدوراً افتك من البرلمان أحقيته في اختيار رئيس الحكومة ومنحها للرئيس قيس سعيد، ليزيد الوضع اختلالاً. وربما يكون استعادها الآن، إذا ثبُت خيار المشيشي في الاستناد على هذه الجبهة الجديدة والتوصل إلى اتفاق معها، بتعديل حكومته تدريجياً وتطعيمها من هذه الأحزاب. لكن هذا أمر متروك لقادم الأيام، وستحدده النوايا الحقيقية لكل هذه الأطراف.
وتعليقا على عودة أحزاب حركة النهضة وقلب تونس وائتلاف الكرامة للتكتل من جديد، بعدما ضيعوا على أنفسهم عاماً كاملاً وبعدما كالوه من تبادل للتهم منذ الحملات الإنتخابية، علّق وزير التنمية المحلية السابق والقيادي في "النهضة" لطفي زيتون قائلاً "الآن، وبعد أن لحس كل المشاركين في الانتخابات الأخيرة وعودهم وعنترياتهم، ورأينا أعداء الأمس يتحولون إلى أصدقاء، والعكس صحيح، وبعد أن غابت الاتهامات وحضر الحديث عن المصلحة واعتنق الجميع البراغماتية، آن أن نذكر، لعل الذكرى تنفع الجميع، أن الغدر والخديعة في السياسة ليسا ذكاء بل خبث سطحي وغباء مؤجل، لأن الذكاء العميق هو الوفاء بالعهود واحترام المواثيق". وذكر، في تدوينة على صفحته في "فيسبوك"، أنه "حتى خلال الحملات الانتخابية يبقى الكذب حراماً، والعنتريات وتضخيم الذات ممجوجة... ولا يباح في الانتخابات ما لا يباح في غيرها... ولا مجال ل (إلى) لن الزمخشرية بين أبناء الوطن الواحد، مهما تباعدت بينهم السبل. ولا مجال للتخوين والاتهامات بالعمالة لمجرد الاختلاف في الرأي والتوجه. ولا خط سياسياً صحيحاً إلا الدعوة إلى المصالحة والتوافق والوحدة الوطنية. وعلى الذين كالوا الشتائم لمن رفع هذه الشعارات وحيداً وقتها أن يقفوا أمام المرآة ويعتذروا من عقولهم".
وتوضح تصريحات مختلف الجبهات أن جدول الأعمال الجديد سيكون عالي الحساسية، إذ سيتم انتخاب بقية أعضاء المحكمة الدستورية، وتعديل القانون الانتخابي، وتحويرات في حكومة المشيشي. وتسعى الأغلبية الجديدة أولاً إلى تعديل قانون انتخاب أعضاء الهيئات الدستورية، وتقليصه من أغلبية الـ145 نائباً الصعبة جداً إلى أغلبية أقل (131 نائباً أو 109)، وكذلك القانون الانتخابي الذي لم يفرز أغلبية واضحة قادرة على الحكم، وأدى دائماً إلى برلمان مفتت غير قادر على الحكم، وهي معارك ستخوضها هذه الجبهات الجديدة بضراوة، بالنظر إلى تأثيراتها الكبيرة على التوازنات السياسية مستقبلاً. وفي ظل هذا التقسيم الذي يزعج التونسيين، والفشل الاقتصادي والاجتماعي المتواصل، والموضوعي بسبب كورونا وتعطل الإنتاج وتراجع مخزون الدولة، يواصل الحزب الدستوري الحر، المنتقد للجميع، صعوده في عمليات سبر الآراء، مستفيداً من كل هذه الفوضى.

تقارير عربية
التحديثات الحية