استهداف محامي العراق...انتهاكات ممنهجة تعيقهم عن ممارسة عملهم

استهداف محامي العراق... انتهاكات ممنهجة تعيقهم عن أداء دورهم القانوني

04 مارس 2019
ميمونة حمداني محامية قتلت على يد مسلحين بالبصرة(فرانس برس)
+ الخط -
لم يجد المحامي العراقي ستار الحياني إجابة عن سؤاله عن سبب تعرضه لمحاولة اغتيال بعبوة ناسفة ألصقت في سيارته بعد توكيله بالدفاع عن أحد المتهمين بتجارة المشروبات الروحية، لكن الثابت أن "استهدافه يمثل قصة من بين قصص ترويع المحامين وغياب سطوة القانون في مختلف مدن العراق" كما يقول لـ"العربي الجديد".

ويعتبر الحياني نفسه محظوطا بعد نجاته من الاستهداف في منطقة بعقوبة أحد أقضية محافظة ديالى في إبريل/نيسان من العام 2017، إذ لقى زميله المحامي بشير البدري والذي كان يعمل في غرفة محامي قضاء الحي في محافظة واسط جنوبي بغداد، حتفه في 3 فبراير/شباط 2017 بعد توكيله بالدفاع عن متهم بجريمة قتل إثر نزاع عشائري، حسبما قال المحامي محمد الساعدي عضو لجنة العلاقات الخارجية في نقابة المحامين العراقيين، والذي وثق إلى جانب الحالة السابقة، قيام مسلحين مجهولين باغتيال المحامي في غرفة محامي بغداد حمزة الجابري في 24 يوليو/تموز 2017 بعد خروجه من مكان عمله في شارع فلسطين وسط بغداد، مبيناً أن حادثة الاغتيال جنائية وتتعلق بطبيعة عمل المحامي المغدور.


استهداف المدافعين عن المتظاهرين

يتعرض محامو العراق لاعتداءات وتهديدات ممنهجة بالتصفية الجسدية، كما يقول عضو نقابة المحامين في البصرة فرقد التميمي، الذي كشف عن تعرض زملائه لمضايقات وتهديدات من جهات مسلحة وأحزاب سياسية (لم يشأ تسميتها حتى لا يتكرر الأمر معه) نتيجة دفاعهم عن المشاركين في التظاهرات التي انطلقت بداية يونيو/حزيران 2017، مبينا أن تلك التهديدات وصلت إلى حد التصفية الجسدية، كما حدث مع محامي الدفاع عن المتظاهرين جبار عبد الكريم الذي لقى حتفه في 23 يوليو/تموز 2018.

المعلومات التي يسوقها التميمي يؤكدها مسؤول الإعلام والعلاقات في نقابة المحامين في محافظة البصرة عمار العتابي، الذي بين أن هذه الظاهرة استفحلت بعد دفاع المحامين عن المتظاهرين المتهمين بإثارة الشغب وحرف التظاهرات عن سلميتها.

ويصف العتابي كيف تعرض زميله المحامي عمار الحجاج إلى استهداف منزله بعبوة ناسفة ألحقت أضراراً مادية في المنزل والمنازل المجاورة له، كاشفاً عن تعرض 20 محامياً للاستهداف الممنهج خلال عام 2018، وفقاً للبلاغات التي تقدموا بها لفرع نقابة المحامين في محافظة البصرة، ومراكز الشرطة في مناطق سكناهم، ومنهم المحامية منى اللامي التي تعرضت لإطلاق نار، والمحامي أسعد عثمان الذي تعرض لرشق منزله برمانة صوتية.
وتهدف عمليات الاستهداف إلى إجبار المحامين على التلاعب أو ترك الدعاوى القضائية التي يترافعون فيها، وفق ما تقوله نقيب المحامين العراقيين أحلام اللامي، والتي وثقت مقتل محاميين أثناء ممارسة عملهما في محافظتي بابل والبصرة، خلال النصف الأول من العام 2018.



اعتقال المحامين

في سبتمبر/أيلول الماضي قالت منظمة "هيومن رايتس ووتش" إن عناصر الأمن العراقيين يهددون محامين، ويعتقلونهم في بعض الأحيان، لتقديمهم المساعدة القانونية للمشتبه في انتمائهم إلى تنظيم "الدولة الإسلامية "داعش" والأسر التي تُعتبر على علاقة بأفراد التنظيم، ما يحرمهم فعليا من الخدمات القانونية، ووثقت المنظمة 17 حالة لمحامين يعملون في الموصل ونواحيها مع منظمات دولية ومحلية تقدم خدمات قانونية للمتضررين من النزاع المسلح الأخير في العراق. تشمل الخدمات الدفاع عن الأفراد ضد تهم الإرهاب ومساعدة العائلات التي كانت تعيش تحت سيطرة داعش في الحصول على الوثائق المدنية التي تحتاج إليها للعيش في المناطق التي تسيطر عليها الحكومة، وللاستفادة من رعاية الدولة (المعروفة ببطاقات التموين) التي فقدتها خلال الفترة التي قضتها تحت سيطرة داعش، وتعرض جميع المحامين لتهديدات ومضايقات لفظية من عناصر "جهاز الأمن الوطني" أو وزارة الداخلية ومكافحة الإرهاب لتقديمهم التمثيل القانوني لمَن تعتبرهم قوات الأمن "دواعش" أو "عوائل داعش"، ما دعاهم للتوقف عن تمثيل المشتبه في انتمائهم إلى داعش أو الأشخاص الذين يُشكّ بارتباطهم بهؤلاء المشتبه بهم حفاظا على حياتهم وخوفا من الملاحقة الجنائية.


الضغوط العشائرية

لا تقتصر صور معاناة المحامين في العراق على ما سبق بل قد يصل الأمر إلى تهديدات من نوع آخر طاولت بعض المحامين، يقف خلفها ذوو المتهمين عندما يختلفون في قيمة أتعاب المحاماة بحسب ما ذكره المحامي باسم الحديثي الرئيس المنتدب لغرفة المحامين في المحكمة المركزية ببغداد، بينما قال المحامي حسين الغرابي من غرفة محامي ذي قار لـ"العربي الجديد"، إن الضغوط العشائرية تمثل صورة مهمة للمضايقات التي يعاني منها المحامون، فضلاً عما يواجهه المحامي في مراكز الشرطة من نظرة دونية تشعره وكأنه تابع للمتهم المدان بنظرهم.


كيف يتعامل المحامون مع استهدافهم؟

قتل 180 محاميا عراقيا، من بينهم 70 محاميا من أهالي الموصل تم استهدافهم بعد احتلال داعش للمدينة، خلال الفترة منذ العام 2003 حتى 31 أكتوبر/تشرين الأول 2018، فضلا عن 15 حالة تهديد موثقة لدى المحاكم المختصة ومراكز الشرطة في المحافظة من بين 500 دعوى مماثلة تم تقديمها لمحاكم العراقية من قبل المحامين، بسبب تعرضهم للتهديدات بحسب تأكيد علياء الحسني مدير إعلام نقابة المحامين العراقيين، والتي قالت لـ"العربي الجديد" إن بعض المحامين العراقيين تعرضوا لتهديدات مسلحة، لكنهم امتنعوا عن تقديم بلاغات للمحاكم العراقية خشية التصفية الجسدية، والبعض الآخر اضطر للهجرة خارج البلاد للسبب ذاته.
وكانت الحسني ذاتها قد تقدمت بشكوى قضائية إلى محكمة تحقيق الكرادة في مايو/أيار 2018 بعد تهديدها بالقتل من خصم موكلتها بدعوى مقامة في محكمة الأحوال الشخصية كما تقول.

تجاهل القانون

يخالف التهديدات والاستهداف الذي يعانيه محامو العراق نصوص المواد 24 من قانون المحاماة رقم 173 لسنة 1965 المعدل، إذ نصت على أن "للمحامي أن يسلك الطريقة المشروعة التي يراها مناسبة في الدفاع عن موكله ولا يكون مسؤولا عما يورده في عريضة الدعوى، أو مرافعاته الشفوية، أو التحريرية مما يستلزمه حق الدفاع"، وكذلك المادة 26 التي تنص على أنه "يجب أن ينال المحامي من المحاكم والدوائر الرسمية وشبه الرسمية والمراجع الأخرى التي يمارس مهنته أمامها الرعاية، والاهتمام اللائقين بكرامة المحاماة، وأن تقدم له التسهيلات التي يقتضيها القيام بواجبه"، إضافة إلى المادة 29 من قانون المحاماة التي تنص على أنه "يعاقب من يعتدي على محام أثناء تأديته أعمال مهنته أو بسبب تأديته بالعقوبة المقررة لمن يعتدي على موظف عام أثناء تأديته وظيفته، أو بسبب تأديتها".

لكن المحامي في محكمة استئناف ذي قار أرشد الصالحي يقول إن المشكلة تكمن في عدم تطبيق النصوص القانونية، وضعف المعنيين في نقابة المحامين عن المطالبة بحقوق زملائهم، رغم أن قانون المحاماة العراقي يوفر بيئة آمنة وحماية من أيدي المجرمين والمتسلطين، مشيرا إلى أن أساليب تهديد المحامين عادة ما تكون عن طريق الاتصال الهاتفي، أو التهديد المباشر، أو عبر مظروف بريدي توضع فيه رصاصة بندقية كلاشنكوف، محملاً ذلك لما اسماه "الضعف الكبير في عمل نقابة المحامين العراقيين".

ويرد العبيدي على اتهام نقابته بالضعف قائلا: "لم تدخر النقابة جهداً في الدفاع عن حقوق المحامين وفي كل الظروف"، منوهاً إلى أن النقابة ليست مؤسسة عسكرية، أو أمنية لتلاحق الجناة، فسلاحها الوحيد هو القانون وتطبيقه والدعوة إلى حماية المحامي، فيما يرى المتحدث باسم وزارة الداخلية، اللواء سعد معن، أن المضايقات التي يتعرض لها المحامون، من قبل الأجهزة الأمنية داخل مراكز الشرطة، أو المحاكم، فردية، مضيفا لـ"العربي الجديد"، أن "نقيب المحامين في العراق على تواصل تام مع وزارة الداخلية بشأن الاعتداءات التي تعترض طريق عملهم".

محاولة حكومية لمواجهة الظاهرة

شكلت الحكومة العراقية بموجب الأمر الوزاري رقم 266 الصادر من مكتب وزير الداخلية، في 23 أكتوبر/تشرين الأول 2018، لجنة مشتركة عليا برئاسة اللواء الحقوق محمد بردي راضي مدير شرطة السكك الحديد رئيسا، وعضوية كل من رزاق أمير رشيد العبيدي أمين سر نقابة المحامين، والعميد عمار علي محمد وكالة الوزارة للاستخبارات والتحقيقات الاتحادية، والعميد الحقوقي يوكسل شكور زين العابدين مهدي الدائرة القانونية، والعميد الحقوقي محمد شاكر جاسم قيادة قوات الشرطة الاتحادية للنظر في شكاوى المحامين والاعتداءات التي يتعرضون لها أثناء مزاولة عملهم الوظيفي وخاصة موضوع المطالبة العشائرية، على أن تباشر اللجنة أعمالها فورا وتعرض نتائجها شهريا، وفق نص الأمر الذي حصلت "العربي الجديد" على نسخة منه.

بالفعل فإن أعضاء اللجنة عقدوا اجتماعاً تشاورياً لمناقشة الاعتداءات التي يتعرض لها المحامي وسبل مكافحتها، والحد منها في 12 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي بحسب العبيدي، الذي قال أن اللجنة خصصت رقما مباشرا في حال حصول أي اعتداء يستوجب التدخل الفوري، فضلا عن تعيين سكرتير للجنة يرتبط مباشرة بوزير الداخلية العراقي. فهل تتوقف الاعتداءات والاستهداف الممنهج؟ سؤال تطرحه مصادر التحقيق.