استمرار الاحتجاجات في مناطق سيطرة حفتر: تهديد للعملية السياسية؟

استمرار وتيرة الاحتجاجات في مناطق سيطرة حفتر: هل تشكل تياراً جديداً يهدد العملية السياسية؟

14 سبتمبر 2020
ملامح رفض شعبي لكل الاتفاقات السياسية (Getty)
+ الخط -

لا تزال الاحتجاجات الشعبية تتجه إلى التوسع، وتزيد وتيرتها في شرق ليبيا، في الوقت الذي عادت بشكل أقل في العاصمة طرابلس، ما ينذر بتطور ليبي جديد قد يعرقل إتمام أطراف الصراع المشاورات واللقاءات السياسية بينها، تعاطياً مع رغبة دولية وأممية في إنهاء أزمة البلاد سياسياً. 

وحذّر خبراء في الشأن الليبي من مغبة فشل الأطراف الليبية في تهيئة الرأي العام لإقناعه بقبول نتائج المشاورات واللقاءات الحالية والمقبلة، خصوصاً مع ظهور هتافات وشعارات في صفوف المحتجين تطالب بإزاحة كل المكونات السياسية القائمة في المشهد.

وارتفع صوت الغضب في صفوف المتظاهرين في بنغازي، التي استمرت فيها الاحتجاجات الشعبية لليلة الرابعة على التوالي، مطالبة بـ"محاسبة الفاسدين" في الحكومة الموازية المنبثقة من مجلس نواب برقة، وأصوات أخرى نادت برفض تقاسم المكونات السياسية الحالية للمناصب السيادية، لكونها "ذات الوجوه التي سبّبت تردي معيشة المواطن"، بحسب عبد السلام البرغثي، أحد قادة الاحتجاجات في بنغازي.

وبينما أعلنت الحكومة الموازية، التي تتخذ من البيضاء شرقيَّ البلاد مقراً لها، تقديم استقالتها لرئيس مجلس نواب طبرق عقيلة صالح، مساء أمس، حاول بيان للمجلس تبرير موقفه من الاحتجاجات وإبعاد المسؤولية عنه بالتشديد على محاسبة الحكومة على كل الملفات المتعلقة بسوء الأحوال المعيشية المتصلة بأزمات الكهرباء ونقص السيولة النقدية وتفشي وباء "كورونا".

وسارع الناطق الرسمي باسم اللواء المتقاعد خليفة حفتر إلى الظهور في مؤتمر صحافي استثنائي، في محاولة لتطويق الغضب الشعبي، وللتهرب من مسؤولية حفتر عن الانهيار الاقتصادي الكبير بسبب إقفالات النفط.

وقال المسماري: "إننا نتابع كل هذه الأزمات المفتعلة، ومن حق الليبيين التمتع بخيرات بلادهم"، مؤكداً أن حفتر أمر مليشياته بـ"تأمين التظاهرات عسكرياً، بشرط أن يكون المتظاهرون في الميادين العامة وبالنهار فقط"، محذراً من استغلال الاحتجاجات من قبل ما وصفها بـ"العناصر الإخوانية والتكفيرية لضرب الأجهزة الأمنية وانهيارها". 

وعلق البرغثي في حديثه لـ"العربي الجديد" بأنها "محاولة لاسترضاء المتظاهرين، وأن القيادة العامة ( قيادة مليشيات حفتر) ليس فيها عسكريون متورطون في افتعال أزماتنا، وأنها تقف في صف المتظاهرين".

وتزامناً مع تناقل صفحات التواصل الاجتماعي نبأ مقتل مواطن برصاص مليشيات حفتر في مدينة المرج بعد مظاهرة حاشدة أمام مقرات حفتر العسكرية بالمدينة، ليل السبت الماضي، طالبت البعثة الأممية، ليل أمس الأحد، بضرورة "إجراء تحقيق شامل وفوري" بشأن التجاوزات التي صاحبت الاحتجاجات في مدن شرق ليبيا و"إطلاق جميع المعتقلين والمحتجزين تعسفاً".

وأكدت البعثة مقتل مدني واصابة ثلاثة آخرين واعتقال عدد آخر خلال الاحتجاجات في شرق البلاد، بسبب "استخدام مفرط للقوة من قبل السلطات في الشرق ضد المتظاهرين السلميين في مدينة المرج"، مؤكدة أن هذه الاحتجاجات "جاءت جراء إحباطات مستفحلة بشأن استمرار الظروف المعيشية السيئة ونقص الكهرباء والمياه واستشراء الفساد وسوء الإدارة، وعدم توفير الخدمات في جميع أنحاء البلاد".

تزامنا مع تناقل صفحات التواصل الاجتماعي نبأ مقتل مواطن برصاص مليشيات حفتر بمدينة المرج بعد مظاهرة حاشدة أمام مقرات حفتر العسكرية بالمدينة، ليل السبت الماضي، طالبت البعثة الأممية، ليل أمس الأحد، بضرورة "إجراء تحقيق شامل وفوري" بشأن التجاوزات التي صاحبت الاحتجاجات في مدن شرق ليبيا و"إطلاق جميع المعتقلين والمحتجزين تعسفيا"

وبينما دعت البعثة إلى ضرورة استئناف إنتاج النفط لتحسين الظروف الاقتصادية والعودة إلى حوار سياسي شامل، أكد البرغثي استمرار جهود عدد من النشطاء المدنيين في الشرق الليبي لقيادة المظاهرات بشكل أكثر تنظيماً ليل هذا اليوم، ورفع مطالب المحتجين بتنحي القادة السياسيين، بعد مطالباتهم بإسقاط الحكومة الموازية.

ويرى الناشط السياسي الليبي عقيلة الأطرش، أن سلطة حفتر في شرق البلاد في طريقها للانكشاف بعد استقالة الحكومة الموازية بقيادة عبد الله الثني، مشيراً إلى أن كامل الشرق لم تعد فيه سلطة، باستثناء حفتر، وهو ما حدا المسماري إلى الخروج ومحاولة التنصل والتهرب من المسؤولية.

ورغم محاولة المسماري اتهام من وصفهم بـ"الفاسدين" بافتعال أزمات المواطن، إلا أن المؤسسة الوطنية للنفط وأطرافاً إقليمية ودولية أجمعت على أن حفتر وراء قرار غلق النفط والمماطلة في استجابتهم لمطالب إعادة استئناف نشاطه، آخرها بيان السفارة الأميركية في ليبيا التي أكدت تعهد حفتر بإعادة إنتاج النفط وتصديره في موعد أقصاه 12 سبتمبر/ أيلول.

ومقابل عدم استجابة حفتر لرسائل الوعيد المبطنة من جانب السفارة الأميركية حتى الآن، بحسب الأطرش في حديثه لــ"العربي الجديد"، فإنه يرى أن "قرار قفل النفط واستئناف نشاطه بات واضحاً أن من يمتلكه طرف خارجي، وحفتر لم يكن سوى مجرد منفذ"، مرجحاً أن "يكون الروس والإماراتيون هم من يقفون وراء قرار إغلاق مواقع النفط".

وفي الوقت الذي طالبت فيه بيانات المحتجين في بنغازي، عبر فيديوهات تناقلتها وسائل التواصل الاجتماعي، بـ"رحيل كل الفاسدين"، ومنهم عبد الرزاق الناظوري، رئيس الأركان العامة المعيَّن من مجلس نواب طبرق، وصدام نجل حفتر، قالت بيانات أخرى إن أي حوار خارج البلاد "لا يمثلنا"، بل عبّرت عن رفض تقاسم الوجوه السياسية الحالية للمناصب السيادية، وسط أصوات تنادي برحيلهم.

وفي طرابلس، احتشد العشرات من المواطنين أمام مقر المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق، منددين بقرارات رئيس المجلس فايز السراج، بشأن تعيين قيادات تنتمي إلى النظام السابق وعجزه عن حلحلة أزمة الكهرباء وتحسين الظروف المعيشية، وإن لم تعد الاحتجاجات في طرابلس بذات الوتيرة السابقة التي انطلقت بها خلال الأيام الأخيرة من الشهر الماضي، وبذات قوة الاحتجاجات في الشرق الليبي. 

وفي السياق، أكدت الصحافية الليبية نجاج الترهوني، أن عودتها في طرابلس واتخاذها هذه المرة لمسمى "حراك بركان الشعب" قد يمهد لنشاطها، ولا سيما مع عجز الحكومة والمجلس الرئاسي عن تلبية مطالب المواطنين وتحسين أوضاعهم المعيشية.

لكن الترهوني، في حديثها لـ"العربي الجديد"، رصدت في بيان المحتجين أمام المجلس الرئاسي نبرة متابعة لما يدور في لقاءات المغرب وسويسرا بين الممثلين السياسيين، وإشارات للتعبير عن رفضها لمسار تقاسم المناصب السياسية على أساس جغرافي، معتبرة أن الأطراف السياسية قد تواجه رفضاً شعبياً شاملاً إذا ما استمرت في تجاهل صوت الشارع وتهيئة الرأي العام للقبول بنتائج اللقاءات السياسية المقبلة، خصوصاً أن مسمى الحراك يستأنس بمسمى عملية "بركان الغضب" التي شارك أفراد منها في الوقفة الاحتجاجية أمام مقر الرئاسي.

ورغم التوجس والخوف الذي تضمنه مؤتمر المسماري الصحافي على أوضاع حفتر، بحسب الترهوني، إلا أنها ترى أن "القادة باختلافهم في البلاد لم يستوعبوا حتى الآن خطر إمكانية خروج الأوضاع عن سيطرتهم"، معتبرة أن إعلان حكومة الثني استقالتها وتعليق قبولها بقبول عقيلة صالح "مجرد مماطلة ومحاولة لامتصاص الغضب، لكنها خطوة كارثية ستزيد من غضب الشارع عندما ستنكشف قريباً، فصالح وحفتر لن يقبلا بأن يكونا في مواجهة الشارع، وكثيراً ما اختفيا وراء حكومة الثني".

وترجّح الترهوني اتساع دائرة الاحتجاجات في ظل عجز السلطات عن تلبية مطالبهم التي لم يعد المواطن يحتملها، ما قد يهدد كل المكونات السياسية القائمة، وربما استشعر الفاعلون الدوليون هذا الأمر عندما أشار بعضهم إلى ضرورة تهيئة قيادات الصف الثاني بعد السراج وصالح لتولي المشهد المقبل.​