نشأ "اتّحاد الكتّاب التونسيين" في سبعينيات القرن الماضي. على الورق، آلى على نفسه النأي عن العمل السياسي والدّيني، أو الانجرار وراء تيّار فكري أو أدبي بعينه، وهو ما نطّلع عليه من خلال قانونه الأساسي.
غير أنّ المتأمّل في مسيرة الاتّحاد ومواقفه، لا ينزّهه عن الانخراط في العمل السياسي المتحزّب عبر كلّ المراحل السياسية التي مرّت بها تونس. فمنذ البداية، كان مؤسّسوه، أو لنقل أغلبهم، من أعضاء الحزب الحاكم (والوحيد) آنذاك، أو الملتحقين به، إلا قلّة حافظت على استقلاليتها. وبذلك، ذهب الاتّحاد بمن فيه إلى مباركة خيارات السلطة.
خلق هذا الوضع موجة من مثقّفين وكتّاب يتنافسون في التقرّب إلى السلطة، في مخالفة واضحة لمبادئ الاتحاد المعلنة وتعارض مع أخلاقيات المثقّف. صحيح أن السلطة دائمة الحاجة إلى المثقّفين، بما يمدّون خياراتها من مشروعيّة، لكن الأخطر هو تحوّل هذا الهيكل إلى مجال لانزلاق المثقف، ثمّ إلى انخراطه في العمل الثقافي المُسيّس، حتى بات الاتحاد أشبه بورشة للعمل السيّاسي، تزوّد خيارات السلطة بالختم الثقافي.
على امتداد أكثر من ثلاثة عقود، انحصرت رئاسة الاتّحاد في ثلاثة أشخاص؛ محمد مزالي، الذي أصبح الوزير الأول بداية من 1979، ومحمد العروسي المطوي، ثم الميداني بن صالح اللذان بقيا ربع قرن على رأس الاتحاد، وهو بقاء سياسي بامتياز.
وحين تكرّس دور الاتحاد في مهمة التزلف للسلطة، فرّط في دوره في جلب منافع عامّة للكتّاب التونسيين، لتصبح هذه المنافع شخصية. في مؤتمر 2006، وصل صلاح الدين بوجاه إلى رئاسة الاتحاد، ثم سرعان ما غادرها بعد انقضاء ولايته (2006 - 2008)، وهي فترة خلت من المناسبات السياسية الكبرى.
في مؤتمر 2008، وصلت الشاعرة جميلة الماجري إلى رئاسة الاتحاد بتدخّل مباشر من السلطة في سياق شعار يردّده النظام، وهو وجود المرأة على رأس المنظمات الوطنيّة، من دون أن ننسى أنّ عام 2009، كان عام الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، ولا بدّ من برقيّة مناشدة من الاتحاد في هذا الغرض.
في الصفّ الثاني من تيار الموالاة، نجد مكاسب من نوع نشر المؤلفات واقتناء كميات كبيرة منها، أو رحلات عشوائيّة إلى الخارج والاستفادة من نظام الانتقائيّة في اختيار رؤساء فروع الاتحاد بالجهات الدّاخليّة أو الفروع بالخارج على قاعدة الموالاة لرئيس الاتحاد، والقيام باشتركات سنويّة في دوريّات موالية للسلطة.
يحتوي الاتحاد أيضاً على شق مُسيّس خارج المنظومة الحاكمة، هؤلاء هم مزيج من الفكر القومي واليساري. في لحظة ما، قفز الصراع بين هذه الأجنحة على السطح، فتعالت الاتهامات، خصوصاً في المؤتمرات؛ حيث تذمّروا من الإقصاء الممنهج الذي مورس ضدّهم. رفع هذا الصراع من منسوب التسييس داخل الاتحاد، بل التحزّب نفسه، الذي أصبح جليّاً عبر المعلّقات الحائطيّة على واجهة مقرّ الاتحاد.
توالت في سنوات الألفية الجديدة الاستقالات والانشقاقات، وفكّر بعضهم في إنشاء اتحادات موازية، مثل جلّول عزّونة الذي أسّس "رابطة الكتّاب التونسيين الأحرار"، فيما فكّر محمد الصغيّر أولاد أحمد في مشروع تأسيس نقابة للكتّاب التونسيين.
طبعاً، كانت الثورة فرصة لاسترداد الاستقلالية وتصحيح المسار، أُقصيت عدة أسماء وأقيمت انتخابات جديدة. لكن بمرور الوقت، لم تتغير خارطة الاتحاد؛ فالأصوات مشتتة والعديد من أسماء "تيار الموالاة" في السابق لبسوا ثوب الثورة وتكلّموا باسمها، وسدّوا الطريق أمام تغيير جذري لواقع الاتحاد. حتى أنّ مؤتمر 2011، عرف هو الآخر موجة استقالات.
إلى اليوم، لن نجد شعوراً لدى كتّاب تونس بأن ثمة اتحاداً يمثّلهم. إن التساؤل مطروح حول مستقبل هذا الهيكل، هل سيظل رهينة لدى المتسيسين أم أن إرادة ستصعد لتتبني بيتاً حقيقياً لكتّاب تونس؟