إيفيلن ودوروثي.. أجنبيتان قررتا الإقامة في مصر

إيفيلن ودوروثي.. أجنبيتان قررتا الإقامة في مصر

08 مارس 2017
(Getty)
+ الخط -
ما بين سحر الريف وعبق التاريخ اختارت كل من إيفيلن ودوروثي الإقامة في مصر دون العودة إلى بلديهما إلا للزيارات العابرة، الأولى تعيش حياة الفلاحة المصرية، والثانية عاشت على أنها كاهنة في أحد المعابد الفرعونية، ومن بين عشرات الأجانب الذين يأتون الى مصر وتجذبهم المعيشة في محافظاتها بل وبعضهم من يوصي بالدفن فيها، تبقى قصتا إيفيلن ودوروثي من أشهر هذه القصص التي ارتبطت بأهالي المحافظات التي عشوا فيها، بل وتعد بيوتهم مزارات سيوجهك الأهالي لزيارتها بمجرد أن تطأ أقدامك قرية تونس بالفيوم أو مركز البلينا بسوهاج.

إيفيلن.. "الست الكبيرة"
في أوائل الستينيات من القرن الماضي زارت السويسرية، إيفيلن بوريه، قرية تونس بمحافظة الفيوم بصحبة زوجها الشاعر المصري الراحل سيد حجاب لحضور إحدى الأمسيات الشعرية، وقد كانت في الثالثة والعشرين من عمرها، حينما جذبتها بساطة القرية ومناظرها الطبيعية الخلابة، فقرر الزوجان بناء منزل لهما في القرية على طراز "عمارة الفقراء" للمعماري المصري حسن فتحي، وكان ذلك عام 1965، لكن بعد قيام حرب 1967، كان قرار منع الأجانب الإقامة في الريف سبباً في رحيل حجاب وإيفيلن إلى سويسرا لمدة عامين، انفصلا خلالهما، حتى عادت إيفيلن من جديد إلى بيتها بالقرية الريفية التي أحبتها وقررت الإقامة الدائمة فيها . وعلى مدار 45 عاماً قضت إيفيلن حياتها في "تونس" الفيوم، لم تخرج سوى لإقامة معارضها الفنية ثم تعود من جديد.


وسط عشش وبيوت بدائية لم يكن يتوقع أحد أن يكون بيت "إيفيلن وحجاب" النواة التي تحول قرية تونس إلى إحدى القرى ذات الشهرة العالمية، فحينما عادت إيفيلن إلى القرية قررت أن تبدأ في تعليم أهالي القرية فنون صناعة الخزف والفخار، فافتتحت مدرسة "بتاح"، والتي جذبت أطفال وشباب القرية للبدء في الإنتاج اليدوي، والذي صار لا يقتصر على التداول المحلي، بل بدأت إيفيلن فيما بعد تنظيم المعارض الفنية خارج مصر لعرض منتجات المدرسة والورش التي أنشأها طلابها.

وتشتهر إيفيلن في القرية بلقب "الست الكبيرة"، فيوجه الأهالي أي زائر جديد إليها أولًا، إذ تتحدث اللغة العربية كالمصريين، على حد وصف إحدى طالباتها في تقرير صحيفة الحياة اللندنية عن القرية، والذي قالت فيه إيفيلن، والتي تجاوزت السبعين عامًا حاليًا، إنها لا تحب أن يعاملها أحد كسائحة أجنبية، فهي تقريبًا عاشت أغلب عمرها في القرية، كما تؤكد إيفيلن في كل حواراتها أنها تحلم أن تتحول القرية إلى عاصمة للفنون والجمال، إذ ترى أن القرية تحفة جمالية تجمع الخضرة والجبال والمياه وبساطة سكانها، فكان لذلك الأثر في جذب العديد من الأجانب من مختلف الجنسيات الذين جاءوا لزيارة القرية ثم قرروا بناء بيوتًا لهم فيها على نفس طراز بيت إيفيلن، ليصل عددها إلى نحو 250 بيتاً حتى الآن، من أشهرهم بيت دينيس جونسون ديفيز، أول من قام بترجمة روايات الأديب العالمي نجيب محفوظ إلى الإنكليزية، وقد أشهر إسلامه في القرية وأطلق على نفسه اسم عبد الودود، ولا يزال يحضر إليها كل شتاء ليكتب.

دوروثي.. "أم سيتي"
في الجنوب، تعد قصة البريطانية دوروثي لويس، المعروفة بـ "أم سيتي"، إحد أشهر القصص المعروفة في أوساط الأهالي في محافظة سوهاج، وذلك لما لها من تفاصيل غريبة بدأت منذ طفولة دوروثي التي أصابها هوس حب مصر بعد زيارتها المتحف البريطاني وتعرفها على القطع الأثرية الفرعونية المعروضة فيه. إذ كانت تعتقد أنها كانت في الحياة السابقة كاهنة فرعونية في معبد أبيدوس، وحينما كانت تخبر والداها اعتراهما القلق لدرجة أنهما عرضاها على طبيب نفسي لمعالجتها.

وفور انتهائها من مرحلة الدراسة، تعرفت دوروثي على أحد المصريين، والذي كان يعمل في لندن، وتزوجت منه، وجاءت معه إلى القاهرة، لكنهما انفصلا بعد فترة، وقد أنجبت منه طفلاَ أطلقت عليه اسم "سيتي"، على اسم سيتي الأول، فرعون الأسرة 19 بمصر القديمة، ووالد رمسيس الثاني، وصاحب معبد أبيدوس الموجود بمركز البلينا جنوب محافظة سوهاج بصعيد مصر، وقد كانت دوروثي منذ صغرها تردد أنها ستنجب طفلاً بهذا الاسم.

فقررت أم سيتي الاستمرار في الإقامة بمصر، خصوصًا أنها كانت قد حصلت على وظيفة في أحد فرق التنقيب في منطقة الأهرامات، فتعرفت وقتها على زاهي حواس، الأمين العام السابق للمجلس الأعلى للآثار، والذي كتب عنها مقالًا في صحيفة الأهرام قال فيه إنها عملت مع عالم المصريات الشهير سليم حسن وإنها كانت ماهرة في قراءة اللغة الهيروغليفية وإنها طوال الوقت كانت تتحدث عن أنها كانت تعيش في مصر في حياة سابقة.

كانت دوروثي تزور معبد أبيدوس من حين لآخر، حتى لاحت لها فرصتها الذهبية بحصولها على فرصة عمل في سوهاج، هنا قررت الانتقال إلى الإقامة هناك، وكان بيتها الواقع بالقرب من المعبد معروفاً للجميع، عاشت فيها حتى 1981 حيث توفّت عن عمر يناهز 77 عامًا، وما زال بيتها حتى الآن مزارًا يزوره من يريد أن يتعرف على قصة "أم سيتي".

المساهمون