إجهاض حراك بيروت... كل شيء مُباح لدى السلطة

27 اغسطس 2015
وثق المتظاهرون موقفهم من حزب الله بالرسومات (حسين بيضون)
+ الخط -
نجح الحراك الشعبي المستمر في وسط بيروت منذ يوم السبت الماضي في إحراج كل الطبقة السياسية ومكوّنات الحكومة اللبنانية. دفع هذا الأمر أحزاب السلطة إلى محاولة خنق التحرك بشتى الوسائل بعد عجزها عن توظيفه سياسياً بما يتناسب مع مصالحها. حاولت الأطراف السياسية أولاً تدارك الشارع واستمالته، فخرجت المواقف الداعمة للناس وحقوقها من موقع السلطة. تجاوز الناشطون، في حملة "طلعت ريحتكم" وغيرها من التجمعات والتيارات الداعية للحراك، هذه الفخاخ السياسية ونجحوا في تعرية السلطة التي لم تجد سبيلاً للمواجهة إلا الانقضاض السياسي والأمني على الناشطين. عندها تحركت القوى الأمنية وضربت التظاهرة الشعبية بشكل عنيف واعتقلت أكثر من مائة متظاهر على مدى ثلاثة أيام متتالية، منذ ليل السبت وحتى ليل الثلاثاء ــ الأربعاء. وتخلّلت ذلك أيضاً، محاولة توريط الناشطين في أعمال شغب في ساحة رياض الصلح في وسط بيروت، حيث مقرّ الاعتصام، لكون هذه الساحة تربط بين مقرّي مجلس النواب ومجلس الوزراء.

اقرأ أيضاً: الحكومة اللبنانية تواجه الشارع: محاولات لتخريب التحرك والاستثمار السياسي 

لكن كل هذه الضغوط لم تفلح في كبح الموجة وضربها، إذ استمرّت مشاركة الآلاف في الاعتصام ورفع المطالب. فشلت محاولتا الاستيعاب والتدمير الداخلي للحراك، ولم يعد في يد أحزاب السلطة سوى العمل على شرذمة التحرك من خلال إعطائه صبغات وتلوينات سياسية. وتتصدّر قوى 14 آذار، وعلى رأسها تيار المستقبل، هذه الحملة الجديدة، إذ تتّهم المتظاهرين بأنهم أداة في يد حزب الله. كذلك يصنع المستقبليون من هذا الحراك مؤامرة يهدف منها الحزب إلى السيطرة على البلد والضغط على الحكومة، تمهيداً لتنفيذ انقلاب سياسي أو شعبي يحضّر له الحزب. ورفع نواب في تيار المستقبل أيضاً معادلة جديدة تقول إنّ السراي الحكومي مقرّ للطائفة السنية يجب الدفاع عنه. مع العلم أنّ التيار نفسه قاد تظاهرات ضد السراي خلال ولاية حكومة الرئيس نجيب ميقاتي، وقام أنصاره أيضاً بأعمال شغب وإخلال بالأمن خلال محاولتهم اقتحام مقرّ رئاسة الحكومة، مثلما تظاهروا وأسقطوا حكومة الرئيس عمر كرامي عام 2005.

اقرأ أيضاً: دروس تظاهرات بيروت: إدارة الاحتجاجات حاجة ملحّة

يتصدى "المستقبل" وحلفاؤه لحركة الناشطين اللبنانيين المعترضين على أداء السلطة (وحزب الله جزء أساسي منها). فتضع هذه القوى نفسها في مواجهة مباشرة مع شعارات الفشل الحكومي في معالجة ملفات النفايات والكهرباء والتعطيل السياسي الحاصل على مستوى الحكومة ومجلس النواب والشغور الرئاسي، كما لو أن المستقبل وحلفاءه هم المستهدف الأول من هذه الشعارات. تصدّ هذه الأطراف الحراك بصدرها وتجنّب خصومهما السياسيين وشركاءها في السلطة على حدّ سواء (ومنهم حزب الله أيضاً) هذا الحرج. في حين أتى أذكى تعامل سياسي مع التحرك الشعبي من جانب النائب وليد جنبلاط الذي وضع نفسه في قلب الطبقة السياسية وقال "ريحتنا طالعة"، ولو أنه يُعارض مطلب الناشطين بإسقاط الحكومة. أما النائب ميشال عون وتكتله النيابي فحاول تبني الحراك أيضاً، لكن سرعان ما اصطدم بالشعارات التي دعته إلى تحقيق انسجام الحد الأدنى بين مواقفه وأدائه السياسي، والاستقالة من الحكومة ومجلس النواب قبل التعبير عن دعم مطالب التحرك. حتى إنّ المعتصمين طردوا الوزير العوني، إلياس بو صعب، عند محاولته الدخول إلى الساحة للتعبير عن تضامنه مع التحرك.


اقرأ أيضاً: لبنان: عشرات الجرحى في مواجهات بين متظاهرين والقوى الأمنية 

في القلب الآخر، يمكن لصمت حزب الله إزاء التحرك والاتهامات الموجهة إليه بدعمه وتوظيفه سياسياً أن يترك بعض علامات الاستفهام في عقول الناس والمتابعين. لكن اللافتات والصور المرفوعة في ساحة الاعتصام توضح بما لا لبس فيه أنّ المعتصمين يساوون ما بين كل مكوّنات الطبقة السياسية. حزب الله شريك في السلطة وصور وزرائه مطبوعة إلى جانب بقية الطاقم الحاكم المتّهم بالفساد في الحكومة، وكتلته النيابية مدّدت لنفسها أيضاً كما سائر الكتل النيابية، حتى إنّ الدعوة الأساسية للاعتصام وضعت مقرّ رئاسة مجلس النواب هدفاً للاحتجاج، بما في ذلك التصويب على الرئيس نبيه بري حليف حزب الله وتوأمه السياسي في الطائفة الشيعية.

تيار سياسي بحجم حزب الله، والذي بات لاعباً عسكرياً في الحرب السورية وطرفاً سياسياً على الساحة الإقليمية، ليس بحاجة إلى توظيف عشرات الناشطين واستغلال آلاف المشاركين في تظاهرات وسط بيروت للتعبير عن موقف سياسي أو فرض واقع ما على الساحة اللبنانية. فالحزب يجاهر أساساً بتعطيل البرلمان والحكومة وفرض الشغور الرئاسي كما يتغنّى بترسانته العسكرية عند كل مناسبة، فهل هو بحاجة إلى غطاء حملات مدنية للاحتجاج على الحكومة؟ تريد قوى 14 آذار إقناع الناس بأنّ الحراك المدني في وسط بيروت جزء من منظومة حزب الله، فيمكن بذلك لخطاب سياسي مماثل أن يفسّر أسباب التراجع الحاصل في هذا الفريق منذ عشر سنوات إلى اليوم.