ألمانيا: كورونا يعيد تموضع القوى السياسية لصالح الأحزاب التقليدية

ألمانيا: كورونا يعيد تموضع القوى السياسية لصالح الأحزاب التقليدية

14 يونيو 2020
لاقت الخطة الاقتصادية انتقادات من سياسيي المعارضة (كريستيان ماركارث/Getty)
+ الخط -



جاء إقرار الحكومة الاتحادية الألمانية، الجمعة، لحزمة 130 ملياراً للتخفيف عن الاقتصاد من تبعات وآثار جائحة كورونا، لتحريكه من الجمود خلال الـ18 شهرا المقبلة، ليعيد الأمل والثقة للأحزاب التقليدية الحاكمة بإمكانية تعافي حضورها شعبيا، بعد أن عانت خلال السنوات الأخيرة من تراجع تمثيلي لصالح حزبي "الخضر" و"البديل من أجل ألمانيا" اليميني الشعبوي، إذ استغل الأخير أزمة اللاجئين في العام 2015، وترجمت بوصوله لأول مرة إلى مقاعد البوندستاغ، ليكون أكبر كتلة نيابية معارضة بوجه الائتلاف الكبير بقيادة المستشارة أنجيلا ميركل.

وعلى ما يبدو، فإن حزب المستشارة "المسيحي الديمقراطي" والشقيق الأصغر في الاتحاد المسيحي "الحزب الاجتماعي المسيحي" في بافاريا، كما و"الاشتراكي الديمقراطي الشريك" في الائتلاف الحاكم، توصلت بطروحاتها حيال كورونا إلى التحرر من التراخي والتعثر في إدارة الشؤون العامة، لا سيما أن الحزمة خدمت مصالحها، وستشكل دفعة قوية لخلق تعاف سريع وتعزز القدرة الشرائية للمواطن، وتفادي إفلاس الشركات. 

وارتأى الائتلاف ألا يعطي المال لمرافق الرعاية، وقامت بتقديمها لنواة المجتمع ( 300 يورو لكل طفل)، الذي على ما يبدو أنه ممتن للخطوات والتدابير الحاسمة والصارمة التي اعتمدتها الحكومة بزعامة ميركل، وبدأ يتلمس نتائجها مع خروج البلاد تدريجيا من الإغلاق الذي تسبب به الوباء لفترة ثلاثة أشهر تقريبا.

وتفيد الاستطلاعات، بينها ما عرضته صحيفة "زود دويتشه تسايتونغ" أخيرا، أن 68% من المستطلعين راضون عن الحزمة وحجمها، وعبروا بإيجابية عنها، بينما وجد 22 % منهم أنها ليست جيدة، و10% لم يحسموا موقفهم، مع العلم أن البوندستاغ سيسرع البت بها مع بدء مداولاته الأسبوع المقبل، لينتهي بالتصديق عليها مع مجلس الولايات وتصبح في جزء منها نافذة اعتبارا من الأول من يوليو/ تموز المقبل.

وتبرز التحليلات أن حسن الإدارة والتنسيق بين أركان الائتلاف وآلية التعاطي مع كوفيد 19، أجهضت كل التوقعات التي كانت تفيد بأنه، وبعد انتخابات البوندستاغ العام المقبل ومغادرة ميركل مقر المستشارية، فإن اتحادها المسيحي سيتوق للتحالف مع حزب "الخضر"، على أن يغادر الاشتراكي إلى صفوف المعارضة لاكتساب المزيد من الشعبية التي خسرها في المرحلة الماضية

ومع عودة التفاهمات على الملفات ورضى الجمهور، يظهر أن "غروكو" اتخذ مرة أخرى خطوة تصالحية، والوضع بات مغايرا حاليا، ما قد يمكن "الاشتراكي" من الرجوع إلى التحالف التقليدي مع الاتحاد المسيحي بعد انتخابات 2021، وليبتعد أيضا الأخير عن تحالف اضطراري هش مع أحزاب مثل "الليبرالي الحر" و"الخضر"، بعد أن أثبت الائتلاف أخيرا صدقيته في التعامل مع المجتمع الألماني وتطمين الناس باتخاذه قرارات سياسية بناءة دفعت لخلق نوع من ثقة بالحكومة، التي تقوم بأداء واقعي لمنع الركود، أو على الاقل الحد منه

من جهة ثانية، فإن بعض التعليقات تفيد بأن الاشتراكي لا يزال بحاجة إلى إحداث نقطة تحول جديدة في صفوف ناخبيه، ولكي يدرك الناخب أن حزمة التحفيز الاقتصادي كان لـ"الاشتراكي" تأثير وبصمات أساسية عليها، وأن الحزب مستمر في العمل لتسجيل نجاحات في إدارة أزمة كورونا، وهو ما أبرزه وزير المالية المنتمي إليه أولاف شولز بـ"أن الهدف من الحزمة الخروج بكامل قوتنا، الأساس هو عدم تأجيل استثمارات المستهلكين والشركات، بل زيادتها في هذه الأوقات المضطربة". 

ورغم ذلك، لاقت الخطة الاقتصادية انتقادات من سياسيي المعارضة، بينهم حزب "اليسار" الذي اعتبر رئيس كتلته في البونستاغ ديتمار بارتش أن "التخفيض المؤقت على الضريبة على
القيمة المضافة سخيف من الناحية الاقتصادية".

 

 

أما نائب رئيس "البديل" شتيفان براندنر فأكد أن الحزمة "غير طموحة"، وأن ذلك "سوف يتلاشى بسرعة، والتدابير قصيرة الأجل وستترك ديونا عالية"، مضيفا أن "الحزمة محاولة مراوغة لتهدئة المواطنين بطريقة أو بأخرى". 

وأشار "الليبرالي الحر"، عبر نائب رئيس كتلة الحزب ميشائيل تويرران، إلى أن "الحزمة تحتوي على بعض الجوانب الجيدة والمهمة، لكن التحالف تعثر بقوة في بعض المقترحات غير الفعالة والمكلفة للغاية"، وفق ما أوردت صحيفة "بايريشه ناخريشتن".

في خضم ذلك، يظهر خبراء اقتصاد أن حزمة الحكومة ربما كانت تحتاج لبعض التحسينات، وألا تعتمد مساعدة المستهلك على الشركات، مشيرين إلى أن "تخفيض الضريبة على الكهرباء والمساهمة بمليارات إضافية، ورفع قيمة المساعدة المباشرة للعائلات عن كل طفل، سيكون بديلا محتملا لخفض الضريبة على القيمة المضافة"، ما يطرح سؤالا عن مدى الإحباط الذي سيصيب المستهلك إذا ما انخفضت الأسعار بشكل ضئيل، وانتهت المليارات في صناديق الشركات، متسائلين: "لماذا يعين على المواطن الاعتماد على الشركات لتوفير البعض من الأموال، بدلا من الحصول على المساعدة السريعة والمباشرة من الدولة كما حصل مع الشركات؟".