أسواق الأضاحي بلا زبائن: عزوف المستهلكين في سورية وليبيا واليمن

أضاحي في ليبيا (محمود تركية/ فرانس برس)
31 يوليو 2020
+ الخط -

إسطنبول، طرابلس، صنعاء- عدنان عبدالرزاق، أحمد الخميسي، محمد راجح

حاول مواطنون في الدول التي تعاني من الحروب والاضطرابات إدخال البهجة إلى أسرهم عبر شراء الأضاحي، رغم الأزمات المعيشية المتفاقمة التي يعانون منها، عبر وسائل عدة وأبرزها الاقتراض من المصارف، كما حضر دور المنظمات الإغاثية في بعض الأحيان لتوفير اللحوم للفقراء، ولكن في المقابل عزف الكثير من المستهلكين عن الشراء في ظل تدهور قدرتهم الشرائية. 

سورية: ارتفاع قياسي للأسعار
قفزت أسعار الأغنام في سورية، خلال موسم عيد الأضحى بأكثر من 200% قياساً مع أسعار العام الماضي، حسب مصادر متطابقة لـ"العربي الجديد" من دمشق الخاضعة لسيطرة نظام بشار الأسد، ومن المناطق المحررة شمال غرب سورية التي تسيطر عليها المعارضة.
وارتفع سعر خروف الأضحية في العاصمة السورية، إلى ما بين 500 و550 ألف ليرة سورية، في حين تعدى سعر العجل مليوني ليرة (الدولار = 2350 ليرة).
وتراوح سعر خروف الأضحية بالشمال السوري المحرر، حسب العامل بالشأن الإغاثي، محمود عبد الرحمن، بين 1600 و1700 ليرة تركية (الليرة التركية = 330 ليرة سورية)، وهي أسعار توازي الأسعار بمناطق سيطرة الأسد، وتزيد عنها أحياناً، وما أبقى على بعض الأضاحي كما يقول عبد الرحمن، هي المنظمات الإنسانية والتحويلات الخارجية، وإلا لما وجدنا أضاحي بأرياف إدلب وحماة وحلب لهذا العام.
والحال ذاته بمناطق شمال شرق سورية "الإدارة الذاتية" التي تسيطر عليها التنظيمات الكردية، إذ يقول محمود عليان من ريف الرقة لـ"العربي الجديد": ارتفعت الأضاحي إلى أعلى سعر على الإطلاق، فراوح سعر كيلو الخروف الحي بين 6 و7 ألاف ليرة سورية، ناسباً السبب إلى تهريب الخراف السورية إلى العراق وأربيل، بعد زيادة الطلب على الخراف السورية خلال فترة العيد.

ويقول تاجر الأغنام، أحمد خلف، من ريف دمشق لـ"العربي الجديد" إن الطلب على شراء الأضاحي تراجع هذا العام، لكن الأسعار لم تزل مرتفعة. ويضيف: "لم يؤثر تراجع أسعار العلف على الأسعار، لأن عدد الخراف محدود والطلب الخارجي على الخراف السورية كبير، والتهريب متواصل، مشيراً إلى أن مزادات تجري بمناطق الحجيرة وبيت سحم على الخراف ويتم شحنها إلى مناطق الجزيرة لتهريبها " على عكس ما كان يحدث، لأن مناطق الجزيرة وحماة، كانتا مصدر الخراف لكل سورية".
وأكد رئيس الجمعية الحرفية للحّامين بدمشق، أدمون قطيش، أن الإقبال على لحوم الأضاحي لا يزال ضعيفاً حتى الآن، ولا أحد يستطيع التنبؤ باتجاه الأسعار إن كانت سترتفع أم لا.
وأضاف رئيس الجمعية خلال تصريحات إعلامية، أنه يتم حالياً ذبح نحو 500 رأس خروف و40 رأس عجل يومياً في المسلخ التابع للجمعية، ويصل سعر كيلو الخروف المذبوح لنحو 15 ألف ليرة دون دهن "كان سيرتفع أكثر لولا انخفاض التهريب حتى 20%".
ويبلغ بحسب مصادر رسمية، متوسط استهلاك اللحوم بدمشق، قبل ارتفاع الأسعار الحالي، نحو 60 ألف خروف وثلاثة ألاف عجل ونحو 10 ألاف طن دجاج، ولكن تراجعت هذه النسبة الآن إلى أقل من النصف.
ويوجد بدمشق وحدها، نحو 1500 لحام مرخّص، لكن عدد المحال بتناقص بعد الإغلاقات جراء الخسائر وتراجع الطلب على اللحوم بشكل عام، وليس الحمراء فقط، أكثر من 75% خلال العام الجاري.
ويقول الاقتصادي السوري محمود حسين، لـ"العربي الجديد" رغم أهمية الأضاحي بعرف ومعتقدات السوريين، إلا أنها بواقع الأسعار الحالية، باتت ركناً مؤجلاً، أمام الغذاء اليومي والدواء والحرمان وخاصة بمناطق سيطرة النظام.

ليبيا: تراجع الاستيراد
كشفت بيانات الشركة الاشتراكية للموانئ أن عدد الأغنام المستوردة للسوق المحلي بلغ 210 آلاف رأس من المواشي خلال شهري يونيو/ حزيران ويوليو/ تموز منها 200 ألف من الأغنام و10 آلاف من العجول والأبقار بنسبة انخفاض 69% عن العام الماضي.
وتستهلك ليبيا ما يقرب من مليون رأس من الأغنام بمناسبة عيد الأضحى المُبارك، بحسب إحصاءات لوزارة الزراعة والثروة الحيوانية عام 2010. وقامت عدد من المصارف التجارية في ليبيا بمنح قروض حسنة لغرض شراء أضحية للعيد.
ويشتكي المواطنون من غلاء أسعار الأضاحي لهذا العام مع تفاقم الأزمات المعيشية ومنها نقص السيولة بالمصارف التجارية وتأخر صرف الرواتب لشهرين مع تفشي فيروس كورونا المستجد، مما تسبب في إحجام العديد من المواطنين عن شراء أضحية للعيد والاكتفاء بشراء كميات من اللحم. 
ويتراوح سعر الأضحية المحلية بين 1200 دينار (875 دولارا) و2000 دينار (1428) دولارا، بينما يبلغ سعر الخروف المستورد ما بين 650 دينارا و750 دينارًا.
وفي سوق تاجوراء لبيع الأغنام (شرق طرابلس)، أكد المواطن علي الشامس، لـ"العربي الجديد" أن اضحية العيد تضاف إلى معاناة المواطن الليبي بسبب الغلاء وقلة الراتب الشهري فالقطاع العام لم يصرف الرواتب لشهرين والقطاع الخاص معظمه متوقف عن العمل بسبب جائحة كورونا. وقال: لا أستطيع شراء أضحية للعيد لهذا العام لأنه ليس بحوزتي المبلغ الكافي للإنفاق على أسرتي.

وأضاف أنه يعمل في قطاع التعليم ويتقاضى راتبًا شهريا يبلغ 750 دينارا ويعول أسرة مكونة من خمسة أشخاص.
وقال عادل بن رمضان في سوق جنزور للمواشي غرب طرابلس: اشتريت أضحية العيد عبر قرض حسن من أحد المصارف التجارية.
ويقول تاجر المواشي مصباح الترهوني، لـ"العربي الجديد" إن هناك ارتفاعا في أسعار الاضاحي بنحو 15% بالمقارنة مع العام الماضي، موضحا أن الأسعار ارتفعت لدى المربيين وليس التجّار.
ومن جانبه، قال مدير الإدارة التجارية بوزارة الاقتصاد بحكومة الوفاق الوطني، مصطفى قدارة، عبر اتصال هاتفي مع "العربي الجديد" إن السوق متروك للعرض والطلب، مؤكدا أن الاعتمادات المستندية لتوريد الأضاحي لهذا العام نصف ما تم فتحة خلال العام الماضي بقيمة 125 مليون دولار. وأضاف أن جانحة كورونا تسببت في تأخير فتح الاعتمادات.

اليمن: العيد يضاعف الديون
زادت معاناة اليمنيين في عيد الأضحى مع توقف الرواتب وانحسار سبل الدخل والعيش، بسبب تواصل الحروب والصراعات في البلاد.
وأعلنت وزارة المالية في صنعاء الخاضعة لسيطرة الحوثيين صرف نصف راتب للموظفين المدنيين في المؤسسات والهيئات العامة ودواوين الوزارات في العاصمة اليمنية صنعاء وفي المناطق الواقعة في نطاقها الجغرافي، فيما استهجنت الحكومة اليمنية هذا الإجراء واعتبرته تحديا للجهود الأممية والحكومية الهادفة لحل معضلة رواتب موظفي الدولة في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين وفقاً لتفاهمات اتفاق استوكهولم.
ويوضح الباحث الاقتصادي، أحمد عبد الكريم، لـ"العربي الجديد"، أن عيد الأضحى الحالي يعد المرحلة الأكثر صعوبة بالنسبة لليمنيين خصوصاً هذا العام بعد أن فقد كثير منهم معظم مصادر الدخل، بمقابل التزامات يتوجب عليهم الوفاء بها لتلبية احتياجات أسرهم الضرورية الغذائية والاستهلاكية إلى جانب كسوة العيد للأطفال بالإضافة إلى شراء الأضحية. 
ويقول إن اليمنيين اتجهوا إلى استهلاك أصناف غذائية أقل وأرخص ثمناً، واستلاف الغذاء والاعتماد على مساعدة الأصدقاء أو الأقارب، وتقييد استهلاك البالغين لصالح الأطفال، إضافة إلى التخلي عن مجموعة واسعة من المتطلبات في مثل هذه المناسبات.
ويعيش نحو 600 ألف موظف حكومي للعام الرابع على التوالي في معاناة قاسية بسبب توقف مرتباتهم وانقطاع السبل بهم لعدم وجود أي مصادر دخل أخرى تعينهم على سبل العيش الصعبة، إذ يعيلون أسرا يقدر عدد أفرادها بنحو 5 ملايين فرد.
وقال الموظف عبد الله الشيباني، إن نصف الراتب الذي يُصرف فقط ثلاث مرات في العام بالمناسبات مثل عيد الفطر وعيد الأضحى لا يسمن ولا يغني من جوع، بينما اضطر وفق حديثة لـ"العربي الجديد"، إلى الاستدانة لشراء بعض احتياجات العيد الضرورية، إذ لا يتجاوز نصف راتب سعيد 30 ألف ريال (50 دولارا).
فيما يضاعف حلول مثل هذه المناسبات كعيد الأضحى تراكم ديون اليمنيين خصوصاً الموظفين المدنيين كحالة محمد البيضاني، الموظف في وزارة النقل، الذي يؤرقه حسب قوله لـ"العربي الجديد" حلول مثل هذه المناسبات لأنها توسع من ديونه لدى بعض أقاربه الميسورين والبقالات وبائع الخضروات ومراكز بيع المواد الغذائية والاستهلاكية.

المساهمون