"يو"... ذلك الشاب المفرط في ذكائه وشغفه وسذاجته

"يو"... ذلك الشاب المفرط في ذكائه وشغفه وسذاجته

08 يناير 2020
لا يخلو العمل في جزئه الثاني من الضعف (نتفليكس)
+ الخط -


أثار الموسم الأول من مسلسل "You" الذي تبثه نتفليكس الكثير من الآراء المتناقضة؛ فالبعض يرى في العمل مجرد ميلودراما ترسم صورة رومانسيّة لقاتل متسلسل لا يجب الاحتفاء به، في حين أن البعض وجد فيه اتهاماً وتعرية للرجولة إن أرادت الحصول على موضوع رغبتها، ومدى العنف الذي يمكن أن تصل إليه في سبيل خلق "فخ" يقع فيه موضوع الرغبة، يكون فيه الرجل هو الوحيد القادر على تخليص "الضحية" مما تمر فيه. 

بُث الموسم الثاني من "You" أخيراً، وعادت هالة الغرابة لتُحيط بالشخصية الرئيسيّة، جو غولدبيرغ، الذي انتقل إلى لوس أنجليس من نيويورك، وغير اسمه إلى ويل بيتلهايم، بعد أن اختطف مُقرصناً وانتحل شخصيته. ومنذ الساعات الأولى في المدينة الجديدة، تقع عينيه على ضَحيتِه الجديدة، لوف، أو "حب"، لنكتشف لاحقاً أن هذا اللقاء لم يكن مصادفة، بل أوقعها بحباله وبنى سيناريو ليكون هو من ستقع في حبه، بالرغم من أخيها المدمن والمخرج الفاشل.
يدخل هذا الموسم في عوالم المشاهير، سواء الناجحين أو الفشلة، ويتتبع جرائم التحرش التي يمارسونها، والتي تصل إلى حد اغتصاب الأطفال وإنتاج البورنوغرافيا. وبينما يَبني جو فَخّه، ويحاول حماية من حوله، تكتشف لوف حقيقته، لنقف أمام صدمة تكرار السيناريو السابق في الموسم الأول، خصوصاً أن ضحيته الأولى تظهر أمامنا، تلك التي فشل في قتلها وتريد الانتقام منه.
اسم المسلسل ذاته يثير الشكوك لدى المشاهدين؛ فهل من المعقول أن يكون أحد المشاهدين يشبه بطل العمل، جو. لا نقصد على ذات المستوى الهوسيّ والمنحرف، بل بالقدرة على التلاعب العاطفي وبناء شخصيّة لأسر الآخر، والتي لا تقوم على أساس الحقيقة، بل مجرد أداء مُتقن سببه ما يقوله الشخص عن نفسه. وهنا يُبثُ المسلسل الرُعب في المشاهدين، فـ"جو"؛ لا يطارد فقط "ضحاياه"، بل يتعلم عاداتهم ويربي نفسه على حبهم، يُحاول أن يكون لائقاً لأجلهم، هو المخلص والحامي، والمستعد لأي شيء في سبيل أن يكون موضوع حبّ الآخر، ليس فقط جسدياً، بل أيضاً عاطفياً وفكرياً.
لكن، الذكاء المفرط والقدرة الهائلة على الأداء الجدي التي يظهر فيها جو، تتلاشى أمام المصادفات التي يقع بها والتي تؤدي إلى كشفه في الكثير من الأحيان، بالتالي تورّطه بقتل من اكتشف هويته، خصوصاً أنه لا يمتلك أي مهارات خاصة، هو يُراهن على ضعف ضحيته، و"ذكائه" المفرط. نعم هو آسر، لكنه ساذج في الكثير من الأحيان، غير مُحكم، لا يُجيد استخدام التكنولوجيا، وكأنه يُريد أن يقبض عليه أو يكشف، خصوصاً أننا نتعرف في هذا الموسم إلى طفولته، والسبب في ميوله هذه، فهو مستعد لحماية من يُحب، مقابل أن يُحبوه بصورة مُطلقة. وهنا تبدو بعض الفجوات في الحبكة، كيف يختار ضحيته، ماذا لو فاقته ذكاءً؟ وهذا ما يحصل مع لوف التي نكتشف لاحقاً أنها نسخة عنه.
يراهن المسلسل على اليومي والاعتياديّ والمفارقات العاطفية لخلق "الرعب" و"التخويف"، جاعلاً كل ما نراه أشبه بسيناريو محكم بناه غولدبيرغ، وهذا ما يتزعزع في الموسم الثانيّ، وكأنه فقد سيطرته على ما يحدث من حوله، ربما يُحال ذلك إلى أنه في لوس أنجليس، في محاولة لانتقاد المدينة والدوامة التي يدخل فيها أفرادها. لكن هنا يخلق التناقض الآخر، فـ "جو" يتحرك ضمن مساحة محدودة في المدينة، والمفترض أنه يعرف كل من يتحرك ويتجول في هذه المساحة، فكيف لم يخطر له، أنّ من يحاول الإيقاع بها (فتاة من أسرة غنيّة)، قد وظفت تحرياً خاصاً، لا فقط للبحث في تاريخه، بل أيضاً في تاريخ ضحيته الأولى.

يبدو الجميع في النهاية وكأنّهم يبنون فخاخاً لمن حولهم، أشبه بشبكة من الأكاذيب المتنوعة التي يتحرك ضمنها الجميع. هذه الأكاذيب تختفي إما وراء العاطفة أو المال أو النفوذ، وحيوات الأفراد تذهب هكذا، وكأن القتل أمر اعتياديّ، وليس حكراً فقط على غولدبيرغ.

المساهمون