"مكامير" المرض في مصر

"مكامير" المرض في مصر

03 ابريل 2016
يتمنى لو توفر الدولة فرصة عمل له (محمد محمود/الأناضول)
+ الخط -
أصبحت حفر تصنيع الفحم، المعروفة بالمكامير في مصر، من أبرز المخاطر على صحة ملايين المواطنين القاطنين بالقرب من طريق بلبيس - القاهرة الزراعي أو المارين عبرها. هؤلاء يتعرضون لانبعاثات غاز أول أكسيد الكربون السام، مع ما في ذلك من خطر الإصابة بعديد من الأمراض التنفسية والصدرية. كذلك، يتسبب الدخان بانعدام مجال الرؤية الذي يؤدي بدوره إلى كثير من الحوادث المرورية.

تغرق محافظة الشرقية، حيث يقع القسم الأكبر من الطريق، في بحر من وعود المسؤولين القائلة بحلّ هذه الأزمة الصحية والبيئية. وعود لا تنفذ بالقضاء على تلك المكامير أو نقلها إلى أماكن أخرى. في أعقاب ثورة 25 يناير/ كانون الثاني 2011، أصبح الوضع أكثر سوءاً، فقد تضاعفت أعداد المكامير عمّا كانت عليه من قبل، وكالعادة من دون أيّ حسيب أو رقيب من الحكومة والمسؤولين. والضحية في تلك الأزمة العميقة هم الأهالي دائماً.

يقول محمد عثمان، وهو من سكان بلبيس في الشرقية، إنّ معظم الأهالي يعانون من أمراض تنفسية بسبب أدخنة المكامير، والتي تمتد إلى البلدات المجاورة، فيما تكتفي وزارة البيئة والمحافظة بتحرير محاضر وذلك بهدف جمع الغرامات.

من جهته، يقول علي التهامي وهو من الأهالي أيضاً: "تستمر معاناتنا بسبب مكامير الفحم وما نتعرض له من تلوّث وأمراض. أما المحافظة فلم تتحرك لرفع المعاناة عنا".
ابن المدينة نفسها حسن سليمان يقول إنّ أصحاب المكامير يحرقون الأخشاب على جانبَي الطريق الزراعي بشكل بدائي، ومن دون الانتباه إلى حق أهالي المنطقة في تنفس هواء نقي نظيف.

يطالب الأهالي وزير البيئة وكذلك وزير التجارة والصناعة بحمايتهم من جريمة ترتكب في حقهم. ويشيرون إلى إصدار المحافظ الأسبق المستشار يحيى عبد المجيد قراراً يحمل رقم 15 لعام 1999، يقضي بإزالة مكامير الفحم الموجودة على طريق بلبيس القاهرة الزراعي، لكن من دون تنفيذ. يسأل الأهالي: "أين هذا القرار من المحافظين الذين أتوا بعده؟ ما يحدث لنا يعدّ من الانتهاكات في حق الإنسانية، عدا عن اختراق المكامير القوانين".

يؤكد أستاذ علوم البيئة عصام عزت أنّ المكامير التي تبعث غازَي أول أكسيد الكربون وثاني أكسيد الكربون الناتجَين عن حرق الأخشاب، تتسبب في حدوث اختناقات للأهالي، بالإضافة إلى أثرها المزمن في التسبب لهم بحساسية الصدر والالتهابات الصدرية. يشير إلى أنّ الملوّثات الناتجة عن عملية الحرق تختلف بحسب نوع النشاط والكمية المستخدمة فيه. كذلك يلفت إلى الأضرار البيئية الناتجة عن عملية حرق الأشجار، والتي تشكل خطراً أكيداً على البيئة المحيطة بكلّ مكمورة، من النباتات والأشجار إلى مجاري المياه فالأراضي الزراعية.
ويوضح عزّت أنّ المكامير تؤثّر سلباً على التجمعات السكانية، بسبب الدخان والعوادم الناتجة عن احتراق الفحم وانبعاثات أول وثاني أكسيد الكربون، وثاني أكسيد الكبريت. فالفحم في المكامير عبارة عن مخلفات زراعية تتكون من مادة الكربون الناتج عن نزع الماء من النبات. يذكر أنّ الفحم النباتي يصنع من الخشب والحطب، ويدخل في عدد من الصناعات.

من جهته، يؤكد الطبيب محمد ممدوح، وهو أستاذ في حساسية الصدر، أنّ نسب إصابة الأطفال بأمراض الصدر في مركز بلبيس لا تقل عن 35 في المائة، وذلك نتيجة التعرض للفيروسات والغازات السامة التي يستنشقها الأهالي، فالأدخنة الناتجة عن المكامير تحتوي على خليط من الغازات المضرة بالصحة بشكل عام.
يضيف ممدوح أنّ الحرق وما ينتج عنه قد يسبب جلطة دماغية. نسب أول أكسيد الكربون التي تنتج عن عملية الحرق تتخطى النسب المسموح بها في البلاد، إذ يصل تركيز هذا الغاز في هواء مناطق المكامير إلى 1500 مليغرام في المتر المكعب الواحد، في حين أنّ الحد المسموح به في البيئة الصناعية لا يتعدى 500 مليغرام في المتر المكعب الواحد.

أما لجهة تسببه بجلطات دماغية، فيشير ممدوح إلى أنّ ذلك يعود إلى ارتباطه بهيموغلوبين الدم، بالإضافة إلى وجود أكاسيد الكبريت التي تتسبب في إلحاق أضرار بالحياة النباتية والحيوانية وبمواد البناء. وينتج عن حمض الكبريتيك تكوّن ظاهرة التحمض التي تتسبب في تآكل المعادن والحجر الجيري ومواد أخرى تؤثّر سلباً على حياة الإنسان والحيوان والبيئة.
بالعودة إلى الأهالي، يقول عمر رشاد (22 عاماً) من بلبيس إنّه يعمل في صناعة الفحم النباتي في إحدى المكامير. يبرر استمراره بعدم تمكنه من العثور على فرصة عمل أخرى، بينما تستقبل المكامير العاطلين من العمل. يتمنى لو توفر الدولة فرصة عمل له تساعده على عيش حياة كريمة. أما فوزية السيد (40 عاماً) فتعمل في المكامير منذ ثمانية أعوام. لكنّ هذا العمل تسبب لها بالتهابات رئوية حادة وحساسية في الصدر.

في المقابل، يطالب أصحاب المكامير الجهات الرسمية بالتدخل للحفاظ على صناعتهم ومراعاة البيئة في الوقت عينه، من خلال إمدادهم بالتكنولوجيا الحديثة اللازمة لإنتاج الفحم بطريقة علمية حديثة.

المساهمون