"ليفياثان": الكاميرا مثل عينٍ خائفة

"ليفياثان": الكاميرا مثل عينٍ خائفة

15 ابريل 2015
+ الخط -

من الصعب العثور على كتاب أو فيلم روسي يتهكّم أو يفضح انحطاط مؤسسات الدولة الروسية في عهد بوتين ومن سبقوه، مثلما يفعل فيلم أندريه زفياجينتسيف؛ "ليفياثان"، الذي رُشِّح لنيل جائزة أوسكار أفضل فيلم أجنبي لدورة هذا العام، من دون أن ينالها. رغم وقوع أحداث الفيلم في بلدة واقعة على بحر بارنتس في الأقاصي، لكن ذلك لا يمنعه من أن يكون مرآة لأداء حكومة المركز في المدن الكبيرة.

مدخل الفيلم لقطات سريعة فجراً، نرى فيها، على خلفية موسيقى مضطربة، سماء مكفهرّة، حطام سفن وهيكلٌ أبيض لحوتٍ ضخم لا يُعرَف إن كان طبيعياً. ونرى منزلاً كبيراً، وحوله فوضى من ركام معادن. ذلك المنزل والأرض المحيطة به هما محور الدعوة القضائية التي تُنسَجُ حولها الأحداث والمقولات. عمدة البلدة فاديم يطالب بالأرض التي يشغلها المنزل ومرفقاته، متحالفاً مع سلطة الكنيسة الأرثوذكسية التي ينحني أمامها (وفي هذا إشارة إلى النكوص والعودة إلى عهود أدوار الكنيسة، بعد عقود من الانحسار إبّان الإدارة الشيوعية).

 يستميت صاحب الأرض، كوليا الروسي البسيط، المنفعل، مع ابنه الفتى روما، وليلي التي تزوجها بعد وفاة والدة الفتى، تشبُّثاً بأملاكهم. يأتي من العاصمة موسكو صديقه، المحامي ديما، مؤازراً، وبحوزته ملف خاص بفساد العمدة، وهدية في علبة مغلفة للابن روما الذي لا يبدي أي احترام لزوجة الأب الجميلة، المتّشحة بمسحةٍ من الكآبة.

في الداخل، الأصوات العالية ومشاعر القلق، زجاجات فودكا وسجائر، وعلى حفاف النوافذ أزهار ليلي يانعة في الأصص.

يكسب العمدة، ويصدر قرار الحجز على أملاك كوليا. العمدة ثملٌ في بارٍ تتصدّره جداريّة حول "العشاء السرّي". صباحاً يدّعي كوليا على العمدة لقيامه وهو سكران بمحاولة إرغامه على إخلاء منزله من دون إذنٍ من المحكمة، فيُستوقَف هو. يتوالى قهرُ كوليا الروسي، ومن خلاله، يكشف زفياجينتسيف تحكُّم العصابات عبر مؤسسات شرعية، وعدم احترام القانون، فلا يعود للروسي سوى التهكّم المرتعد.

عندما تنفق زجاجات البيرة، يلجأ الشرطي الكهل في ذكرى ميلاده، بصحبة كوليا وآخرين، إلى دريئاتٍ احتياطية للرماية هي صور للزعماء السوفييت والروس، من لينين إلى يلتسين، وليس بينها صور لبوتين، لأنها تُعلَق في أمكنتها المخصّصة داخل المكاتب.

تنكشف خيانة ليلي مع الصديق ديما. أما ملفُّ فساد فاديم الذي أعدّه ديما فلا ينفع رغم خطورته، وعليه يبرَّحُ المحامي ضرباً، ليتقهقر من حيث جاء. ليلي تمكث مع كوليا صامتةً أياماً، لتخرج في فجرٍ إلى البحر، وتنظر من فوق صخرةٍ إلى حوتٍ يرتفع في المياه ويغوص؛ سنعلم لاحقاً بأنّها قضت في البحر.

بقرارٍ من المحكمة يزجُّ بكوليا في السجن مدة 15 سنة متّهماً بقتل زوجته. روما وحيدٌ الآن. صاحب أبيه الشرطي الشاب باشا وزوجته سيكونان وصيّين عليه، وهما شهدا ضدَّ والده في المحاكمة. يهمس روما لهما بأنّ دافعَهما ليكونا أوصياء عليه هو المنفعة المادية.

تعمل ذراع الآلة كديناصورٍ، وتصوّرُ الكاميرا من داخل المنزل كيفَ يُحَطَّمُ السقف وتُخلَعُ النوافذ وتتهاوى الأصص بضرباتٍ من الذراع المعدنيّة. الساحل، السماء المكفهرة، مصبُّ أنهار، الطريق المتربة، اصطفاق الموج مع الموسيقى.

ينهي زفياجينتسيف فيلمه مثلما بدأه، لكن مع اختلافٍ هائلٍ ناتج عن الانطباعات التي تخلّفها فينا الأحداث الفظيعة التي ستختبرها شخصيّة كوليا. سينما زفياجينتسيف مكثّفة طبيعية، تحافظ على الألوان والأمكنة كما هي، أشبهُ بسينما توثيقية، فليس في الأداء مسرحة، بيد أن الكاميرا ترصد غالباً من بعيد، مثل عينٍ خائفة.

المعلومة اللافتة هنا أن وزارة الثقافة الروسية ساهمت بجزء من تكلفة إنتاج الفيلم، ومن ثم هبّت إلى انتقاده.

المساهمون