"تعاونيات" الكويت... حصون الأمن الغذائي في مواجهة اختراق كورونا

كويت يتسوق في أحد المحلات التجارية
11 يوليو 2020
+ الخط -
لم يتوقف الثلاثيني المصري محمد مصطفى يوماً واحداً عن عمله إلى جانب زملائه الكويتيين العاملين في جمعية القيروان التعاونية، إلى أن اكتشف إصابته بفيروس كورونا المستجدّ (كوفيد 19) في الأول من يونيو/ حزيران الماضي، بعد إجراء الفحص، الذي شمل 250 عاملاً وموظفاً في الجمعية، وتبيّنت إصابة 33 منهم بالفيروس، وفق ما قاله رئيس مجلس إدارة الجمعية، فيصل الصفران، لـ"العربي الجديد"، مشيراً إلى أن المصابين قضوا فترة العلاج في مدرسة سعد بن ربيع الأنصاري الثانوية بمنطقة القيروان غربي مدينة الكويت والتي تم تحويلها إلى مشفى ميداني مؤقّت لعلاج المصابين.
مصطفى وزملاؤه يعدّون من بين 3500 مصاب بالفيروس من العاملين في الجمعيات التعاونية حتى تاريخ 25 يونيو/ حزيران 2020، وفق ما أكده المشرف الصحي في إدارة الطب الوقائي بوزارة الصحة، صلاح العلي، لـ"العربي الجديد".
 
ضبط السوق ومنع التلاعب بالأسعار
ساهمت الجمعيات التعاونية، البالغ عددها 68 جمعية، في تأمين الاحتياجات الأساسية للمواطنين والمقيمين، محققة نجاحاً كبيراً في ضبط الأسعار والحفاظ على سلاسل التوريد، رغم المخاطر العالمية، بحسب ما قاله لـ"العربي الجديد" فهد الكشتي؛ رئيس اتحاد الجمعيات التعاونية الاستهلاكية، مشيراً إلى أن الجمعيات وفّرت مخزوناً استراتيجياً يكفي لمدة 12 شهراً، بعد أن كان يكفي لمدة 6 أشهر.
ولدى الكويت تجربة كبيرة في مجال العمل التعاوني، إذ بدأت المحاولات الأولى للتعاون الاستهلاكي بمدرسة المباركية عام 1941، ويؤكد الكشتي أن تجربة العمل التعاوني الكويتية تكاد تكون الأفضل على مستوى المنطقة، بدليل توجّه بعض الدول الخليجية لتطبيقها، لكن موظفيها تعرّضوا لضغط شديد هم والطواقم الطبية منذ بدأت أزمة كورونا، إذ عمل القطاعان بلا توقف لتوفير احتياجات المواطنين والمقيمين، وسط مخاوف بين العاملين من إصابتهم بالفيروس.
 
كيف تفشّى الوباء في الجمعيات؟
منذ تفشّي فيروس كورونا في 24 من فبراير/ شباط الماضي، وصل عدد الإصابات بين العاملين في 3 جمعيات، هي "القيروان، واليرموك، وجليب الشيوخ"، إلى 185 إصابة، وفق ما رصده معدّ التحقيق من خلال مسؤوليها، ومنهم الصفران.
ورغم إلزام العاملين في الجمعيات التعاونية بلبس القفازات والكمامات، وفق تأكيد مسؤولي الجمعيات الثلاث، إلا أن معدّ التحقيق وثق خلال جولته الميدانية التي شملت تلك الجمعيات عدم التزام بعض العاملين فيها بلبس الكمامات والقفازات الواقية، غير أن الصفران قال: "الالتزام بالإجراءات الوقائية موجود، وإذا حدث تجاوز من قبل بعض العمال، فإن سببه يعود إلى ضغط العمل والمسؤولية الكبيرة الملقاة على عاتقهم. لكنها ليست سبباً للإصابات".
 

إذا حدث تجاوز من قبل بعض العمال، يعود سببه إلى ضغط العمل والمسؤولية الكبيرة الملقاة على عاتقهم

 

وأصيب 52 عاملاً وموظفاً في جمعية اليرموك التعاونية، ويعيد المهندس عبد الرحمن الرميح؛ رئيس مجلس إدارة الجمعية، سبب الإصابات إلى الضغط الحاصل على الجميعات واضطرارها لفتح أبوابها حتى في أيام حظر التجول الكلي الذي فُرض خلال الفترة من 10 وحتى 30 مايو/ أيار الماضي، لضمان استقرار توفر الاحتياجات المعيشية الضرورية.

وهو ما يؤيده حامد وحيد؛ مدير أحد الفروع التابعة لجمعية جليب الشيوخ التي تقع في نطاق 6 مناطق فرضت عليها الحكومة الكويتية عزلاً تاماً حتى التاسع من يوليو/ تموز، مؤكداً لـ"العربي الجديد" أن المشكلة تكمن في ازدحام العمال خارج الجمعية قبل السماح لهم بالدخول، ما تسبب في إصابة 100 عامل وموظف بالفيروس، ومنهم البنغلاديشي محمد رشيد (26 عاماً) والذي أعاد إصابته إلى كثرة اختلاطه بالزبائن، كما يقول.
 

 

لكن أحمد الخالدي، الموظف في وزارة والتجارة وعضو الفريق الذي شكّلته الوزارة لمراقبة الجمعيات التعاونية وضمان عملية الدخول إليها والالتزام بالتعليمات الصحية، يقول إن مراقبين حكوميين يقفون أمام بوابات الجمعيات التعاونية، للتأكد من التزام الجميع بالقرار الوزاري رقم 83 لسنة 2020 بشأن الالتزام بلبس الكمامة الواقية أو تغطية الأنف والفم بأية وسيلة أخرى، وفي حالة مخالفة ذلك القرار الوزاري، تطبّق أحكام الفقرة الأولى من المادة 17 المعدلة بالمادة الأولى من القانون رقم 4 لسنة 2020 التي تنصّ على أن "تكون العقوبة الحبس مدة لا تتجاوز 3 أشهر وبغرامة لا تزيد عن 5 آلاف دينار كويتي (16260 دولاراً أميركياً)".

تسوق كويتيون في سوبر ماركت

 

التقصي الوبائي

على الرغم من نجاح الجمعيات التعاونية في إمداد المواطنين والمقيمين بالمواد الغذائية، إلا أن تفشي الإصابات بكورونا بين العمال يرجع إلى عدم تطبيق الإجراءات الصحية اللازمة، وفق تأكيد فارس المطيري، والذي ترأس اتحاد الجمعيات التعاونية الاستهلاكية، في منتصف تسعينيات القرن الماضي، ملقياً باللوم على وزارة الصحة،كما يقول لـ"العربي الجديد".
ويتفق طبيب متخصص في الصحة الوقائية (رفض ذكر اسمه لكونه غير مخول بالتصريح، إذ يدير أحد أكبر المراكز التخصصية الطبية) مع فارس المطيري، قائلاً إن وزارة الصحة مسؤولة عن التقصي الوبائي داخل الجمعيات التعاونية وخارجها، وكان لا بد من إحكام السيطرة على الجمعيات حتى لا تتحوّل إلى بؤرة لانتشار الوباء، ومشيراً إلى أن وزارة الصحة كان عليها تخصيص فرق لتنظيم عملية الدخول إلى الجمعيات وعدم الارتكان لإدارات الجمعيات.
لكن اختصاصي الباطنية في مستشفى الجهراء الحكومي، الدكتور عمر العنزي، والذي يعد أحد أعضاء الفرق الطبية المشكلة من وزارة الصحة لمحاربة فيروس كورونا، يدافع عن جهود وزارة الصحة بالقول: "جهود الوزارة بالقيام بالمسحات والتقصي الوبائيكانت ناجحة جداً، والأرقام الموجودة في الكويت ليست عالية مقارنة بغيرها"، مضيفاً أن سبب انتشار فيروس كورونا في الجمعيات قد يعود إلى عدم التزام الجمعيات بإرشادات الأمن والسلامة، لكن الكشتي؛ رئيس اتحاد الجمعيات التعاونية الاستهلاكية، رفض الاتهامات الموجهة للجمعيات التعاونية بعدم التزامها بإجراءات الأمن والسلامة، مؤكداً أن وجود خلل بسيط في الجمعيات لا يعني أنها مسؤولة عن انتشار الفيروس.
 

 

ويتفق النائب أسامة الشاهين؛ عضو لجنة الشؤون الصحية والاجتماعية والعمل في مجلس الأمة الكويتي، مع تقييم الكشتي قائلاً لـ"العربي الجديد" إن "وزارة الصحة أدّت دورها بالكامل في هذه الأزمة، من خلال الإرشادات الصحية التي قدمتها وساعات وأيام حظر التجول التي فرضت، وانتهاء بالفحوصات التي قامت بها وآليات العزل الصحي التي اتبعتها وفق مراقبة لجنتا لها"، مضيفاً أن العمل التعاوني صمام أمان لمواجهة أزمات الكويت، وأي خلل بسيط قد يحصل، يعود إلى ثقل الأزمة.

تسوق كويتيون في سوبر ماركت

 

 

الجمعيات حرصت على توفير مخزون استراتيجي يكفي لمدة 12 شهرا

 

تسوق كويتيون في سوبر ماركت

 

إجراءات للحد من تداعيات الفيروس
خصصت الجمعيات التعاونية مواقع سكنية لعمالها الوافدين، في المدارس المحيطة بها وداخل المناطق السكنية بالتعاون مع وزارة التربية، منذ قرار الحكومة الكويتية فرض العزل الكلي على عدد من مناطق الوافدين، وهي جليب الشيوخ والمهبولة اللتان فرض الحظر عليهما في السادس من إبريل/ نيسان الماضي، ومناطق الفروانية وخيطان وحولي وميدان حولي التي فرض الحظر عليها في 31 مايو/ أيار الماضي، ورُفع في الـ20 من يونيو/ حزيران الماضي.
 

 

وحول آلية تعامل الجمعيات التعاونية مع الإصابات التي تحدث فيها يقول الرميح: "نغلق السوق المركزي لمدة 24 ساعة للتعقيم ونعزل كافة العاملين والذين اختلطوا بهم، ونوصي السكان والزبائن الذين زاروا الجمعيات سلفاً بالحصول على فحص بالمسحة الطبية للتأكد إن أصيبوا".

وتُعتمد هذه الآلية عقب ظهور إصابات بين الزبائن، كما حدث مع الكويتي عبد العزيز البخيت (29 عاماً) الذي أصيب بفيروس كورونا في منتصف شهر مايو/ أيار الماضي بعد تسوقه في جمعية المنقف التعاونية بمحافظة الأحمدي جنوبي الكويت، إذ أثبت التقصي الوبائي الذي قامت به وزارة الصحة أن إصابته كانت بالجمعية التعاونية كما يقول لـ"العربي الجديد"، مضيفاً أنه لم يذهب إلى أي مكان آخر غير مقر الجمعية وعاد مباشرة إلى منزله. 
ولو لم يقم عبد العزيز بحجر نفسه لمدة 21 يوماً في منطقة الخيران جنوب الكويت حتى شفي من المرض، فإن الفيروس كان سينتقل إلى زوجته وابنته ذات الـ5  سنوات حسبما يقول، مؤكداً أهمية اتخاذ احتياطات الوقاية من الفيروس من قبل المتسوقين والعاملين على حد سواء.