"بعد السهرة" لـ كورتاثار: ثمن مرّ للقصيدة التامة

"بعد السهرة" لـ كورتاثار: ثمن مرّ للقصيدة التامة

14 سبتمبر 2017
(خوليو كورتاثار)
+ الخط -
رغم أنه بدأ الكتابة شاعراً، إلا أن الاحتفاء الأبرز بالكاتب الأرجنتيني خوليو كورتاثار (1914-1984) يتركّز على منجزه السردي في معظم الثقافات التي ترجمت إليها أعماله، ومنها العربية بالطبع، ويعود ذلك ربما إلى رؤية صاحب "لعبة الحجلة" إلى أشعاره، حين كان يردّد تصوّرَ أمّه بأن قصائده منتحلة.

في مجموعاته الشعرية؛ "وجود" (1938) التي نشرها باسمه المستعار خوليو دينيس، و"قصائد ميوباس" (1971)، و"أسباب الغضب" (1982)، إلى جانب أشعاره المتفرّقة في عدد من كتبه، تُكتب جملة قصيدته بتكثيف وانسيابية، وتمزج بين فيض مشاعره المتدفّقة وتأملاته الذهنية في معنى الحب والحياة والأصدقاء ومراجعة الربح والخسارات.

خلافاً للاهتمام به قاصّاً وروائياً، لم يحظَ كورتاثار الشاعر في ترجمته إلى العربية إلا بمختارات هنا وهناك، ومنها "بعد السهرة وقصائد أخرى" التي نقلها إلى العربية حسين عبد الزهرة مجيد، وصدرت مؤخراً عن "دار أزمنة" في عمّان، وقد احتوت على اثنتين وعشرين قصيدة.

يشير المترجم في مقدّمته إلى أن "كورتاثار كان مواطناً عالمياً، ورحّالة في مختلف الثقافات واللغات... كان يكتب الشعر ويحفظه عنده، وفي السنة الأخيرة من حياته، شاء أن يجمع شعره في ديوان خاص بعنوان "ملح الشفق"، ظهر في المكسيك عام 1984، بعد أشهر من وفاته".

في توليد الصور وتداعيها، وبساطة كلماته وعمقها في آن؛ شيءٌ يذكّر بكتابة صاحب "الوقت الضائع" لأغاني التانغو، وهي تجربة تضاف إلى اهتماماته بعزف الترومبيت، ونظرته إلى ارتباط الحرف والعبارة بالموسيقى، فيكتب في قصيدة "البطل":
"عيناك فاغرتان،
القلب في يديه
وجيوبه ملأى بالحمام
يحدّقُ ملياً في الزمن.

يتجسسُ على رغبته، الأضواءُ عاليةٌ،
أكاليل زهرٍ، سهام خضر، بروجٌ
يتدلى منها الشعر الطويلُ
وتولدٌ معارك رائعة".

ما يمكن تسميته بـ"الشغف" الذي يتملّك صاحب "الرابحون" في وصفه لتفاصيل الواقع حوله، يطغى على كتابته الشعرية، التي كان مؤمناً أنها جزء من "نزوة الحياة" كما كان يصفها على الدوام، فيسجّل في قصيدة "بعد هذا الفرح":
"الليلةَ، أبحثُ في فمك عن فم آخر،
أكادُ أصدقه، ذلك أن هذا النهر أعمى
يرميني إلى امرأة ويغمرني في عينيها،
والمحزن أن أسبح أخيراً إلى شاطئ النوم
أعرف أن المسرّة هي ذلك العبد البائس
يرضى بالنقود المزيفة ويفرّقها باسماً".

وبحثاً عن معنى الشعر وصورته، وكيف نكتبه ومتى ولمن، تحضر هذه الأسئلة في "قانون القصيدة" التي يرد فيها:
"الثمن المرّ للقصيدة التامة،
تسعة مقاطع في السطر،
لا تزيد ولا تنقص،
تستشهد بك إن لم تكن مقفاة.
..
الحرية أكبر من أن نكون أحراراً،
رمية نرد تفكّ
نسيجاً عنكبوتياً صامتاً وخفياً من
التقاطعات والتخوم".

المساهمون