العالم الثالث

بعد نحو شهر على نجاح مونديال قطر الباهر، انطلقت بطولة خليجي 25 حيث شاهدنا سعادة الشعب العراقي، ثم بعدها بأيام جاءت بطولة أمم أفريقيا للمحليين (شان) قي الجزائر من دون أن تواكبها أجواء دعاية إعلامية بعد أن غرقت في السجالات السياسية حتى قبل أن تبدأ

قرأ اللاعب البرازيلي الشهير بيليه رسالة المعذّبين والمهمّشين جيداً، فامتثل لهم، وظلّ لاعباً دوليّاً بامتياز خارج الملعب، بدليل أنه لم يبتر تواصله مع هذه الفئات غداة اعتزاله، كذلك عقد صداقاتٍ وطيدةً مع رموز التحرّر في العالم، من أمثال مانديلا وغيره.

أظهر مونديال كأس العالم في قطر أن نظاماً جديداً يتشكّل في الجغرافيا الرياضية العالمية، وكشف عن أن هيمنة الغرب في صراع القيم ليس نتيجة حتمية لا يُمكن عكسها، لأن العالم الآخر يُظهر مقاومة كبيرة للحفاظ على قيمه وهويته الثقافية والدينية.

أثبتنا، مرة بعد أخرى، أننا أمة واحدة لا تفرّقنا الفتن والأحقاد التي تُصَنَّعُ لنا. لكن الانتصار في مباراة هنا أو هناك لن يعالج مشكلاتنا البنيوية. لا يكفي الانتصار كروياً على دول إمبريالية، فيما دولنا تتبع لها ولمَّا تنعتق بعد من ربقتها.

في المقارنة بين ملعب "الحكّام" وملعب كرة القدم، يخلو الأول من دكّة الاحتياط؛ لأنّ الحكّام يمقتون فكرة "البديل"، فهم على قناعةٍ تامة أنهم لا يتبدّلون ولا يتكرّرون، سيما فئة الحكام من دول العالم الثالث الذين دشّنوا التاريخ وختموه.

الموقف الغربي الرسمي والإعلامي من بطولة العالم في قطر ما هو إلا محطّة (غير مقصودة) من تصحيح الغرب صورته لدى من كان مخدوعًا بها، فهذه الصورة المثالية المتخيلة، التي رسمها الاستلاب الثقافي العربي، بدأت تتفكك تدريجيًا خلال العقد الماضي.

ربما لكأس العالم في قطر طعم خاص ورهانات خاصة للعرب جميعاً برمزيات مكثفة. وقد غدت الكرة عالماً من الرموز، لم تصنع من جِلد بل قدّت من قيم وطموحات ومشاعر. ثمّة قومية عربية كروية ترثها نزعات عالم ثالثية، تريد أن تثأر الأطراف من المركز.